|
Ahmdm75@yahoo.com
جاءت الهجمات التي شنتها جماعة أنصار الشريعة على عدد من المعسكرات في محافظة أبين (4-5 مارس 2012م) وما خلفته من خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتؤكد على أهمية الإسراع بإنجاز هيكلة الجيش وتوحيده ورسم الأسس الوطنية المحددة لطبيعة تكوينه ومهامه الحالية والمستقبلية.
وما يثير الاهتمام هو برود التعامل الرسمي من قبل الرئيس هادي وحكومة الوفاق تجاه النتائج الكارثية لتلك الأحداث والتي تعد الأولى من نوعها في سياق الصراع الدائر مع تنظيم القاعدة، حيث أثبتت الدلائل أن هناك تواطؤا مقصودا ومكشوفا وممنهجا من قبل بعض القادة العسكريين، وهذا التواطؤ تجاوز الأساليب السابقة التي كانت تستخدمها عناصر النظام في تقديم التسهيلات اللوجيستية للجماعات المسلحة بقصد توظيف نشاطها بما يخدم أهداف النظام ومراميه.
وبدلاً من اتخاذ خطوات إجرائية حازمة وفاعلة تجاه القادة العسكريين المتورطين في هذه الجرائم البشعة وتقديمهم للعدالة في إطار تفعيل دور القضاء العسكري وأجهزة أمن القوات المسلحة، فإن أقصى ما تمخضت عنه جهود القيادة السياسية، هو صدور توجيهات الرئيس هادي بشأن «حصر ممتلكات القوات المسلحة وتشكيل اللجان المختصة للقيام بمهام الحصر والتحسب لكل ما يقع ضمن الممتلكات العامة ووضع المعالجات الكفيلة بالاستخدام الأمثل للأسلحة والمعدات والمؤن وبما يخدم ترشيد الإنفاق ومنع أي شكل من أشكال إهدار المال العام».
وهو الأمر الذي تم مناقشته من قبل وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ورؤساء دوائر وزارة الدفاع في الاجتماع الذي عقدوه يوم الأربعاء 7 مارس 2012م، دون الخروج بقرارات ملموسة تؤكد جدية التوجه نحو إنهاء الانقسام في الجيش وإعادة هيكلته.
وبالرجوع إلى نص الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في الفقرة 17: «تقوم لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون». سنجد أن عملية الهيكلة كان يفترض أن تبدأ خلال المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية. ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الهدف من هذا التباطؤ أو التلكؤ الذي تبدو مؤشراته واضحة من عدة أوجه:
في البداية قيل إن الهيكلة ستكون ضمن مهام وإنجازات المرحلة الثانية للفترة الانتقالية رغم أن الآلية لم تنص على ذلك، وقبل الناس هذا الطرح على أمل تحقيق الوعد ومراعاة للظروف والأحوال العامة.
الأمر الثاني: أن الرئيس عبدربه منصور هادي ظل يتحاشى التطرق في خطاباته وكلماته وأحاديثه الصحفية لموضوع توحيد الجيش وإعادة هيكلته، وهو ما يثير الشكوك تجاه هذه السياسة ومقاصدها.
الأمر الثالث: منذ إجراء الانتخابات الرئاسية وحتى الآن لم يدر الرئيس هادي أي اجتماع للجنة الشئوون العسكرية وهي المعنية باستكمال خطوات التهدئة وإعادة هيكلة الجيش، بل ورافق هذا التجاهل قيام المؤتمر الشعبي العام وبقايا النظام بحملة إعلامية مكثفة ضد اللجنة العسكرية، بقصد إرباكها ودفعها للعمل والاهتمام بالجوانب الفرعية وصولاً إلى تحييدها وإيقافها عن أداء دورها الذي نصت عليه الآلية التنفيذية للمبادرة.
الأمر الرابع: رغم تركز المحادثات التي أجراها الرئيس هادي مؤخراً مع بعض المسئولين والسفراء الدوليين على موضوع القاعدة وما يمثله الإرهاب من خطر مشترك، إلا أن قفز الجميع من الحديث عن الإرهاب إلى الحديث عن مؤتمر الحوار الوطني يوحي بأن هناك موقفا شبه موحد لجعل موضوع الحوار الوطني هو الأبرز وصاحب الأولوية، في مقابل تهميش موضوع هيكلة الجيش، وكأن هناك تعارضا بين الاثنين في هذه اللحظة، مع العلم أن اللجنة العسكرية ليس لها علاقة بموضوع الحوار وبإمكانها إنجاز عملية الهيكلة في الوقت الذي تجري فيه الترتيبات لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، بدون أن يصبح أي جانب أداة عرقلة للجانب الآخر، بل إن تزامن العمل على تحقيق الهدفين سيكون له إيجابية سياسية ومعنوية للرئيس هادي ولحكومة الوفاق ولعملية تحقيق الأمن والاستقرار كشرط ضروري للخروج الآمن من الفترة الانتقالية إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الحديثة في سياق وضع الأسس المتينة المتعلقة بمضامين الدستور وشكل نظام الحكم وطبيعة المكونات الإدارية، ووضع الحلول العاجلة والناجعة لمختلف القضايا والمشاكل القائمة على مستوى الساحة اليمنية.
وبالتأكيد إذا كان الرئيس هادي هو المعني الأول بموضوع إعادة هيكلة الجيش وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، باعتباره رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة وباعتباره رئيس لجنة الشئون العسكرية المكلفة بإنجاز تلك المهام، فإن مجمل المعطيات التي نراها أمامنا كمواطنين تطرح بنفسها العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات شافية، مثل:
- لماذا لم تستطع شرعية الانتخابات الرئاسية 21 فبراير 2012م حتى الآن من تمكين الرئيس عبدربه منصور هادي للإمساك بمختلف جوانب القرار العسكري والأمني؟
- ما الذي يجعل مراكز القوى العسكرية والأمنية لبقايا النظام ترفض الانصياع لقرارات الرئيس هادي والاعتراف به كقائد أعلى للقوات المسلحة؟ هل تعتقد مثل هذه المراكز أن بإمكانها الاستمرار وقلب الطاولة مستقبلاً؟ أم تريد البقاء كأداة عرقلة ووسيلة لزرع الفوضى والتخريب وتعميمهما وفق مبدأ (عليّ وعلى أعدائي)؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتحقق هذا الهدف؟
- هل حدث تناغم غير مباشر بين الرئيس هادي وبقايا النظام، بحيث استطاعت مراكز القوى تلك إقناع الرئيس بأن موضوع تأجيل هيكلة الجيش يخدم سياساته بما يجعله يتمكن من استخدام هذا الموضوع كورقة ضغط هنا وهناك والتلويح به في وجه هذا الطرف أو ذاك خلال السنتين القادمتين؟ وبعد ذلك يبدأ طرح الموضوع كمادة دعائية للانتخابات القادمة، تحت حجة أن هادي هو صمام أمان وهو القادر على نزع الفتيل بعد أن أنجز الحوار الوطني وصياغة الدستور، وو.. الخ؟
- هل يمكن القول إن الرئيس هادي يعاني أيضاً من ضغوط خارجية فرضت نفسها باتجاه تأجيل إعادة الهيكلة، في ضوء مخاوف واستراتيجيات تلك الأطراف، خاصة الطرفان الفاعلان في المعادلة اليمنية «الأشقاء السعوديين والأصدقاء الأمريكيين»، وذلك في سياق استجلاء طبيعة الترتيبات الجارية وما ستفرزه من موازين سياسية جديدة.
- وأخيراً، لماذا يتم التعامل مع هذا الملف وغيره من الملفات الأخرى في إطار تجاهل مطالب الثورة والثوار؟ هل يعني أننا أمام سياسة إنهاك نفسي، بحيث تظل القضايا الشائكة مادة للجدل السياسي والإعلامي وأداة من أدوات شغل الناس وصرفهم عن مطالب الإصلاحات السياسية والإدارية الأخرى وما يترتب عليها من استحقاقات عامة؟
في الأربعاء 14 مارس - آذار 2012 07:15:45 م