شهداء جمعة الكرامة «صور وسيرة ذاتية»
مأرب برس - متابعات
مأرب برس - متابعات

-الجمهورية نت- عبد الله الجماعي
يتذكر اليمنيون جيدا 18 مارس . انه اليوم الذي سقط فيه نظام صالح بطريقة مدوية . أبشع المجازر الدموية في تاريخ اليمن المعاصر ، ابتدأت في مثل هذا اليوم . شباب بصدور عارية ، كانوا أهدافاً لقناصة تمركزوا فوق أسطح البنايات المطلة على ساحة التغيير ، فكانت الحصيلة أكثر من 50 شهيدا ، ومئات الجرحى .
سقط الشهداء ، فارتفعت الحرية عاليا منذ ذاك اليوم .
في الذكرى الاولى ، لجمعة الكرامة ، تفرد الجمهورية مساحة واسعة لمن وهبوا أرواحهم دون تردد فداء لليمن .
تُذكّر الناس بقناديل ، غادروا الدنيا بـ” رصاص الحقد الأعمى “ كما قال الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح ، رغم ثقتها ان الشهداء لا يموتون ، بل يميتون القتلة .
الذكرى الاولى لمجزرة جمعة الكرامة ، محطة هامة لليمنيين ، للوقوف أمام تضحيات حقيقية ، ينبغي ألا يتم خذلانها ، بالسماح لسماسرة الثورات بسرقتها على الدوام ، وذكرى لشهداء ، ياملون من الأحياء ألا يخذلونهم ، بل يواصلون ما بدأوه من حلم .
وهب الشهداء ، هذا البلد “ الدم الغالي “ ، ويتوجب علينا ان نهبهم كل ما لدينا ، ونعمل على الاقتصاص من قتلتهم.
يتوجب على ابناء الشعب جميعا ، ان يجعلوا من الذكرى الأولى لـ” جمعة الكرامة “ ، بداية لثورة تبحث عن كرامة ما زالت مفقودة حتى اللحظة .
المجد للشهداء ، النصر للثورة .

الشهيد أنور عبد الواحد الماعطي
الشهيد الفاتح

كان يمكن أن تمر جمعة الكرامة وهو يتجول في الحديقة.. أو في قريته مسور الحجلة بخولان الطيال مع الأهل والأصدقاء..أو في استقبال أصدقائه في منزله الجميل..
لكن ملامح الفتى تكشف عن غرامه بالتأمل، والتصالح مع النفس إلى حد كبير.. مع هدوئه وقلة كلامه، ومبادرته وحبه للانجاز..
في منطقته الواقعة شرقي العاصمة صنعاء، ومن تلك المنازل الطينية استقى أنور عبد الواحد الماعطي نكهة التاريخ وأصالة الانتماء.. وفي مدرسة الشيخ حسين بن علي الصلاحي، درس حتى الصف الثاني الثانوي العلمي وهي ذات المدرسة التي درس فيها شيخه في القرآن ورفيقه في الثورة والشهادة الشهيد الحافظ محمد قناف غنيم..
الثامن عشر من مارس ألفين واحد عشر.. جمعة الكرامة.. كان القناصة يعتلون منزلا محصنا لأحد سدنة النظام العائلي.. كانت الأجواء معدة سلفا لتنفيذ أبشع مجزرة شهدتها العاصمة صنعاء.. كانت الأرض تفترش النيران الكثيفة والسماء تعصب وجهها بالدخان..وتمطر رصاصا..
الوقت بُعيد صلاة جمعة الكرامة.. المكان أمام بوابة ذلك المنزل الذي ينطلق الرصاص من كل نوافذه وشرفاته من قبل محترفين على أعلى مستوى من الإعداد والتدريب..
كان لأنور ذي الستة عشر ربيعا، ومن في حكم سنه، أن يرتاع من كثافة النيران، أن يخشى على حياته وهو يرى الإصابات المتتالية توقع الواحد تلو الآخر بين يديه ومن خلفه..
قرابة ثلاثين شهيدا سقطوا في دقائق معدودة.. والشباب يبحثون عن ممر مناسب لإيقاف القتل الممنهج، لكنهم لم يجدوا الطريق.. فجأة، ومن بين الرصاص الكثيف يندفع فتى وضيء الوجه، باتجاه المكان الذي أعد للموت المحتم.. يصعد على أكتاف الشباب المحاصر.. يقفز إلى الجانب الآخر ويرمي بثقل جسمه كله صوب الباب فيفتحه.. ليطلق عليه القناصة رصاصة الغدر من الخلف.. وبالتالي يترك المجال لغيره ليكمل المهمة..
وإزاء الأعداد التي كنا سنشهدها إزاء عمليات القتل الممنهج.. وجميع الشباب هدف للقتل والرصاص.. بادر أنور فنال عن جدارة وبطولة لقب الفاتح.. يرفع أصابعه بإشارة النصر وهو محمول على أيدي من بادروا إلى إسعافه من رفاقه في الثورة..
 لم يكن مقيما في ساحة الاعتصام بسبب التزامه في مقعد الدرس بمدرسته، لكنه كهؤلاء كان يؤمن بالحق في التغيير.. بالثورة.. بالحق في الحرية والعيش الكريم.. حتى ولو قطع المسافة من خولان إلى صنعاء يوميا..
 هو شبل مبادر.. يحمل هما بحجم حلم شعب وإرادة أمة.. انطلق من حلمه الحق.. وجسد في حياته اليومية أخلاق حلمه الجميل.. ومثلما قدم رسالة في حياته قدم أيضا رسائل كبرى يوم وبعد شهادته..


الشهيد أسامة الأشول
طموح تجاوز الأعمار

كانت أمه تحكي لنا آخر ما دار بينها وبينه قبل توجهه إلى ساحة التغيير بصنعاء، يوم خرج أسامة من بيته بعد أن ودعها، لآخر مرة منذ بدأت الثورة حيث كان يذهب إلى البيت لكي يغير ملابسه ويسلم على أمه ثم يعود إلى الساحة.
كان طموح أسامة كبيرا من خلال حديثه مع أمه، فالبلاد من وجهة نظره سوف تتغير للأفضل وسوف يتحسن وضع المواطن ويأخذ الموظفون راتبا أكبر..
أسامة علي يحيى الأشول، هو الأخ الثالث من بين ستة إخوة ذكورا وإناثا، وكان ملتحقا بمؤسسة اليتيم التنموية في الصف الأول الثانوي، ويحلم بأن يكون مهندسا من خلال دراسته في مجال الألمنيوم مع اثنين من إخوته في مؤسسة اليتيم ويسكن عند أعمامه حيث البيت الجامع للأسرة..
في نظرات والدته حزن كبير، غير نبرتها في الحديث كانت تنبئ عن مخزون للشجاعة والحنكة، كان ولدها الشهيد أسامة يتزود منه كلما عاد إلى البيت للسلام عليها وتغيير ملابسه..
أسامة الأشول يبلغ من العمر 17 عاماً وكان شاباً حماسياً ومحبوبا من الكل حتى أن زملاءه وأحبابه صاروا يسمون الحارة بحارة الشهيد أسامة الأشول..
وسجلت له قناة الجزيرة مشهدا قبل استشهاده وهو يصيح بصوته رافعا أصبعين من أصابعه ويحلف: سيرحل والله إنه سيرحل..


الشهيد محمد قناف غنيم
من خولان الطيال.. مسور الحجلة ومن أسرة لها في النضال باع وشاعر من بني غنيم، ومن أجداده السمح بن مالك الخولاني.. سيد الفاتحين.
ولد الشهيد محمد قناف مرشد غنيم مع بواكير الوحدة اليمنية في1992م.. هو الأول من بين إخوته.. حافظ للقران ومدرس له، وكان على وشك الشهادة الثانوية.. وخاطب كان على عتبة الزواج.
كان شهداء جمعة الكرامة طلابا وشبابا في ريعان العمر ومقتبل الحياة.. لديهم أسر تنتظرهم في البيوت ولهم آمال وطموحات بحياة كريمة.. بعضهم جاء من مضارب القبيلة والبندقية لكنهم قدموا للعالم أجمع الصورة الحقيقة لحضارة القبيلة اليمنية وأصالتها. تلك الصورة التي طالما شوهتها الآلة الإعلامية للنظام البائد.
في جمعة الكرامة أجاد بلاطجة النظام الجريمة، ووزعت بنادقهم رصاص الموت على رؤوس أبرياء عزل، من كل محافظة وقرية وبيت.. ولأن خولان الأشمخ رأسا فقد أصابت رأسها أكثر من رصاصة.. ونفذت إحداهن في رقبة الشهيد محمد قناف حسين مرشد غنيم، قبل أن يكمل عمره العشرين.
وقبل الرصاصة زف والد الشهيد، لابنه الحافظ، في اتصال هاتفي.. بشرى حصوله على وظيفة مدرس لتحفيظ القرآن.. كان ذلك صباح الجمعة الجامعة، في الثامن عشر من مارس 2011م، فرد على والده ببشرى أخرى وخبر سار سيخبر به والده بعد صلاة الجمعة..
تلك الظهيرة اختلط الدخان بالدم وصوت الرصاص بنحيب سيارات الإسعاف..
حينذاك كان سهيل اليماني يعرض في شاشته صور نجوم جديدة، كان من بينها قناف الشاب، وشباب آخرون قالوا لأسرهم إن لديهم أخبار سارة لم يفصحوا عن ماهيتها وجادوا بها سبقا صحفيا لقناتهم الأثيرة سهيل.
فرآهم الأحباب والأهلون هنا شهداء.. كلما ولى عن الساحة منهم عظيم شهدت من خيامها عظيما.
غنيم هو ثاني شهيد في جمعة الكرامة.. التحق بالساحة منذ بداية الاعتصامات مستقرا في خيمة أحفاد الفاتح السمح بن مالك الخولاني.
شجاع مقدام.. يهتم بزملائه وترتيب خيمته.. يخطب ويحاضر ويصلح بين الناس.. في الخيمة ولجان الثورة كان.. ومازال محمد قناف حاضرا ملء المكان..
ولأنه مازال حاضرا جاء سماسرة النظام يقايضون الأب بملايين الريالات لينسى دم ابنه الشهيد!! لكنه رفض وأبى.. فلله در الأب والشهيد.. وللمجد كل قطرة دم نزفت في المعترك.. فهل أدرك قابيل أن دم أخيه غير قابل للتفاوض والمقايضة والنسيان..


له من اسمه نصيب
الشهيد محمد عبده الشاجع

في قرية شاهقة في قمم وصاب.. جارة القمر، ومعلقة الضباب.. مسقط رأس الشهيد محمد عبده عبدالله الشاجع.. وفي رحابها الواسعة أطلق شهقة الحياة الأولى.. في تلك القرية النائية.. شأنها شأن كثير من القرى اليمنية، تقع خارج نطاق الخدمات المختلفة.. حتى بعد أن بلغت ثورة سبتمبر الأم ثلاثة عقود حين كان الشاجع في المهد صبيا.
اسمه هو صفته، فهو الفارس الشجاع.. وكغيره من أبناء وصاب، بمحافظة ذمار، لم يجد محمد الشاجع فرصة لإتمام دراسته في قريته، حال النظام المهترئ بينه وبين إتمام دراسته في مدرسة شهداء جعر الإعدادية..! فحزن لذلك كثيرا..
انتقل محمد إلى العاصمة صنعاء عله يجد فرصة عمل.. فباع العطور في وطن أصابته روائح فساد الحاكم بالزكام.. وفي حارة الزمر بصنعاء القديمة كان مستقره ردحا من الزمن البائد..
مع نسج الخيوط الأولى من أشعة شمس الثورة السلمية، انطلق محمد الشاجع صوب ساحة التغيير بصنعاء، ليسهم مع الجموع في المطالبة بالتغيير، وليصلح هذا العطار الشاب ما أفسده النظام الشائخ..
وفي جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس ألفين وأحد عشر، ارتدى محمد الشاجع أجمل ملابسه وتطيب بعطره المفضل..
في المقابل كان بلاطجة النظام، يتربصون بالمصلين والمعتصمين الدوائر.. ويعدون الكمائن على أسطح المنازل المجاورة..
وحين رص المعتصمون والمصلون صفوفهم، تلاشت روائح العطر مع الدخان المتصاعد والغازات.. وكان الشاب محمد الشاجع في قلب الحدث.. ناسيا أن يصطحب معه قارورة عطر من المحل لتلطيف جوٍ لوثه الأوغاد..! وحين لم يجد منح جسده للوطن مسكا أبديا، وبسمة عاطرة..
والد محمد في الستين من عمره أعلن عن فوزه بشهيد من صلبه هو الخامس بين إخوانه السبعة، وهو الذي لم يتجاوز عمره العشرين عاما مما تعدون، بل تجاوزه بمئات القرون، بحساب الثورة وتقويم الزمن اليمني الجديد..
لا تزال قوارير العطر المتراصة في الدكان الذي كان يعمل فيه الشهيد، تتذكر عطرا بشريا مر من هناك..
ولقارورة عطر العود، مع الشهيد محمد الشاجع حكاية عشق وذكريات غرام.. فهي عطره المفضل الذي تعطر به صباح جمعة الكرامة..
ومن ذكريات الأصدقاء أن الشهيد الشاجع رتب لإقامة حفل زفافه في الأجازة!! لكن رصاصة الغدر استقرت فوق عينه قبل الصيف.. ارتدى ثياب العرس.. في صورة فوتوغرافية، تركها ذكرى لكل من حضر زفاف عرس الاستشهاد، من مبتدأ الأرض إلى سدرة المنتهى..


الشهيد حامد عبد الله اليوسفي
شهيد من أجل اليمن

“ياقارئ رسالتي لا تبك على موتي فاليوم أنا معك وغداَ في التراب, فإن عشت فإني معك وإن مُت فتبقى الذكريات.. ويا ماراً على قبري لا تعجب من أمري، بالأمس كنت معك وغداً أنت معي”..
بأحرف من نور الثورة، كتب حامد اليوسفي هذه الكلمات، معلنا بذلك نفسه أول يوسفي ينظم إلى قافلة الشهداء، في الثامن عشر من مارس 2011، بعد رحلة خلود سطرها بعمله كفني مساحة، معدا للرسومات المساحية، وخبيرا في تشغيل موقع العمل بشكل سليم، وعمله في رفع المساحة في مطار صنعاء الدولي، وسنوات أخرى مع الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، وعدد من المشاريع الأخرى
ويقول صديقه الثائر عيبان اليوسفي، لقد كتبها لنا قبل أيام من استشهاده في غرفة الدردشة ولكثير من الزملاء عندما تسرب إلينا قليل من الإحباط بسبب بطء نجاح الثورة اليمنية.
هكذا إذن رثى المهندس الشهيد حامد عبد الله شايف اليوسفي، 27 عاما من عمره، وأعلن نفرته في سبيل نجاح ثورته عبر رسالته الأخيرة لجميع الثوار في ساحات التغيير، غير عابئ ولا مستبطئ نتيجة العمل الذي يقوم به.. لكأنه كان يشعر بأن على الطريق ثمة أشواكاً أخرى تثقل كاهل الثورة، وتحول دون تحقق نتائج سريعة وملموسة.
“كم نحن من القرية متواجدون في الساحة..؟!”.. سأل حامد صديقه ذات لقاء لم يدم طويلا، ليلة جمعة الكرامة، واقفا على باب خيمة بني يوسف.. دون انتظار الجواب.. يبتسم ثم يضحك ويتحدث بثقة: “لا بد أن نضحي من أصحاب بني يوسف ولو بشهيد واحد”.
خيمته الصغيرة التي نصبها في ساحة التغيير بصنعاء، شاهد وفاء ونبتة حرية في صحراء وطن ظمآن للاستقلال والتحرر من إسار كاد يفقده سنا المجد وعنفوان التاريخ.. كان يفتش بين زمهرير المساء وحر الظهيرة، باحثا عن المجد والكرامة والحرية قبل أن يبحث عن وظيفته, وتهيجه ربما لحظات التصفيق التي حظيت بها ثورة القيروان وأرض الكنانة.. أن تموت يا صديقي، فذلك يعني أن يمنا يولد من جديد في بني يوسف، والحجرية، وتعز، وفي كل ربوع وأنحاء السعيدة وآزال وأرض سام. ستعرف مشاريع حامد اليوسفي التي كان يعكف عليها وحيداً في غرفته طريقها إلى النور.. لن تموت، لن تذبل أزهارها. لم يعد الوطن بحاجة إلى هبة رئاسية تسمى جوائز الرئيس في مجالات العقل والتفكير والعاطفة والعقيدة، سينتهي كل ذلك ويبقى اليمن..
ربما كنت الأسبق إلى أرض الساحة ومدينة النضال، وتركت فينا بصمات واضحة، غير أن شعبا بأكمله جاء ليلبي شغفا كان يملؤك وطموحا كنت تصبو إليه.. وهاهي ساحة التغيير التي لم تلتقط لنفسك فيها صورة واحدة، تعج بصور الشهيد حامد اليوسفي.. وهل صور الشهداء إلا انعكاسا لأعمالهم وترجمة لأدائهم ونجاحهم في احتضان ورعاية اللحظة الثورية..


الشهيد محمد محمد العلوي
الساعة الآن: هي الغد إلا قليل.. لحظات فقط، ونبلغ تمام الفجر.. من هنا يبدأ اليمن الجديد بتوقيت الشهيد محمد محمد علوي الوصابي..
زمن جديد يصعد من بين ألوان العلم والدم الغالي فنستيقظ على الوطن.
وأبو الشهيد شيخ كبير.. وجهه يختزل تضاريس وطن، ونظرات عينيه إدانة، وتاريخ من الرمد.. يعد لنا متكئا
ثم يفتح صدره فإذا هو سنوات غربة وشوق وعذاب.. يبدأ الحديث من نقطة الوقف..
فهذا الذي تعرفه يمنيا في صمته وصوته، قضى نصف عمره في السعودية وزار تركيا ورأى الفرق واضحا بين الوطن المنفى، والمنفى الوطن.
عاد والد الشهيد محمد علوي إلى مسقط رأسه، فوجد يمنا مكسورا، كعشبة الخريف، ورأس ابنه الأكبر رمزي مثقوبا بالرصاص. قتلوه في أحد الأسواق قبل أكثر من عامين وتفرق دمه بين المحاكم والحكومة.. فاقتص الشهيد محمد محمد علوي لدم شقيقه رمزي، بدم آخر هو دمه..
الساعة الآن المستقبل إلا قليلا..
وكان الشهيد محمد علوي الوصابي المولود في الحديدة.. توقظه رائحة الأرض في الصباح المبكر.. وجاءت الثورة فجاء على عجل وأمل.. حاملا في يمينه شمسا واثنتين وعشرين وردة من باقة عمره المديد..
لم يكمل علوي الابن دراسته الثانوية.. لم يدخل الجامعة.. لكنه لم يترك فضيلة إلا ودلت عليه.. كان كأي شهيد كل شيء بالنسبة لأهله وذويه.. وصار كأي شهيد كل شيء للوطن والناس.. أراد علوي أن يكون مستقبلا زاهرا للجميع فكان.
شاهد وشهيد هو محمد علوي.. وقبل أن تصعد رصاصة سافلة، ناصية جبينه العالي كان هنا.. يوثق اللحظة ويصوب عدسة الكاميرا التي اقتناها لهذا الخصوص في كل رصاصة..
ولحظة رأى البلاطجة العدسة تقتنص المُدية والجزار، اقتنصوه في جريمة أرادوا لها أن تمر بدون شهود..
الساعة الآن.. الشهيد محمد محمد علوي..
لم يتبق من الوقت سوى لحظات فقط ويبدأ الزمن، واليمن من نقطة الوقف تماما.. إنها لحظات شوق، استشرفها الشهيد بنفسه، في 18 مارس 2010، أي قبل عام كامل من استشهاده، في هذه العبارة التي كتبها بخطه الجميل، أمام دكانه.
هي الجمعة.. فيها يصلي الناس ويستريحون.. عيد المسلمين ويوم إجازتهم الرسمية إلى ما قبل 18مارس..
هي الجمعة.. يوم الثورة والقيامة.. وهي الآن اليوم الأول من الزمن والتاريخ الجديد.. زهاء مليون مصل على صعيد الثورة.. وكان علوي هنا.. كان صلاة ودعاء وشاهدا وشهيدا واثنتين وعشرين وردة من عمره، تكفي خريطة الوطن وكل المحافظات.
ها هو الشهيد محمد العلوي، وهاهم رفاق المسك وتاج الوقار، في منظر يدمي القلوب كلما انضم مفجوعون جدد على شهدائهم، في ذلك اليوم الحزين.. وكان أخوه عبد العليم ينظر إلى أسر الشهداء الذين كانوا يتوافدون إلى داخل المستشفى الميداني، طيلة خمس ساعات، فهان عليه ما هو فيه واكتفى بالدعاء على القتلة والمجرمين ومتوعدا إياهم بالاقتصاص لأخويه، من خلال سلمية الثورة، حتى لو كلفه ذلك دما غاليا.. آخر..
الساعة الآن.. العلم والنشيد والسارية
الأسود.. يرمز إلى نظام صالح البائد، وآخر الدخان.
الأبيض.. يرمز إلى الفجر (محمد محمد علوي)..
أما الأحمر.. فلون الدم والثورة والجمر.
والانتصار..


الشهيد ماهر رزق ماهر...
الباحث عن وطن

أنا فرح بنت الشهيد ماهر رزق محمد ماهر من المحويت..
وطني الحبيب ما زلت صغيرة لأهدي، لكني قدمت لك أغلى كلمة علي: بابا.. دمه لك فداء، سأبكيه كل صباح، لأذكر أنه ذهب لأعيش حرة، لأتنفس صدى اليمن تحت عبير دموع أمواج الأمل.. سأقول: حبك بابا تحت سماء وطني الصافية، وعلى ترابه الغالي. سأقبِّل ثراه كل صباح، مع شروق الشمس وغروبها، سأصرخ بأعلى صوتي للعالم كله، أحبك كما أحب بابا، فلأجلك ذهب أبي وتركني، فأنت يا وطني أبي..
تختصر كلمات هذه الطفلة قصة وطن كبير عاش في قلب والدها، يقتات من جهده وماله ووقته وراحته، حتى إذا اكتملت أفراح الروح سقاه من شرايينه دماء زكية طاهرة..
ثلاثة وثلاثون عاما هي عمر الشهيد ماهر رزق محمد ماهر، لم يذق فيه هؤلاء الطيبون طعم الحرية، كل هؤلاء وأكثرهم قيمة وأنفعهم لأهله ومن حوله.. إذ كان يسعى لتأسيس أعمال تكافلية واجتماعية..
حالت الظروف بينه وبين دخول بوابة الجامعة لدراسة الهندسة كما كان يحلم، فأسند ظهره على أحد أسوارها.. وباقتراب الثورة من منزله الواقع في شارع القاهرة، شعر ماهر رزق ماهر بأن مستقبلا مشرقا يلوح في الأفق. ودع انطوائيته ليخرج إلى عالم فسيح تشكلت ملامحه في تلك الساحة المحيطة بمجسم الإيمان يمان والحكمة يمانية بجولة الجامعة الجديدة، وفي منتصف فبراير من العام 2011، غادر ماهر البيت لينخرط في ساحات الشرف والفداء، التي لا تبعد عن منزل والده سوى بضعة أمتار، هي ذات المسافة بين ماهر والوطن..
حيث نصب خيمته الأولى مع فتية ربما سمحت لهم الظروف بدخول ذلك الحرم القصي، لكنهم خرجوا منه إلى رصيف البطالة، إذ الوظائف الرسمية تباع وتهدى بعيدا عن الشهادات والمعدلات..
توفي والد ماهر عام 1999م، فصار ماهر أبا للجميع، سبعة عشر أخا وأربعة أبناء وزوجة وأم مكلومة..
لم يكمل بعض أشقائه التعليم فاتجه بعضهم للعمل الحر طلبا للرزق، حيث على طريق والدهم في المقاولات والبناء..
مع التسليمة الأخيرة في صلاة جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس 2011، بدأ العدوان على ساحة التغيير بصنعاء وسمع ماهر صوت الرصاص يقتل إخوانه ورفاق نضاله عند المركز الطبي الإيراني، فانطلق أسرع من الصوت والرصاصة.. انطلق إلى هناك حوالي الواحدة والنصف ظهرا.
حوالي الساعة الثانية شعرت زوجته بأن ماهر لن يعود، وتناول الجميع غداءهم على وقع أصوات الرصاص، بدون ماهر..
وهناك اصطادته همجية الغدر والخيانة، بجوار جدار الكرامة حيث كان ماهر يبحث عن وطنه، حتى لو اقتضى الأمر أن يدفع الثمن وطنا بدم، حرية بروح غالية إذ يولد الوطن من وتد خيمة وقبر شهيد..
انتقلت الروح إلى بارئها، وتفرق إخوانه على المستشفيات الخاصة للبحث عنه. كانت أول خزانة فتحها أخوه طلال في ثلاجة مستشفى العلوم والتكنولوجيا مرقدا مؤقتا لجثة أخيه ماهر. كان ذلك السادسة من مساء جمعة الكرامة 18 مارس 2011م.
سكنت روح ماهر فيما روح أمه لم تسكن، ولم تصدق رواية إصابة ولدها في رجله..
نصب ماهر خيمتين، وثالثة عند مليك مقتدر.. وصار منزله بالنسبة لأهله جزءا من خيمتهم وليس العكس، كأنها تفوح برائحة الشهيد. تدعو لهم أمهم باستمرار بأن ينصر الله ثورتهم، وتعد لهم ما يحتاجون من خدمة خلال فترة اعتصامهم، فيما تحضر الأخوات معظم فعاليات ساحة التغيير، ويبقى الأطفال الأربعة وأقاربهم يترددون على خيمة شهيدهم، يلعبون، يمرحون، يصلون مع الكبار في جماعة واحدة مع إمام ساحة التغيير.
لن يعود السيف إلى غمده، لن تعود السهام إلى أكنتها، لن يعود الشباب من الساحات، إلا وقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، لن يعودوا إلا وقد بلغ النزال كش ملك!! صورة لكل البيادق البيضاء وهي تحاصر الملك الأسود في موقعه على رقعة الشطرنج..


الشهيد محمد يحيى الثلايا
ميراث الاستشهاد 

الثلايا.. الشهيد الكبير يحضر من جديد في ساحة التغيير بصنعاء، يحضر في صورة بطل من هذا الزمان، ينتمي إلى ذات المكان المسكون بتاريخ من العظمة والكبرياء. “ثلا” مدينة الحرية والأحرار، التربة الأم، التي أسكنت روحها في الجوار، في المدان بعمران.
يشرق أحمد بن يحيى الثلايا بعد 55 سنة، في محمد حسين الثلايا، شهيد جمعة الكرامة. تبدو الذكرى ولادة، مجداً مستعاداً.
عشية استشهاده، وفي خيمة من وجوم وذهول وعلى أضواء الشموع، كان رفاقه يغرقون في صمت دامع. يقلبون أعينهم في فراغ الفجيعة مشيعين بأسىً قمرهم الذبيح.
لم يلعن محمد شعبه لحظات استشهاده كما فعل الثلايا الكبير، حين أراد له الحياة وأرادوا له الموت، لأن شعبه كان يحيط به، وبكاه بدمع غزير.
عند الجدار (الأخير) بجوار المركز الإيراني نصب خيمته، مهيئا نفسه لاحتمالات المواجهة والموت.
يقول صديقه الحميم علي الغولي: “قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعلى صوت طلقات الرصاص اتصلت به، لم يفصح لي عن إصابته. سألته: أين أنت الآن؟ قال: بجانب الجدار. استفسرته عن نبرة صوته المتألم، رد علي: “عطشان”، وسمعته يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله، “الله يصيب علي عبد الله صالح، الله يصيبه”. ثم انقطع كل شيء. أصيب محمد برصاصة اخترقت جنبه. وهناك حيث روى الحرية بدمه، سقط عطشانا للوطن، وهو يوصي رفاقه بالصبر والثبات.
لم يمت الثلايا محمد.. ما زال بين أصحابه روحا تتردد على الخيام، يحيا عبقا ملء الصدور أقوالا وأفعالا حميدة تؤرخ لبطل جسور، كان في الفضيلة والطهر والنقاء والصدق موضع إجماع. “لا يُرى إلا متصدرا في كل الأمور” بحسب الشيخ هادي أبو سالم.
 محمد: وجه جاد الملامح، شخصية محتشدة بالرجولة، يتمتع بإشعاع خاص، وجاذبية ملفتة، مع تواضع جمّ. اتسم بالإقدام والانضباط والمثالية والدأب والحرص الشديد على الإنجاز. كما امتاز بمواهب متعددة وقدرات متنوعة، هو مدرس اللغة الإنجليزية والرياضيات، الإعلامي، الخطاط والرسام، والقيادي البارز في الإصلاح الذي كان رئيسا لدائرته الإعلامية بمديرية المدان بعمران.
سيسكن الثلايا قلب هذا الوطن الذي وهبه حياته. لن يموت. سيبقى أمام أجيال اليمن بطلا متقدما على الدوام، يقودهم بروحه الحرة الأبية نحو الأعالي، شأن كل الشهداء العظام.
كبرنا بك يا أبا (أفنان)، اليمن بك الآن جنة، وارفة الأفنان والأغصان، كبرنا بك يا أبا (بنان)، كبرنا بك يا أبا (بتول).. يا أبا الرجال، ستظل حيا تتعهدنا بالرعاية، تغمرنا بالحب والحنان، تعلمنا معنى الفداء والتضحية، معنى أن نكون. يرحمك الله أيها الشهيد الكبير.
ما يخفف شعورنا بالفقدان أنك ملأت حاجتنا إلى العظمة، ستظل حياً في الدروب التي بذرت فيها الحب. ستظل حيا في عيون الصباحات البهية، تشرق في الكلمات، وفي الأفكار. لن تخلو المدرسة منك أبدا، أنت الآن المعلم الكبير، درسك الشهادة، ومدرستك الوطن، فسلام عليك أيها الشهيد، يوم ولدت ويوم استشهادك ويوم تبعث حيا.


الشهيد محمد العريفي..
ثورة طلابية في مواجهة حكم شائخ

عند المركز الطبي الإيراني كانت ملحمة (محمد) الذي ربط رأسه بعصابة مطرزة بعبارة: “أنا الشهيد القادم”، أمام الجدار المفروض على المعتصمين، ظنا منهم أن جمادا يشبه الحاكم، بإمكانه أن يعيق وطنا من أحلام وأشواق بيضاء مجنحة..
صباح الجمعة 18 مارس، كان العريفي محمد عبد الواحد 18 عاما، الطالب في مدرسة الكويت- يعلم أنه سيواجه الموت نصرة لثورته، وهو ينطلق مئات الأمتار من شارع القاهرة إلى شارع الرقاص، كلما دقت طبول المدد، كجزء من حالة طلابية ثائرة في مواجهة حكم شائخ..
قال له أخوه أحمد على عتبة باب بيتهم الذي ذهبوا ليتوضؤوا فيه، “نلتقي في الساحة”!!، فرد عليه: “نلتقي في الجنة”. هكذا قالها، كالأبطال الذين يشعرون بقرب فوزهم واقترابهم من موعدهم.. فكانت الظهيرة موعده.
توهم السفاح أن غصنا نظيرا استهدفته رصاصاته، سيثير وحشة الطيور لتغادر أعشاشها في ساحة التغيير. انتهك قناصة صالح حرمة الصلاة، أحالوا الجمعة جمعة الكرامة، يوم قتل للبراءة المحتشدة بسلام ووداعة، اقترفوا أبشع مجزرة بحق الوطن.
نُعي محمد لأبيه المهاجر في سويسرا منذ زمن طويل.. وبقدر الفجيعة كان استبشاره باستشهاد ولده البطل الكبير.
كان فتى وسيما كاليمن، أنموذجا فريدا من جيل وثاب ملأ ساحات التغيير هديرا ثوريا. هز وجدان الوطن وأثار دهشة العالم.. رحم الله الشهيد الذي لم يتراجع ولم يجفل، بل ظل يهتف بصوت عال “اصبروا ياشباب.. اصبروا ياشباب.. إلى الأمام.. النصر قريب إن شاء الله”.. كما ورد في تسجيل مصور ونادر عن الشهيد قبل استشهاده بدقائق..
اخترقت رصاصة الغدر ظهر محمد فاستقرت في قلبه الغض المفعم بالحياة هناك حيث ارتفعت روحه، حال سقوط الجدار.
لم تخل خيمة بني عريف “وصاب”، ما زال أحمد العريفي الأخ الأكبر لمحمد مرابطا فيها بعد أخيه مصرا على البقاء في قلب الثورة، هنا حيث يخفق قلب أخيه الحبيب، الشهيد الحي.


الشهيد خالد الحزمي
من أجل يمن نظيف

تتقدمُ طفلَتُهُ رِينادْ، ذاتُ الأربعةِ أعوامْ.. تَقُصُّ الشريطَ إيذانا بافتتاح مَعْرضِ صورِ الثورةِ الشعبيةِ السلميةِ بساحة التغييرْ، بصنعاء احتفاءً بالماجدين.. تمرُّ بينَ أضواءِ الشمُوعِ، والنجومُ ثَمّْ.. ثُم تطبعُ على وجْهِ أبيها المضيءِ قبلةً خبَّأَتْها بين شفتيها منذ وقتْ.. تتوقفُ عدسةُ الكاميرا عن الدورانْ.. ربما أمامَ هذه القُبْلَةِ، وربما أمام تلك التي طَبَعَهَا الأبُ على خدِّ طفلتِهِ ولم تقتنصها عدسة المصور.
لا فرقَ بينَ شهيدٍ وشهيدْ.. لكن الشهيد خالدْ علي محمدْ الحزمي، الكريمُ الحنونْ، كما يصفه كل من يعرفه، عاش في الصدارةِ، وقضى نحبَهُ في ذاتِ الموقِعِ الذي عاشَ فيه.. خطواتٌ قليلةٌ تفصلُ بين منزلِهِ في شارِعِ الرقّاصِ ومكانَ استشهادِهِ قرب جدار جمعة الكرامة.. مثلما هي الخطوات التي تفصل بينه وبين حلمه الكبير..
بين كلِّ خطوةٍ وخطوة.. ثورةٌ وباقةُ وردٍ وغد، كانَ خالدٌ يزرَعُها على جَنَبَاتِ الطريقِ كلما مرَّ منْ هُناك، ولما لاحتْ بشائرُ الربيعِ ضمَّخَها بدمِهِ الغاليْ، ووُضُوءِ الصلاةِ لجُمُعةِ الكرامةْ، وآيات من سورة الأحقاف توقف عندها صباح ذلك اليوم.. ومضى ليستنشقَ عبَقَهَا وعَبَقَهُ الآخَرُون.
عملَ في لجانِ: الخدماتِ، والنظافةِ، والإعلام، وأسَّس مع زملائِهِ «الاْتِّحادَ العامَ لشبابِ الثورةِ اليمنية» بهدفِ ضمِّ جميعِ ائتلافاتِ ساحةِ التغييرْ، متعددةِ التياراتِ والاتجاهات، تحت مسمىً واحدْ. ومن أجلِ هدفِهِ صمَّمَ بنفسهِ شعارَ الاتحادِ، الذي تظهرُ فيهِ يدان متشابكتان، هما لخالدِ الحزميِّ ذاتِهْ.
لوطن نظيف، عاش خالد، ومن أجل غايته روى تربه الطاهر دونما تردد.. كان خالدُ الحزميّ يحلُمُ بيمنٍ خالٍ من الفسادِ والغبارِ والجراثيمْ. وبعد استشهادِهِ خرجتْ ساحةُ التغييرِ تنفيذا لوصيتِهِ في حملاتِ نظافةٍ، تحتَ شعاراتٍ مكتوبةٍ ومطبوعةٍ، تُجَسِّدُ قيمَ النظافةِ.. كان الشهيدُ الحزميُّ، الذي عمل في الدعاية والإعلان هو من أبدعها شعارا وواقعا..
وطنُ الشهيدِ الحزميّ هو طُموحُهُ الذي مَهَرَهُ بِدَمِه.. وأمَامَ هَكَذا تَضْحِيةٍ.. لم يكن لمستحيلٍ أن يوقِفَ هذا الطُّموحْ.. يُناقِش، يُحاوِرْ، يقدمُ البراهينَ والأدلةَ على كل ما يعتقدُهْ.. وفي قَبَسٌ من حواره مع شريكةِ عمرِهِ.. روته بنفسها، ما يؤكد ذلك ويؤيده..
رصاصتان قناصتان.. الأولى في رأسه فما طأطأ ولا انحنى.. والثانية في قلبه فنبض أكثر.. في الأولى: كبر وشهد، وفي الثانية: أطلق بسمة الخلود... لم يمت الشهيد الخالد، خالد الحزمي، على صدر الجدار ولم يفتح فيه ثغرة للنور فحسب، بل هدمه كله لبنة لبنة فأشرقت شمس الحرية بنور ربها. . وتنوي هذه الزوجة، الأم لثلاثة أبناء، والتي ترى أنه بموت زوجها انطفأ العالم.. إقامة متحف خاص بشريك حياتها أستاذ فن العلاقات والتسويق والشهادة.. يحتوي مقتنياته وآثاره وبعض الأمور التي لا تزال مثلما هي كما رتبها بيده..
بحثت زوجته عن أغلى وأجمل هدية تقدمها إليه في عيد ميلاده الأخير.. فلم تجد سوى صورته.. إنها أغلى ما لديها وأجمل ما في البيت وأحب ما في القلب.. هي أيضا صورة اليمن في عيد ميلاده الأول.. صورة تستحق أن يقيم لها التاريخ متحفا خاصا.. سيكون من تحفه النادرة، ذلك الخاتم الثمين، وتساؤل في صدر زوجة الشهيد: لماذا خلعه خالد من إصبعه وأهداه إياه صباح جمعتئذ؟؟.


الشهيد إسماعيل صالح المعمري
أول شهيد سقط إثر إصابة قناصة في مؤخرة الجمجمة يوم الجمعة الموافق 18/3/2011م في الهجوم الوحشي الذي خلف أكثر من 46 شهيداً و 200 جريح..
وكان له الحظ والنصيب في الشهادة .. ربي يرحمه ويرحم جميع الشهداء ويجعل مثواهم الفردوس الأعلى.
ولد وترعرع في قريته (بني سعيد) سيران الغربي ـ الأهنوم ـ مديرية شهارة ـ محافظة عمران الشامخة، يبلغ من العمر 20 سنة..درس حتى الصف الثاني الثانوي ، ثم التحق بـ«الأمن المركزي» في محافظة صعدة بالتحديد المزراق.




رثـــــــــــــــاء

أبكي...وهل يشفي البكاء غليلا وقد انتوى عنا الحبيب رحيلا
أبكي...وليس من البكاء بد وإن كان المصاب على القلوب جليلا
أبكي …على غصن نما في روضة للحق أذبله المنون ذبولا
أبكي...على نجم أنار ضياؤه دهرا وأسرع للمغيب أفولا
أبكي …فتى فوق الثريا نفسه يلقى الممات ولايعيش ذليلا
أبكي...فتى صلباً تكاد تخاله عمرا يخيف ولا يخاف قبيلا
أبكي...فتى إن ثار للحق انتضى عزماً يفل الصارم المسلولا
أبكي... فتى كان الجميع يعده رجلاً وإن كان الرجال قليلا
صعب علينا أن نرى بدراً هوى ونرى التراب على سناه مهيلا
صعب بأن نجد الذي حمل الهدى أمسى على أعناقنا محمولا
صعب علينا أن يباعد بيننا هذا التراب فلا نراه طويلا
يا من ضربت لنا المثال مضحياً وأريتنا صور الجهاد الأولى
فحييت في ظل العقيدة ثابتاً وأبيت إلا أن تموت أصيلا
قد كان آخر ما نطقت بذكره «الله أكبر» رتلت ترتيلا
ألقوك في ظلم السجون وظلمها فأضأت في ظلماتها قنديلا
وصبرت صبر الأنبياء كأنما تلقى ثباتك من يدي جبريلا
يا مؤمناً كانت حياتك قدوة ستظل روحك في الطريق دليلا
نم يازكي الدين إنك خالدٌ ماكان ذكرك يا أخي ليزولا
نم ياشهيد الحق مسروراً فقد كان المنام عليك قبل ثقيلا
وأنعم بلقياك الرسول محمدا وبوجه ربك راضياً مقبولا
وإذا لقيت أمامك البنا فلا تنسى السلام عليه والتقبيلا
أبلغه أن جنوده بعرينه لن يتركوه وإن لقوا عزريلا


الشهيد محمد قرموش السلالي
من أبناء مديرية الشرية آل غنيم قرية الهجر آل السلال من مواليد 1983م, والده قرموش أحمد السلالي، أحد مشايخ ووجهاء منطقة آل السلال، تزوج في 2004م, وله من الأولاد أسامة وأسماء وسمية.
تلقى تعليمه الإبتدائي والمتوسط في قريته بمنطقة آل السلال، ثم التحق لدراسة الثانوية العامة في معهد رداع العلمي إلا أنه لم يلبث هناك طويلاً،حيث قرر الالتحاق بصفوف الجيش وهو في الصف الأول الثانوي.
الشهيد السلالي من أوائل الشباب الذين خرجوا يوم الثالث من فبراير بعد انتهاء مهرجان اللقاء المشترك إلى السبعين مطالبين بإسقاط النظام..ويعد الشهيد محمد السلالي من أوائل العسكريين الذين انضموا لثورة الشباب كما أنهُ أصبحَ أول شهيدٍ من الجيش الذين أعلنوا انضمامهم للثورة.
سكن محمد قرموش السلالي مؤخراً مع والده وإخوانه في شارع بغداد, مما مكنه من حضور الاعتصام بشكل يومي حتى أستشهد يوم الجمعة 18 مارس.
لا تتخلف عنه قيم الشهامة والكرم, ويفتح صدره لكل الذين يحطون رحالهم في بيته بصنعاء..يحرص على أن يأخذ معه بعض الكعك والوجبات الغذائية الأخرى لزملائه في ساحة التغيير..يصل أرحامه بشكل مستمر.. وتميزه ابتسامته الحانية وقلبه الرحيم, وصدره الواسع ولايسمح للحقد أن يعيش لحظة بين جنبيه..
اخترقت جسدهُ ثلاث طلقات نارية استقرت إحداها وسط صدره،بينما توجهت الثانية صوب الجهةِ اليُمنى عند أسفل المعدة وأصابت الثالثة ذراعه الأيسر..وأما أخوه حسين قرموش، فقد استقرت إحدى رصاصات الغدر في ساق قدمه لينقل بعدها مباشرة إلى المستشفى.
يقين والده بأن دم ولده هو ضريبة الحرية خفف عنه هول الفاجعة، وتماسكت أمه وهي تلقي كلمة أمام الثوار بساحة التغيير بعد ثلاثة أيام من استشهاده, لتقول إنها قدمت ابنها وفلذة كبدها من أجل الحرية والقضاء على الفساد, وكذلك فعلت أم زوجته بخطابها الحماسي الذي ألهب حماسة الشباب..


الشهيد عادل حسين موسى الحميقاني
ليس سوى العطر والمصحف والسواك والقلم وبروشرات ثورية، وشيء من نقود، كانت معه أثناء استشهاده، لا تزال زوجة الشهيد تحتفظ به في متحف شقتهم الرائعة في حي القادسية بصنعاء، والكثير من الحب والحزن معاً..
من مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء، وتحديداً قرية الغيلمة عزلة الناصفة, جاء عادل حسين موسى الحميقاني في العام 1971م، وفيها تلقى تعليمه الإبتدائي وحصل على الثانوية عام 1990م.. ليلتحق بقطاع التعليم في مكتب التربية بأمانة العاصمة1991م..
وفي وقت متأخر من الشوق، حصل عادل على البكالوريوس في إدارة الأعمال من كلية التجارة بجامعة صنعاء عام 2007م، وغادر الحياة وهو لايزال في سلك التربية والتعليم، مدرساً في مدرسة حكومية ومديراً لحسابات إحدى مدرستين أهليتين يمتلك الشهيد عادل الحميقاني جزءاً من أسهمهما..
على درجة كبيرة من الخلق، وكرم النفس وحب الخير ونبذ التعصب، كان الحميقاني الشهيد يمتاز بقدرته الفائقة على الجمع بين المرح والهدوء، والتحمس للتغيير، بالإضافة إلى كونه صاحب علاقات اجتماعية واسعة.
شوقه إلى دولة المؤسسات، والحكم الرشيد دفعه منذ البدء للالتحاق بساحة التغيير،إذ كان من أول المبادرين إلى الاعتصام, يذهب صباحاً إلى الساحة ويعود مساء إلى بيته..
الخميس 17 مارس 2011م قام هو وزوجته بتوزيع مواد غذائية على المعتصمين بقيمة عشرين ألف ريال،إذ كان بين الفينة والأخرى يحمل معه مايزود به الشباب من مال أو طعام..
الجمعة 18 مارس ودع زوجته وداعاً حاراً، ثم خرج من بيته صبيحة ذلك اليوم، لكنه سرعان ماعاد بسيارته إلى بيته، ليدخل مع زوجته فيما يشبه الوداع الأخير، واللحظة التي لا تعود..
انطلق بعدها إلى الساحة برفقة أحد أصدقائه, ودخلا في حوار ثوري، استنكر فيه عادل بقاء اليمن على سالف عهدها واستسلامها لوضعها..ثم صلى وصديقه جنباً إلى جنب أمام بنك الإنشاء والتعمير..بعد أداء صلاة الجمعة افترقا، ولكن إلى الأبد..
اخترقت رصاصة الغدر قلب عادل المتعطش للحرية، ولاتزال زوجته الشابة الثائرة التي تزوجها قبل تسع سنوات، ترابط منذ استشهاده في ساحة التغيير، تحضر المسيرات والجمع والفعاليات والبازارات، وتتبرع بالغالي والنفيس لصالح الثورة..
تجلس هناك في المقعد المواجه لغيابه، حيث جلس يوماً مقابلاً لدهشتها،وثمة مقعد للذاكرة، مازال شاغراً بعده، وتمر عليها لحظات لم تعد تنتظر منه شيئاً؛ وإذا به يقلب فيها كل شيء..فمن يوقف نزيف الذاكرة الآن؟


الشهيد عيسى أحمد الشامي
شهيد مدجج بالأحلام

تعتقد والدة الشهيد الشاب الحافظ عيسى أحمد محمد الشامي أن ابنها لم تكن تصلح له فتاة من فتيات الدنيا، لذا فقد كانت جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس 2011م، هي يوم عرس للشهداء الذين سقطوا فيها، وكان عيسى أحد أولئك الميامين، وأكثرهم استعداداً وتألقاً..
يغادر الشهداء دنياهم لكنهم لايغادرون قلوبنا، يغتسلون، يتطيبون، يلبسون أحسن الثياب، ويرحلون..وحين يودعنا أحدهم (جاداً) قبل المغادرة، نبادله الوداع والتحية وحفنة من حزن..
والدة عيسى واحدة من عشرات الأمهات اللواتي طلب ابنها الشهيد منها الوداع والمسامحة، كما قالت ذلك في منصة ساحة التغيير بصنعاء..ورحل ولدها عن الدنيا غير آبه بإلحاح والدته واخواته عليه ليتزوج.
كان من أوائل المنضمين لثورة الشباب بساحة التغيير, التي تشكلت أمام ناظريه منذ الوهلة الأولى وهو يقطع المسافة من مكان سكنه في حي الزراعة إلى مكان دراسته في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء..
لم يكن هذا الفتى الوسيم محبطاً أو يائساً ليحلم بالموت، أو يطلب الشهادة كخيار وحيد عجز عن توفير متطلبات بقائه كشاب ثائر لم يتجاوز عمره السادسة والعشرين، ونجل وزير سابق وشخصية معروفة على مستوى اليمن..
في صفحته على الفيسبوك كتب عيسى بن أحمد الشامي مخاطباً صالح: «أنت مدجج بالأسلحة ونحن مدججون بالأحلام..ولايمكنك اغتيال حلم برصاصة..ضع فاتورة الرحيل، ونحن مستعدون لدفعها من دمائنا لأجل الوطن الغالي»..
في يوم جمعة الكرامة دفع الشهداء فاتورة المحبة ليمنهم، وسكبوا من دمائهم مهراً لرحيل مصاصي دماء وطنهم، وتقدم عيسى بن أحمد الشامي ـ حسب ما يروي أصحابه ـ أنه قتل وهو يدرأ بجسده الرصاص المصبوب على إخوانه من البيت المشئوم لمحافظ المحويت..
وتجرع والده القاضي أحمد محمد الشامي ألم الفراق في ولده فقال:«لم أكن أعلم أنني سأصاب في أغلى هدية وهبها الله لي ولقد أخذ أمانته».. ثم نعاه بأبيات شعر جميلة ورائعة جاء فيها:
عيسى الشهيد وكل شيءٍ بعده.....  لا شيء في سمعي ولا في ناظري
خفــت موازين الحياة لفــقده .....    فالكل أهون من رياش الطائرِ
فلتسمع الدنيا ويسمع أهلها .....      أنات قلـبي واصطرام خواطري
والخطب أعظم من حكاية حادثٍ .... قد فاق إحساسي وفاق تصوري
فليرحم الرحمن سح مدامعي ......   لرصاصة كانت بفعلٍ بربري
ويكاد يجمع كل من يعرف الشهيد على أنه كان منكراً لذاته،متفانياً في خدمة الآخرين..وفي راتبه حق معلوم للسائل والمحروم، وليس فيه بند لما سميّ مجازاً «الادخار»..ولم يمنعه ذلك أن يكون أكثر الناس براً بوالدته وأخواته وأولادهن، وأكثر كرماً بأخلاقه حتى على المسيئين إليه..بل ولديه من الإنسانية ما يجعله طريح الفراش لمجرد أن أحداً أساء إلى أحد أو ظلمه.


الشهيد محمد محمد السليماني
 أوصى بدراجته دعماً للثورة

صلى صلاة العصر إماماً في جامع قريته بميفعة عنس، محافظة ذمار، ووصل الشهيد محمد محمد علي السليماني إلى ساحة التغيير، بعد أن ودع أسرته قائلاً: «أريد الذهاب إلى صنعاء، قد أستشهد، أو أتعرض للاعتقال، فلا تحزنوا إن أصبت بأي مكروه».
حزم محمد السليماني أمتعته منطلقاً صوب ساحة التغيير، وكان هذا هو اللقاء الأخير بأسرته..ولأنه سفر شاق فقد أودع في وصيته«أن تباع دراجته النارية لصالح الثورة»!!،
محمد السليماني من مواليد 1989 ميفعة عنس محافظة ذمار، حفظ القرآن وعمره 15 عاماً (في العام 2004) وتخرج من الثانوية العامة والتحق بقسم التفسير في الكلية العليا للقرآن الكريم في أمانة العاصمة..اغتالته يد الغدر قبل أن يكمل المستوى الثاني بالكلية، التي كان أحد رموز التفوق فيها..وأي تفوق، وفي أي مجال كان ذلك النجاح..
ويقول أحد أصدقائه عنه بأنه كان يُضرب المثل به في الأخلاق العالية والصفات الحميدة..كان شخصاً متفائلاً، لا تبارح الابتسامة شفتاه..يحب التغيير، يمقت الظلم، لايرى أي مبرر، ليرزح وطنه تحت وطأة الظلم والفساد في بلده، لذلك كان من أوائل المبادرين في الالتحاق بالثورة وكان من أوائل شهدائها في جمعة الكرامة.. كان انطلاقه أسرع من دراجته النارية، لذا فقد خلفها وراءه، ورفع شعار «وعجلت إليك رب لترضى»، فبيعت بمليون ريال بالمزاد العلني في جمعة الرحيل لصالح الثورة..هو لايريد أي منفعة شخصية، وكل همه هو نجاح الثورة التي حلم بها كثيراً، فقد ضحى بنفسه ومايملك لصالح الثورة السلمية وكان من أوائل شهدائها.


الشهيد عرفات الحمزة
البيضاء تكسر الحصار

من قلعة التاريخ وأرض الخير والعطاء..من محافظة البيضاء.. يأتي ذلك القادم من مديرية الهجر.. امتداداً لأبطال، ونضال ثوار سبتمبر 1962..عرفات محمد أحمد الحمزة، سليل ثوار البيضاء، الذين أسهموا في كسر حصار السبعين يوماً.
ألقى أبناء البيضاء السلاح، ودفنوا جمر الثأر الذي عمل النظام السابق على إذكائه.. وهاهم اليوم يسهمون في ثورة سلمية قل نظيرها..
لقد أدرك الشاب الطامح عرفات الحمزة مايخطط له النظام الحاكم، لكبح جماح المد الثوري وتطويق الاعتصامات في ساحة التغيير بصنعاء..بالبلاطجة.. والقناصة..وقبل ذلك بالحواجز والجدران..
عندها قرر أن يجعل من متجره ومنزله في الحي السياسي، بصنعاء، منطلقاً للنضال، وإسهاماً في كسر الحصار على ساحة التغيير، غير آبهٍ بما قد يتعرض له من أذى ومخاطر كونه خارج نطاق الساحة..
قبل يوم واحد من استشهاد عرفات أغلق متجره، وخصص ليلته للسمر مع زوجته وأبنائه، ولعب معهم كثيراً ،كأنما يقضي معهم يوم الوداع الأخير، بحسب رواية زوجته..
استعد عرفات جيداً للحظة الخلود، في يوم جمعة الكرامة..ارتدى أجمل ثيابه، وضمخها بأجمل الطيب..ودع أمه وإخوانه،وطلب من زوجته أن تودعه وداعاً خاصاً أمامهم، لكن حياءها حال دون ذلك،ولم ينس أن يعطيهم قطعة من ملابسه للتذكار..(فانيلته الداخلية قبل أن يغادر المنزل)..بيقين من يعلم أنه لن يعود..
مضى عرفات يحث الخطى نحو ساحة التغيير، ملبياً نداء شباب الثورة..ولعلها لهفة الشوق إلى حلة الكرامة وتاج الوقار.. وفي الطريق التقى أحد أقربائه وحثه على الإسراع، بلهجة الواثق من شفاعته لسبعين من آل حمزة.
بقدر قربه من حلم الاستشهاد..جلس عرفات قرب هذا الجدار، وأنصت فؤاده لخطبة الجمعة..
انهمر الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع، وتصاعد الدخان، وحومت مروحية التشفي.. فكان ماكان من مجازر راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى..
كان نصيب عرفات رصاصة قاتلة من بندقية قناص غادر يعلو سطح منزل مجاور، أصابته في رأسه..
في موازين الأحرار يغدو الحزن مناسبة سعيدة، غنم بغرم، وطن بروح، ومثل هكذا أمر، لايمكن المساومة فيه.. إذ الأرواح لاتوزن بثمن، وهو ماعبر عنه والد الشهيد دون استغراب من اختلاط مشاعر الحزن بالفرح والافتخار..
غدت الساحة من بعده حزينة، ودمعت مقل المحبين، على فراق زميل النضال..فعاهدوه على المضي في درب، قدم لأجله مهجته على حب وحرص..وتحدث زملاؤه في الخيمة والائتلاف والحارة أن عرفات زادهم إصراراً وتطورت الأمور من بعده بل وأسسوا خيمة جديدة عليها صورة واسم الشهيد.
رحل عرفات..وفي ذمة اليمن الجديد، عهد وفاء، ومستقبل ميمون، حلم به لولده وابنته..كذلك هي روح عرفات، حين أودعها بسخاء في ذاكرة كل اليمنيين..


الشهيد عوض صالح عبدالقوي اليافعي
ينتمي إلى كل اليمن

في ساحات التغيير الثائرة..رسخ اليمنيون معاني الوحدة، وهناك تجسدت قيمها وتحققت أهدافها المباركة..
في خيمة واحدة، وتحت سقف واحد، جلس ابن صنعاء مع ابن عدن، وابن يافع مع ابن تعز، والحديدة والبيضاء..
تقاسموا رغيف الخبز والأمل معاً، يجمعهم حب الوطن وحلم الغد المشرق..الغني والفقير.. الشاب والشيخ..
لافرق بين تلك الوجوه، فجميعهم عاش الخوف والقهر أكثر من ثلاثة عقود، هي فترة حكم علي صالح ونظامه..
أما عوض اليافعي الشاب الذي لم يتجاوز العشرين عاماً، فقد عرف بين أهله ومحبيه بالإبداع والطموح والطيبة والتسامح.
وأحد شباب ثورة التغيير في اليمن الذين تميزوا بنبل القيم ودماثة الخلق وبساطة التعامل.
أنجز عوض اليافعي في عشرين عاماً، سيرة ذاتية اختصرت كل الدروب، على أكثر من صعيد إبداعي،
هذا قبسٌ من جذوتها الشبابية، ميداليات وجوائز، شهادات ووثائق، مهارات ومواهب، ألق وعطاء في نوادي صنعاء ومساجدها،وفي قلوب أهله ومحبيه سيّر، لاتتسع لها الأوراق، ولاتفي بحقها الكلمات.
ولمكانته تلك.. فقد كان يخفي على أهله تعلقه بساحة التغيير وشغفه بها، خشية إقلاق والده المهاجر، وأمه وشقيقاته وأخيه الأصغر خالد.
في صدر عوض الشهيد عاشت اليمن نبض قلب، وخارطة وطن، يأبى أن يستكين..
وبفخر واعتزاز تحدث والده الذي كان مغترباً في الولايات المتحدة الأمريكية حين قرأ خبر استشهاد عوض عبر الإنترنت، ضمن شهداء جمعة الكرامة..
عاد بعدها إلى الوطن في العشرين من مارس 2011، أي بعد ثلاثة أيام من جمعة الكرامة، عاد ليقلب صفحات السنين، وألبوم الذكريات مع ولده عوض الذي شيّع إلى مقبرة الشهداء، فيما كان والده لايزال في الجو..
إنه يرى في هذا الحدث الكبير منعطفاً هاماً في مسار الثورة، التي نجحت وآتت أكلها،غير أن الحزن لم يمنعه من تهنئة آباء الشهداء..زملاء الجرح والألم.. وإيصاء شباب الساحة بالثبات..
شقيقات عوض الثلاث، وأمه المكلومة، وخالد الأخ الأصغر.. الجميع فقدوا عوضهم الذي كان ربان السفينة في خضم الحياة.
وفيما لم تستطع شقيقته الكبرى «نوف» الحديث عن أخيها، تحدثت أمه الثكلى حديثاً يشق عنان السماء.. ودعت على قتلة الشباب دعاء يشيب له الولدان سيما عند مشاهدتها التلفاز ساعة المجزرة، قبل أن تعرف أن ولدها أحد أولئك الشباب.
إذن فقد كان عوض هو رجل البيت الأول منذ دفعت الظروف والده للاغتراب في قارة بعيدة..لم تصرفه حداثة سنه، وميوله إلى المرح ولعب كرة القدم ومشاركاته في ألعاب أخرى، عن عشق الساحات، وحين أستشهد عوض كانت في جيبه بطاقة صرف الكترونية، فيها 12 ألف دولار أمريكي، لأن يافع لا تربي أبناءها على الترف بعيداً عن مواطن الشرف والكرامة..
كان الشهيد عوض اليافعي ينتمي إلى كل الناس وكل اليمن وليس قرية الريو في مديرية الحد بيافع النبل والشموخ..هناك ولد..وهنا في قلبه، كان اليمن يولد كل شمس وصباح جديد..
خرج عوض من أجل التغيير..كانت تبكيه مناظر البؤس والفقر التي يشاهدها كل يوم..ولقد أحيا باستشهاده عزم أصدقائه وزملائه ومحبيه..أما الذين عرفوا الشهيد عوض اليافعي في ساحة التغيير فلم يدر في خلدهم أن هذا الشاب الثائر، الذي قاسمهم تعب الحلم وهجير الخيام، هو ذاته القادم من أحد أرقى أحياء صنعاء، ومن بيت دافئ كريم فيه كل وسائل الراحة والرفاهية..لكنها نفس الحر..وأشواق الشهادة.. وجاذبية عليين.


في مقام الشهيد جمال الشرعبي
بقلم ـ طلال جامل

هذا الشاب الذي عرفته ، قاسمني بعض من محاولاتنا ونحن نرسم ملامح هذا الوطن المثخن بالجراحات ، ونحن نحاول إخراج وطن آخر يحتضن أبناءه، وطن حلمنا جميعاً أن نعيش فيه شرفاء ، كرماء ، نعطيه من دمنا و يعطينا دفئه الذي سرق منه منذ زمن بعيد.
جمال أذكر حديثك لليلة الخميس عندما قلت لك لاتذهب إلى المنزل أريدك..قلت لي: أنا صائم قلتها بصوت خافت ، لا تريد أن يعرف أحد بصومك ، وعندما أصريت عليك قبلت ذلك ، وذهبت تتحسس في المكان لتجد مايسد رمقك فوجدت قليل من الكعك في إحدى زوايا المكان ، ثم خرجنا معاً لكي توصلني حتى نهاية الساحة وفي طريقنا وسط المخيم تحدثنا عن مستقبل هذا الوطن وحدثتني عن يوم الخميس الماضي عندما اقتحمت قوات الأمن المعتصمين بالقنابل وخراطيم المياه الذي سقط فيه العديد من الجرحى والشهداء قلت حينها إنك سقط مغشياً عليك فسمعنا اأحد المارة وقال لك: أنت (سمين) لا تتعب الناس في حملك ضحكنا معاً ولم أكن أدرك تلك اللحظة أن هذه المرة سيحملك الله إلى جواره.
تركتك على مشارف شارع العدل لتعود أنت إلى الساحة لتكمل ماجئت من أجله تحمل في يديك كاميرا صغيرة بحجمها عملاقة بفعلها ترصد من خلالها تفاصيل ذلك الوجه القبيح للسلطة.
جمال:أيها الشهيد أذكر كلامك وحماسك وتهديدك للمعارضة إذا تراجعت أو فاوضت في هذه المرحلة،أقدر ذلك العنفوان منك واأقدر تضحياتك فأنت من صدق الله فاختارك شهيداً من بيننا،قالها خطيب الجمعة قبل استشهادك بنصف ساعة أن الله ينظر إلى الملايين فيختار منهم الشهداء فكنت منهم«هنيئاً لك هذا الاصطفاء».
جمال.. أيها الحي فينا ، مازلت أذكر سؤالك الذي طرحته علينا بأننا سنكون شهداء ، لم أدرك حينها بعد كلامك لم أكن حينها أدرك عمق كلامك ، الآن فقط أدركته،أدركت كيف ينسج الشهداء نهايتهم كيف يرسم الشهداء من دمهم ولحومهم ثوب جديد لهذا الوطن الجريح؟.
لن أنسى ماحييت ماحملتنا من أمانة،لن أنسى جسدك المسجى في المستشفى الميداني داخل المسجد وعلى صدرك المصحف وأنت مخضب بتراب الوطن، بلون الدم،بلون الأرض،بلون السماء،بلون الشهداء.
نم أيها الشهيد..فمن جسدك الطاهر أنت وإخوانك سيلد هذا الوطن الجديد الذي انتظرناه..عله يكون قريبا.


الشهيد محمد يحيى العزب
ب ين العام 1987 ويوم جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس 2011م، تمتد قصة هذا الفارس الذي امتطى صهوة التغيير، بعد أن صلى جمعة الكرامة في ساحة التغيير بصنعاء، ملوحاً بوداع كريم عزيز خالد، ومؤذناً برحيل أبدي لطغيان هو أحد مسامير نعشه الأخير..
في قرية الهجر من محافظة المحويت ترعرع في صبا الشاهد والشهيد محمد العزب، وبفضل من الله نال حظه من الرعاية والعناية الأبوية، حتى اجتمع له من العلم والفضل ما جعله شامة بين أترابه وأقرانه..
في مدرسة النور بالدواعر تلقى محمد العزب تعليمه الأساسي قبل أن تتحول أشواقه إلى مدرسة الفوز المركزية حيث أكمل تعليمه الثانوي، وتفصله ثلاثة أشهر عن التخرج من المعهد العالي للعلوم الصحية..
لقد استطاعت همة محمد التواقة إلى مراقي المجد ومعالي الأمور أن تكسبه تميزاً فذاً وتقى صادقاً، تدخله قلوب الناس دون إذن أصحابها..فقد كان صاحب رصيد قيمي أخلاقي لاتطيش به البورصات ولاتغير نقاءه السنوات..
إنه محمد محمد يحيى العزب أحد أعضاء لجان النظام بساحة التغيير بصنعاء، رابع أربعة إخوة ثوار قدموا من محافظة المحويت مع الخال وأبناء العمومة، لقول كلمة حق عند سلطان جائر..
إنه الشاب الذي لم تمنعه إمامة المحراب، من التصدر إذا انهالت على الصدور الحراب..
عاد الخميس إلى ساحة صموده بصنعاء، بعد وداع حميمي لافت تمازجت فيه القبلات بالدعوات، وخالص الوصايا بصدق النوايا..
لذا فقد ظل درعاً لإخوانه الثوار، ينافح بهم ومعهم عن معتصم الثورة، كلما داهمته أذرع النظام الخادعة الماكرة، ولسان حاله يقول:
إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنني  عنيت فلم أبخل ولم أتردد..وبعد حياة حافلة بالرضا والعطاء، وبعشرات المواقف الشجاعة والنادرة في ساحة الرباط والمصابرة، شاءت أقدار السماء، أن يكون محمد العزب واحد من عشرات الشهداء، الذي كتب لهم عند ربهم أعالي المراتب والمناقب..فعقب طلق ناري سكن عنقه يوم الكرامة، صعدت روحه إلى بارئها ليسكنها جنات النعيم..رحل الشهيد عن ستة إخوة وثلاث أخوات، وعن والدين صالحين صابرين، جمعهما اشتياق الفراق قبل ستة أيام من جمعة الكرامة..وبذات الابتسامة التي ملأت حياته وحياة من حوله ودع الجميع مطلقاً لروحه عنان الخلود، لتسرح في نعيم الله الأبدي..
ضمن عشرات الشهداء استقبلتهم ساحة التغيير بصنعاء للصلاة عليهم وتوديعهم، عاد الشهيد العزب في موكب جنائزي مهيب إلى حيث بدأ إلى مسقط رأسه في قرية الهجرة من محافظة المحويت، وعلى غير العادة في استقبال المصاب..نعم..هكذا كان الحال، في يوم عرس الشهيد العزب الذي لم يبق من عزوبيته غير اللقب..!..


الشهيد مجاهد عبد الحق عبد الدايم القاضي
اسمه عنوان سيرته

من ساحة التغيير كان معراجه في رحاب الملكوت.. ومن مستشفى العلوم ارتقت روحه إلى جوار القيوم، وكانت جمعة الثامن عشر من مارس 2011، له عيداً وحلة كرامة.. ففيها، فاز بجائزة: «بل أحياء عند ربهم يرزقون».. مجاهد عبد الحق عبد الدائم القاضي، إلى المعالي تفانى، بكتاب ربه..وكان الشاب الحافظ مجاهد من أوائل المعتصمين الذين خيموا في ساحة التغيير بصنعاء، منتفضين ورافضين للواقع البائس الذي يعيشونه، جاعلين من أنفسهم مثالا للتغيير المنشود..صوتاً للمعروف مفاتيح للخير، طلاباً للعدالة، ونموذجاً للتفوق.. روحه مفعمة بأشواق الحرية، وحركته تمثلٌ لطبائع الأحرار، وبصوته تغنى وأنشد: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فصار هذا التسجيل الذي يحتفظ به أصدقاؤه ومحبوه نغمة، يتبادلها الأحبة والأصدقاء من بعده عبر الأثير على امتداد الوطن.
جنّد مجاهد نفسه في خدمة أهداف الثورة، واستفرغ جهده في سبيل النجاح لمشروع الحياة الذي خرج من أجله الثوار إلى ساحات وميادين الحرية.. لحظة تضع قدمك على عتبة منزل الشيخ الدكتور عبد الحق عبد الدايم القاضي، تسكنك الدهشة، ويستوطنك الإكبار، وتوقض روحك إشعاعات الذكر الحكيم، وتملأ كيانك بعبق الخلود.. فمن حجرات هذا البيت تخرج عدد من أبنائه وبناته حفاظاً تتوفر فيهم شروط وصفات صنّاع الحياة المنتجة..وهنا كان يقطن مجاهد مع هذه الكوكبة من حفّاظ ومعلمي كتاب الله، الأب والأم وعدد من الأبناء والبنات.. أتم حفظ القرآن عام 2002م، وهو في الثالثة عشرة من عمره، وأجيز في القراءآت السبع المتواترة عام 2007، من مركز الإقراء بالسند في صنعاء..وشارك في عدد من البرامج والمسابقات القرآنية وأحرز فيها مراكز متقدمة.
قبل أيام من جمعة الكرامة، زاد تعلقه بالقرآن.. وشغفه بألبوم أطياف الاستشهاد..وتقاسم الشهيد مع خيمته فضيلة الإخبات والخشوع لآيات القرآن الكريم، وأذكى في نفوس أصدقائه ونزلاء خيمته جذوة الإيمان ونقش معهم خارطة يمن العزة والكرامة.. وحين بدأ الهجوم على الثوار، عقب صلاة جمعة الكرامة في الثامن عشر، انطلق مجاهد صوب المقدمة، وعند الجدار استهدفته رصاصة قنّاص غادرة في رأسه..نقل على إثرها إلى المستشفى..
وإلى مكة طار الخبر..وفي الحرم نعى الشيخ الدكتور عبدالحق القاضي فلذة كبده، وشيّع روحه إلى جوار ربه الكريم.. ودعا هناك دعاء حاراً، يحتسب فيه ولده ويدعو على قاتليه بالحرق والهلاك.. وفي ساحة التغيير بصنعاء أمَّ مئات الآلاف مودعاً ولده الشهيد مجاهد وبقية إخوانه من شهداء جمعة الكرامة، بكلمات ذرفت منها العيون، واستقر صداها في شغاف القلوب.
22 عاماً.. عمر الشهيد مجاهد، هي صفحات ألقٍ عامرة بالفضيلة والهمة والنجاح.. وقد حرص أصدقاؤه ومحبوه على تسمية حارتهم في حي الأندلس بصنعاء، باسم الشهيد مجاهد القاضي.. وإنه لمن حسن طالعِهِ وعاجل بشراه، أن يكون اسمه عنواناً لسيرته.. مجاهد وشهيد..


الشهيد إبراهيم محمد القادري
نعم الهدف وقد كان!!

في رحلة طلابية سئل الحاضرون ما هو أهم أهداف حياتهم؟ رفع الجميع أيديهم، ووقع الاختيار على الشاب إبراهيم القادري، فأجاب بأن هدفه في الحياة وفي كل أعماله، هو رضا الله..
نعم الهدفُ وقد كانْ.. وكان إبراهيم هو أول من يقع عليه الاختيار، وأفصح من يجيب.. أول من يحضر وآخر من يغيب، ولم يرسب قط في المدرسة أو خارجها..
من إب.. محافظة المطر والتين، ومن مديرية الشعر تحديدا جاء إبراهيم ابن الاثنتين وعشرين عاما، كريم المنبت، لطيف المعشر، حسن الخَلْقِ والخُلُقْ.. يُؤْلَفُ قبل أن يُعْرَفْ..
نتأمل صورته فنرى فيها بهاء السمت والطلعة، وعمق التأمل..
بيد أن الصيدلاني الذي لطالما داوى الجرحى واصطحب معه الدواء في الحل والترحال، وكان على وشك البكالوريوس في الصيدلة، قد منحته رصاصة غادرة في جمعة الكرامة، الشهادة العليا بامتياز مع مرتبة الشرف، وفي أول دفعة.
لم يطأطئ رأسه للرصاص، حين عرضت شاشات التلفزة جانبا من مجزرة جمعة الكرامة، إنما لعدسات الكاميرا حتى لا تراه أسرته في لحظة الدم والخلود.
وعلم (جميل) شقيقه الأكبر ، فأخفى عن والده الخبر، قبل أن يكون الشهيد إبراهيم القادري نجماً لا يأفل، ولا يحب الآفلين.. وأنشودة ترددها الدنيا وتعيد وتعيد..
وكان الشهيد إبراهيم قيمة ومبدأ.. حارساً متواضعاً في لجان النظام ومسعفاً في المستشفى الميداني وعضواً فاعلاً منضبطاً في ائتلاف 11 فبراير بساحة التغيير، وكل الساحات، ولم يأت يوماً ما، بعد موعده، بل قبله بقليل..
في ساحة التغيير حط إبراهيم حلمه الكبير، بوطن أجمل، وغد أفضل لكل الناس. وقدمت خيمته ثلاثة قناديل لفجر الحرية، وفي يوم واحد، وهم الشهيد علي الفلاحي والشهيد مجاهد القاضي والشهيد إبراهيم القادري الذي فاز بهدفه، وأي هدف: رضا الله والخلود..
هكذا عرفه أصدقاؤه، وهكذا هو.. وما زال قصة في الذاكرة، وغصة في كل وجدان.. آية عشق يخطها على رمل شاطئ، وفي الماء الذي يسبح فيه، لا تدري أيهما اغتسل بالآخر.. فقد كان إبراهيم، أنقى من الماء المعلق في جو السماء..
سلمت يداك يا إبراهيم، ويد من رباك.. أبعادك أبعد من كل الأبعاد، وأمجادك أمجد من كل الأمجاد، ويصطفي الله من عباده من يشاء.. وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.. وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون..


الشهيد صلاح عبدالله الشرماني
ثورة بين جمعتين

من تعز.. من هذه المحافظة الحالمة.. ومن منطقة الشرمان في مديرية ماوية تحديداً.. جاء صلاح، وحط رحاله مع أسرته في العاصمة صنعاء ومنها بدأ مشواره. وبرغم كونه الأصغر بين إخوانه الذين رعوه منذ طفولته وعلموه الخياطة، إلا أنه كان كبيرا بهمته وتطلعاته.. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام..
كانت البساطة عنوانه، والصدق طريقه.. والأمانة والإخلاص رأسماله إلى جانب حرفته التي أتقنها ويعتاش منها مع أبويه.. الذين كان صلاح باراً بهما ومجاهداً فيهما.. وكرس جهده وعمله للإنفاق عليهما.. ويعيش معهما في منزلهم الصغير الذي بناه والده على مساحة صغيرة من الأرض، لا تتجاوز لبنة واحدة.. لكن بقلب مفعم بالأمل.. ينشد الحرية والتغيير..
جند صلاح نفسه منذ سمع نبأ انطلاقة ثورة الشباب، فأعطى ساحة التغيير كل حبه، وشارك في كل المسيرات التي خرجت منها، واشتعل حماسه أكثر بعد مجزرة فجر السبت في الثاني عشر من مارس ألفين وأحد عشر!! فأغلق محله في الصافية وتفرغ للنضال السلمي هناك في ساحة التغيير حيث تنسم صلاح عبير الحرية، وعانق أشواقه وأحلامه المشروعة..
عرض عليه ذات يوم أن يخلي محل الخياطة التابع له في الصافية، مقابل ستمائة ألف ريال، كانت أمه تتمنى موافقته كي يوفر له مبلغا للزواج، لكنه رفض!! وبعد استشهاده أخلى أهله المحل دون مقابل، على اعتبار أن المحل أضحى بعد صلاح خسارة فادحة، لا تربطهم به علاقة سوى دفع الإيجار الذي أعياهم ارتفاعه!!..
للجمعة في حياة صلاح حكاية.. فمولده كان يوم الجمعة، وذروة ثورته كانت جمعة، بين 12 مارس و18 مارس، واستشهاده كان فيها أيضا، بين جمعتين عاش حياة مباركة كانت خاتمتها الشهادة..
في تلك الجمعة الدامية لم يعد صلاح لتناول الغداء مع أمه التي انتظرته طويلاً، بعد أن خرج مبكراً وكعادته في الاستعداد لصلاة الجمعة والتبكير لها ولأي أمر يهمه.. جاء الشاب صلاح في يده للأمل شمعة، بل قنديلاً يضيء وانطلق نحو الفجر.. لكن نظام صالح خشي أن يبزغ نور الفجر على اليمنيين. فقابله برصاص الغدر


الشهيد عمر محمد الشيباني

في السابع من فبراير عام 1986، ولد عمر محمد حسن الشيباني في مديرية الشمايتين قرية المدهف بمحافظة تعز.
درس الابتدائية في مسقط رأسه بمدرسة الوحدة، وبعد تخرجه من الثانوية العامة انتقل مع والديه إلى العاصمة صنعاء، وبسبب الظروف الصعبة والتي تعانيها معظم العائلات، فقد اضطر عمر الشيباني إلى العمل لإعانة أسرته، غير أنه لم ينشغل بذلك..
عما يجري في وطنه، فقد انضم إلى إخوانه الثوار منذ الأيام الأولى للثورة، فكان يكافح في الصباح من اجل أسرته، و بعد انتهائه من عمله يذهب إلى ساحة التغيير جنبا إلى جنب مع إخوانه الثوار رافعاً كلمه الحق عالياً، منادياً بنصرة المظلوم وردع الظالم..
كان إيمانه بنجاح الثورة قوياً ولا شك فيه، لأنها مبنية على قول كلمة الحق، ومع إيمانه بنجاح الثورة كان متلهفاً للشهادة، فقد كان من الثائرين على أرض السعيدة ومن الطامحين لتحرير الأقصى الشريف..
نشأ الشهيد الشاب عمر محمد حسن الصبري الشيباني في بيئة تربوية صالحة، وبعد حصوله على الثانوية العامة من “مدرسة الوحدة -بني شيبة” انتقل عمر إلى صنعاء لمعاونة والده الذي عمل مؤخراً كـ سائق سياحي لدى مجموعة شركات (العالمية للسياحة والسفريات)، وكان عمر الأحب الى الناس أكثر من شقيقيه (زياد ونوح) كزهرة بيضاء تنضح بالبراءة والاستقامة وجمال النشأة.. اغتالته يد الغدر(الفاشيَّة النازيَّة) الآثمة وسقط شهيداً صبيحة جمعة الكرامة –ساحة التغيير بصنعاء 18 مارس 2011
كان عمر يستشرف الشهادة دائماً وطالما حدث والديه بذلك بشغفٍ، انتظمته يد التربية والتكوين وصنعته يد العناية اللهية أنموذجاً حياً وخالداً للشباب من أجل التغيير.


الشهيد عبد الباسط المشولي
كغيره من أبنا وطنه، لم تأخذه مشاغل الحياة وهمومها بعيدا عن معاناتهم وهمومهم وتطلعاتهم، فبقي مرتبطاً ارتباطا وثيقاً بأبناء جيله من شباب هذا الوطن من خلال التواصل الاجتماعي عبر (الفيس بوك) حتى حانت اللحظة التاريخية ليكونوا جميعهم على موعد واحد في ساحة التغيير منذ البدايات الأولى للثورة الشبابية حتى لحظة استشهاده في جمعة الكرامة الدامي الموافق 18مارس 2011م..
في قريته مشاولة عليا بمديرية المعافر حجرية تعز وتحديدا العام 1970م ولد عبد الباسط عبد الغفور هايل علي المشولي، وترعرع هناك، وتميز بصفات فذة ونادرة قلما اجتمعت في شخص واحد تأتي على رأس قائمة تلك الصفات والسجايا: الشجاعة والإقدام والثبات في المواقف إضافة إلى نبل الأخلاق والكرم والتواضع والوفاء والصدق مع النفس ومع الآخرين..
بدأ حياته العملية بالالتحاق في صفوف القوات المسلحة في معسكر المدرعات في بداية 1987 ثم انتقل إلى معسكر با صهيب عام 1991 واستمر حتى عام1994م عاد بعدها إلى الحياة المدنية من خلال العمل التجاري ثم مغترب في المملكة العربية السعودية حتى العام 2005م عاد بعدها إلى أرض الوطن مواصلاً نشاطه التجاري ليصل في الأعوام الأخيرة من حياته إلى أن يكون أحد التجار في مجال الخياطة والتطريز ولديه معمل للخياطة والتطريز بصنعاء يعمل به أكثر من عشرة عمال.
حاصل على الشهادة الإعدادية ونظراً لظروف الحياة المعيشية الصعبة لم يتمكن من مواصلة تعليمه لكنه ظل قريباً من مصادر العلم والمعرفة مستمداً التثقيف الذاتي في كل ما يرتبط بالشأن الوطني والعربي والإنساني- له كتاب واحد قيد الطبع وفيه يطرح رؤيته حول ترسيخ دولة القانون والمؤسسات واجتثاث الفساد والإفساد الذي دمر كل بنيتنا الوطنية. وفي صفوف الحزب الاشتراكي اليمني مارس دوره السياسي منذ تحقيق الوحدة اليمنية مباشرةً.



الشهيد أمين محمد العريف
العريف، ليس الرتبة العسكرية، ولا اسم القرية التي احتضنتها عزلة الشاحذية بمديرية الرجم محافظة المحويت، وإن كانت بتفاصيل الأمر معنية.. لكن العريف مرتبة شرف وقصة نجاح تتقاصر إبداعات الأقلام عن سبر أغوارها وتعجز نياشين الأرض عن تكريم قدرها.. إنها روح ملائكية زارت دنيانا ذات يوم في صورة إنسان عرف بأمين علي أحمد العريف..
من زوايا مسجد العريف، المحفوف بأجواء السكينة وأكاليل الخير، ابتدأ الشهيد أمين العريف رحلته..
وفي مدرسة الفلاح بالعريف تشرب معارفه الأولى قبل أن تقود همته العالية للتوفيق بين دراسته الثانوية وإتمام حفظ الكتاب الكريم في رحاب دار القرآن الكريم الأهلية بالرجم، والتي ساهمت في صياغة نماذج فذة من رواد الخير وأرباب التغيير..
وبرصيد إعلامي وإيماني كبير، تقدمت عزيمة الشيخ الشهيد أمين العريف صوب الصرح الجامعي لتفتتح نافذة جديدة على مجده المرتجى. فكان قسم القرآن الكريم وعلومه، خياره الأول، وميدان فروسيته الذي أطلق في مضماره لتميزه العنان ليكون قصب السبق حليفه على الدوام..
لكن هذا التميز الفريد الذي حققته قدرات الشهيد، قوبل بسياسة إقصاء وإلغاء اعتمدها النظام الحاكم، أداة لقتل الإبداع، ليجد الشيخ العريف نفسه بعيدا، ليس عن طموحه المشروع، في استحقاق درجة المعيد فحسب، بل وعن حقه البسيط، في الحصول على وظيفة لائقة، تؤمن له لقمة عيش كريمة. عندها لم يجد غضاضة في البحث عن مصدر رزق يمول فترته الانتقالية، ويساعده في ترتيب أوراق مجده التي نثرها في رصيف البطالة، فساد النظام. بحث أمين عن عمل فوجده يبحث عنه فقبل به، ولكن إلى حين..
وفي الثامن عشر من مارس 2011، كان موعد سفر العريف قد أزف، لكنه ليس عبر مدرج مطار صنعاء، ولا على متن مروحية النظام التي حوم شرها فوق ساحة التغيير.. إنه يوم الكرامة، يوم الرحيل الظافر للشهيد أمين العريف، ورفاق الخلود، ليس إلى عمان، بل إلى أعالي الجنان..
وأخير وجد الأستاذ علي العريف أخاه الشهيد وقد وجد عند ربه مبتغاه، فهل يستقرئ ما استطاع من مكنون ابتسامة ظاهرها الوداع وحقيقتها اشتياق الأبطال في كل ساحات الحرية والتغيير. ابتسامة ودعتها أعين المشاهدين ولم تودع ذكراها الوالدين والإخوة والمحبين..
وهنا حيث لا يستهين أحد بدم شهيد، زفت محافظة المحويت أمين العريف ضمن عدد من أبطالها الأفذاذ الذين احتفت بهم ساحة التغيير بصنعاء في موكب عرس جماعي فريد لا يستثني الشيوخ، ولا تغار منه الضرائر، ولا يقف عداد تعدده عند أقل من اثنتين وسبعين من الحور العين..




الشهيد صقر أحمد الشيخ
غادر عمله في خفر السواحل اليمنية الممتدة بطول 2400 كم، حين علم يقيناً أن الخطر في قلب اليمن، ويحتل مساحة كبيرة في تقاطع الستين والسبعين، فقرر الالتحاق بالثورة في صنعاء، منذ اندلاعها، رغم إصرار والده المتقاعد في الأمن على ضرورة بقاء ولده في خفر السواحل كما يعتقد.
من منطقة عمار مديرية الرضمة بمحافظة إب، انطلق صقر الشيخ وهو أكبر إخوانه الثلاثة، إلى رحاب ثورة عظيمة، كان من المقرر أن يلج عالم الحياة الزوجية بعدها، غير أن أقدار السماء، أسرع من الشهر القادم، كما حدد له والده. وقد قال لوالدته قبل استشهاده: بعد رحيل الرئيس “إن شاء الله نقيم عرسا كبيرا تبثه الجزيرة وسهيل”.
في خيمته التي نصبها بشارع العدل بداية اعتصامه في ساحة التغيير، كان الشاب صقر الشيخ، ينظم تاريخ الثورة، كعقد جمان.. يكتب يومياته في مذكرات، يستطلع آراء المعتصمين، يطرح القضايا ذات الصلة بالثورة، يحلل، يناقش، يتابع آخر أخبار الساحة، وخارجها..
يظل على تواصل مع مراسلي وسائل الإعلام العربية والخارجية، تصدر أكثر من مرة في عدد من القنوات، وأبدع في الحديث عن التغيير، وضرورة رحيل صالح.. شأن كثير من نجوم الثورة وبيارق الحرية.. يعينه في ذلك دبلومان في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى التحاقه بالمستوى الأول في كلية المجتمع بأمانة العاصمة.
لم يدرس الإعلام ولا تخصص في العلوم السياسية. قناعته بأهمية التغيير، وشعوره بمعاناة وطن أعياه أمراؤه، كان هو السر في انطلاقه، بالإضافة إلى إيمانه بأهمية الثورات السلمية ونجاعة أسلوبها في إنجاز ثقافة المواطنة الحقة.
كان الشهيد صقر البالغ من العمر 29 عاما من أوائل المعتصمين في الساحة، بل قاد مسيرات قبل أشهر من قيام الثورة الشعبية، بينها مسيرة مع عدد من الأشخاص في منطقة بيت بوس لتبني قضايا حقوقية. هو لا يريد العيش مع الذل أو الحياة مع الظلم ، لذا كان من أول المبادرين في رفع الظلم عن المظلومين.
خميس ما قبل جمعة الكرامة، رفض مغادرة الساحة عدة أيام لحضور زفاف أحد أقاربه، مفضلا فرحة التغيير الكبرى لثورته. شأنه في ذلك شأن كثير من الثوار، يرقبون النصر عن كثب.. وأمام إصرار أخيه الأصغر وخالته، أقسم بأنه لن يرحل من الساحة حتى يرحل صالح، لينعم الجميع بالفرحة وليس أسرة واحدة..
في جمعة الكرامة استطاع صقر أن يطير بجناحي النضال والشجاعة وتسلق الجدار العازل الذي وضعه بلاطجة السلطة لمنع توسع الاعتصام ولم يصب بأي أذى، كان يرى إطلاق النار من منزل السفاح محافظ المحويت، هرع مهرولا إلى المنزل، وبينما هو في بداية تسلق المنزل قنصته إحدى رصاصات الأمن المركزي لترديه قتيلا.
يقول أحد أقربائه وهو يوسف الشيخ : كان صقر يتسم بالشجاعة والتعاون حتى انه شارك بإسعاف عدد كبير من جرحى مجازر النظام وقد كان يتواصل مع مراسل الجزيرة أحمد الشلفي وكان يحرص على عمل لقاءات مستمرة مع الصحفيين ولديه عدد من المذكرات ، وقد كتب في أحد مذكراته قائلا : نحن نعاهد ونوقع على الثورة مع إخواننا المعتصمين، فدماؤنا وأرواحنا من أجل الكرامة ، من اجل يمن جديد ومستقل أفضل.



الشهيد ربيش أحسن الحاكم

لا أستطيع نسيان صوته، كلما تذكرت شهداء جمعة الكرامة.. تصيبني الحسرة والألم كلما رأيت صورته في ساحة التغيير..
في كل مرة كان يعرض فيها برنامج قناديل الفجر على قناة سهيل، الذي أتولى إعداده وكتابة نصوصه، كان هذا الرجل يتصل بي وبفريق البرنامج يطلب منا القدوم إلى منطقته بسوق الأمان / بني مطر.. وأمام إلحاحه الشديد على خروجنا بعيدا عما يسمى الخط الأخضر، وأعني المنطقة التي يتولى أنصار الثورة حمايتها، كنا نوافق على الخروج لتسجيل حلقة توثيقية عن ولده الذي استشهد في جمعة الكرامة,,
تكررت دعوة هذا الرجل لنا عدة مرات، في بعض المرات كانت الأعمال تزاحمنا فنعتذر عن الموعد، وفي مرات أخرى كان الرجل يبدي حرصا زائدا علينا فيسارع بالاتصال بنا صبيحة ذلك اليوم (الموعد) لإخبارنا أن الحرس الجمهوري منتشر بكثافة في المنطقة ويطلب منا عدم الخروج,,
تطورت العلاقة بيني وبينه عبر الهاتف، وكان يمدني بأخبار كثيرة لنشرها، من اختطافات وتقطعات وغيرها، يطلب مني أن أنزلها في شريط سهيل أو في الصحوة موبايل وغيرها,
كان الرجل متلهفا بشوق لتسجيل البرنامج قصة ولده، وكنا في بعض الأحيان نتحرج منه فنطلب منه الدخول إلى صنعاء كون الجزء الأول من البرنامج اقتصر على تسجيل ما أتيح داخل المنطقة الشمالية من صنعاء وأحياءها الآمنة بسبب ما كانت تتعرض له كاميرا سهيل من عنت ومشقة,, لكنه كان يقابل طلبنا بالرفض..
وإلى هنا يبدو الأمر عاديا،، قبل أن يعرف القارئ الكريم أنني لن أتمكن من كتابة شيء عن الشهيد ربيش أحسن صالح الحاكم شهيد جمعة الكرامة، لسبب واحد هو أن الذي أتحدث هنا عنه هو والد الشهيد ربيش الحاكم والذي استشهد هو الآخر فلم أصدم بقوة إلا عندما وجدت صورة ربيش في مكان القلب من صورة والده يجمعهما برواز واحد مرفوع على هامة الثوار في أحد منافذ ساحة التغيير..
رحم الشهيد ووالد الشهيد ورحم الله شهداءنا الأبرار ولا أرانا الله سوءا ولا مكروها بعدهم ,, آمين.



الشهيد محمد يحيى شماريخ
“شماريخ”.. من أحرف الشموخ والتاريخ، قامة قيم ترعرعت، على هام قمم جبال الرجم بالمحويت، فأثمرت الشجاعة والنبل والصلاح والكرم..
لم تستطع سياسة التجهيل الرسمية أن تحرم فتى المحويت البطل محمد يحيى شماريخ من التحليق في آفاق المجد كما حرمته من مواصلة مشواره التعليمي، فما أسدته المعاهد العلمية باكرا من أسس تربوية وأخلاقية كان كافيا للتميز في حياته العملية.
وكما عرفت خبره أسرته وقريته عرفته ساحته التي بادر مع ثلة من رفاقه الأحرار لافتراش رصيفها والتحاف سمائها حتى قضى الله ما شاء وأنجز ما وعد للمظلومين من الجزاء والتمكين.
وفي الثامن عشر من مارس 2011م، كان نجار بيت النجار، الشهيد محمد شماريخ قدد ودع الحديد وأبواب الخشب، ليستفتح بأحداث جمعة الكرامة بابا لا تعب فيه ولا نصب، أحال بيت النجار إلى بيت الشهداء والثوار..
صدق الشهيد فصدقت الرؤيا حتى خال شماريخ الذي لم يتجاوز العقد الثاني من عمره، أن آمادا طويلة تفصل بين أمنيته ولقمته، فعجل إلى ربه ليرضى، دون اكتراث بغير ما هو خير وأبقى.
وهناك حيث النيران والدخان، قال الشهيد: يا ساحة الثورة امتدي،ويا صدور الأبطال للرصاص صدي، فكان كما تنبأ المازحون: دكاكا من بشر، لا يقيد حريته مدر أو حجر. فتى أخلص النية فحقق الله له الأمنية..
لقد دُكَّ الجدار إذن، وبدأ شماريخ في جوار مولاه، لكن قلوبا حرَّى لا تزال تنتظر عودته.
علم والده ما حل بولده، لكن مهمة البحث عن رفات البطل بين عشرات الشهداء الذين توزعوا على المستشفيات المتعاونة مع الثورة، ما خلق قلقا لا تجس آلامها غير القلوب الموجعة..
وحين عثر على جثة شماريخ بين شهداء جمعة الكرامة كان ترتيبه السادس، وهو ذاته أصلا سادس ستة إخوة صاروا ينظرون إلى جثمان أخيهم المسجى ببردة بيضاء، بعين التسليم والرضا، لهذه الصفقة التي عقدها أخوهم الشهيد مع ربه، ولسان حالهم ومقالهم: “ربح البيع يابن يحيى!!”..
يحل المصاب وتبقى ذكريات الأحباب، أما الشهيد فقد يمم وجهه صوب ما يريد، تاركا خلفه أسرة صابرة قوية، وثورة فتية عصية تنال من الطغاة ولا تنام حتى تحقق أهدافها وتبلغ بالشعب المنى والمنال..


الشهيد عمرو محمد سعيد البريهي
التحق الشهيد بثورة الشباب من البداية حتي يوم استشهاده في ساحة التغيير – جامعة صنعاء.
مكان وتاريخ الميلاد: 1990- تعز- عزلة البريهة – مديرية جبل حبشي.
الحالة الاجتماعية: عازب.
المؤهل: حاصل علي ثانوية عامة قسم علمي – مدرسة طارق بن زياد نسبة النجاح80%
التحق بالجامعة 2010-2011م مستوى أول كلية التجارة والاقتصاد-جامعة صنعاء.
الخبرات: دورات لغة انجليزية- رياضة كرة قدم.
أسرة الشهيد: ينتمي الشهيد إلى أسرة فقيرة تتكون من سبعة عشر نسمة وهم والده الذي يعمل فلاح في القرية ووالده مازال على قيد الحياة مسئول عن والدة الشهيد و أربعة إخوة للشهيد واحدى عشر أختاً للشهيد.


الشهيد نشوان الفقيه
ما إن وصلت الثورة ساحة نشوان عبد الكريم الفقيه، الأخ الثاني في الترتيب من بين إخوانه حتى كان من أوائل الثوار في ساحة التغيير بصنعاء.
والتحق بالثورة من بدايتها واتخذ من الخيمة التي تجاور منصة ساحة التغيير مقرا دائما لنشاطاته وأعماله الثورية,, وكان ينصح إخوانه بالالتحاق بالركب الميمون، كما أخبرنا أخوه يوسف المجند في الجيش بمحافظة تعز “كان يوصيني دائماً بأن لا أترك حريتي وكرامتي وكرامة هذا الوطن”..
نشوان هو أحد أبناء عزلة الثوابي مديرية جبلة محافظة إب وتخرج من كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء..


الشهيد علوي أحمد الشاهري
كان وجها باشَّا لا يخطؤه القلب، وبتلك الابتسامة كان يناضل، ويواجه جهامة الحياة وكآبة الزمن..
البسمة سره الآسر.. حديث روحه المحبة الرفرافة، والمسكونة بالفرح والتوق والصفاء.. إنه الشهيد المبتسم علوي أحمد محمد الشاهري..
لهذه الخيام ذاكرة حية، لا شيء فيها يدركه النسيان رجال عاشوا وإياها لحظات انبلاج الفجر، وانفلاق صبح ثورة سلمية أيقظتها أرواحٌ فتيَّةٌ، وأسكنها في سويدائه، شعب لطالما انتظر شارة البدء من شبابه..
في كل مرة تستدعي فيها اليمن حبها المركوز في وجدان أبنائها، تحضر محافظة البيضاء كمخزون هائل للرجال، ومتحف زاخر بتراث من التضحيات..
ومنذ 33 عاما، لم تكن اليمن سوى مرجل يغلي بداخله صبر اليمنيين، وتنضج فيه حكمتهم، ويختبر فيه إيمانهم..
ابتسمت رداع لثورة الشعب السلمية وعاهدتها على النصرة.. وقعت عهد الإخاء مع كافة قبائل البيضاء.. وقدمت قيفة الشموخ والإباء، بيرقا من بيارقها.. فكان الشهيد علوي الشاهري، نموذجا فريدا في التضحية والفداء والعمل الدؤوب، ضمن خمسة شهداء أخرين من ذات المحافظة هو واحد منهم..
أوثق علوي الشهيد، مرساته على شاطئ ساحة التغيير بصنعاء، حيث يقطن مع زوجته وولديه، جوار مقر عمله في وزارة العدل.. مناضلا أبيا، وبطلا مقداما، وزوجا كريما، وأبا حنونا، وعمرا ينيف على الواحد والثلاثين عاما، يزخر بشبكة من العلاقات والأصدقاء والحب والثورة..
وفي المشاهد كلها، كانت له صولة وجولة، ضمن لجان النظام منذ سقوط أول شهداء ساحة التغيير بصنعاء في الثاني والعشرين من فبراير 2011.. ثم في الثامن مارس، ومجزرة فجر الثاني عشر من ذات الشهر، ومجزرة جمعة الكرامة في الثامن عشر منه أيضا، حيث توارى النجم الشاهري إلى جوار ربه والخلود، وقد أبلى بلاء حسنا..
في حواره مع أمه قبل استشهاده بيومين، برهان عشق لم يتأخر أبو عزيز الشاهري عن إسكانه هناك في قلب ساحة التغيير بصنعاء.. حيث انفق شهقته الأخيرة، بدم غال ونشيج أغلى الغوالي لديه..
لقد كانت جمعة الكرامة يوما استثنائيا في حياة كل اليمنيين، وقد ترك ذلك أثره في بيت كل شهيد، وقلب كل محب، وما من شهيد إلا وله قلوب لطالما نبضت بحبه ومقل لطالما ذرفت عليه ماء العيون.. وكان آخر ما كتبه الشهيد الشاهري على صفحته الشخصية في الفيسبوك (إن الثورة ستنتصر.. شاء من شاء.. وأبى من أبى.. وان غداً لناظره لقريب”.
وبصوته الذي لطالما تغنى بالقرآن حفظا وتحفيظا، وصدح بالنشيد، أرسل الشهيد علوي لأمه بأغنية جميلة برهان حب، وقربان رضا..
وتنوي زوجة الشهيد علوي مواصلة مشوار زوجها، فور إنهاء عدتها والانضمام إلى ساحة التغيير..
لليمن الكبير تهون المواجع وترخص النفائس والنفوس، ولأجلها عاش علوي الشاهري، ولأجلها أطلق بسمة الخلود..


الشهيد منيب يفوز الحكيمي
له من اسمه حظ وافر، وقد ظفر بما لم يظفر به غيره، وفاز بها
قصة الشهيد منيب الحكيمي كمثله من شهداء ساحة التغير في العاصمة في الجامعه الماضي، منيب يفوز الحكيمي شاب يدرس هندسة مدنية مستوى ثالث، رفيقي وقدوتي اخترت ان اكون معه في الدراسة واوقات الفراغ، شخصية تمتعت بالهدوء التام والذكاء الفطين والمظهر المحترم والادب الراقي، عرفنا عنه كل الاحترام والتقدير بين اوساط الشباب في جامعة الملكة اروى تعلمنا منه الكثير، الرحمة لفقيدنا العزيز والرحمة لكل الشهداء في ارض ساحة التغير وكل ساحة النضال. 
لا اتصور كيف انسى آخر لحظات جمعتني بهذا الفقيد انها لحظات اخر يوما من اختبارات الفصل الماضي، كنا على استراحة قصير بعد الاختبار نجتمع نراجع ما دار في الاختبار وعندها عانقت رفيق دربي الفقيد.. استاذنته للسفر الى تعز الا ان منيب ابى السفرمعنا رغم اننا انطلقنا بتلك اليوم كل الى مدينتا وموطنه الاول البعض سافر الى الاردن والبعض العراق والسعودية ونحن كعادتنا سافرنا انا وبقية الزملاء الى تعز وودعنا منيب امام مكتب راحة.. لا اتصور كيف انسى هذه اللحظات لا اتصور كيف انسى العناق والحب والود الذي كان يجمعنا لهذا الشخص الفذ.
ماذا أقول عن آخر مرة سمعت فيه حبيبي وفقيدنا الشهيد منيب يوم الاربعاء الماضي تلك آخر لحظة سمعت صوته والحمد لله أنها استغرقت مكالمتنا الهاتفية اكثر من ساعة.. الحمد الله ان ألهمني الله وتذكرت رفيقي ..الحمد الله الذي جعل الشهادة طريقاً للعلاء والمجد والعزاء
الحمد لله اولا واخيراً ، لا ادري ماذا اقول ، الله يكتب لنا الشهادة الله ينصر كل المجاهدين، لا نامت أعين الجبناء.





الشهيد محمد سعيد صالح الوجيه (زربة)

من محافظة إب الخضراء، ومن بين جبال مديرية السبرة، وتاريخها العتيد، جاء شهيد الحرية والكرامة، محمد سعيد صالح الوجيه، الذي اشتهر بحسن معشره، وعلو همته، وتفوقه الدراسي والأخلاقي..
عاف محمد الوجيه ما عند مدينيه من أموال فعفا عنها وتصدق بغيرها، وكتب بخط يده قبل سفره الأخير إلى صنعاء، يوصي بزوجته وولده الوحيد “مشعل”، وبما للناس عليه من ديون وأعمال، كانت لتجد طريقها إلى النور، لولا زحف الثورة إلى قلبه، ودين عليه لوطنه..
لم يفرق الشهيد محمد زربة، أكبر إخوانه الأربعة، بين ساحته القريبة في اللواء الأخضر، ولا البعيدة عنه في قلب العاصمة، إذ ليس الوطن هنا ولا هناك، إنه في دواخلنا أو لا وجود له البتة..
وذهب محمد الوجيه ابن الثامنة والعشرين عاما إلى حيث تتلاشى الانتماءات وتذوب حواجز الزمان والمكان..
غادر الشهيد الوجيه قريته في عزلة بلاد الشعيبي، التي كان مرشدها وموجهها وقدوتها.. متجها صوب الوطن الجديد، إلى حيث الشباب يصرخون، يهتفون ضد الاستبداد، أحرارا كما ولدتهم أمهاتهم، في مواجهة نظام عجز عن ترويض حبالهم الصوتية، فلم يقترفوا خطيئة الصمت..
بعزيمة لا تعرف الوهن، التحق الوجيه محمد، المشهور بمحمد سعيد زربة، بساحة التغيير مشاركا شباب جيله ثورتهم السلمية، بعد أن وصل يقينه إلى الذروة، بوجوب استئصال هذا الورم العائلي من يمن الحكمة والإيمان..
ما أن انقضت صلاة جمعة الكرامة وخطبتاها.. وصلى الشهيد قرب المنصة مع والده وشقيقه منصور، حتى أطلق الثوار صيحة الملهوف قرب الجدار، هناك.. حيث هتك الستر بين الحاكم والمحكوم، بسفك دماء الأبرياء..
أنذرت شرارة الحق، في جمعة الكرامة يوم الثامن عشر من مارس 2011، وأشرقت شمسه، لتبيد غيوم الجهل والظلام.. وتقدم محمد إلى حيث علت روحه،
ومن خلف جدار الكرامة اشتعل ذلك الحريق، فارتقى محمد سعيد زربة واثنين وخمسين من رفاقه..
اكتظت الساحات بالشهداء والجرحى، وضاق المكان عن اتساعه.. وفيما انضم والده وشقيقه لمساندة لجان النظام أمام المستشفى الميداني.. كان أقارب الوجيه يهمسون عبر الهاتف لبعضهم عن شيء ثمين شارف على الوداع الأخير..
الساعة العاشرة صباح التاسع عشر من مارس 2011، حطت رحال الحاج سعيد الوجيه في مستشفى آزال التخصصي بصنعاء، حيث علم بخبر استشهاد ولده محمد.. بعد رحلة بحث وعناء بين المستشفيات المتعاونة مع رجال الثورة وشبابها..
ما زالت حبات المسابح الظافرة، التي يزرعها أهل الشهيد، بفناء البيت، تثمر.. نظرة الحبور المنتشية بشهيد مرّ من هناك.. وفي دواخلهم مازالت روحه تتوقد كقناديل السماء، نفوس عاشت وإياه تحت سقف واحد.. وشيعت جنازته ثلاث مرات، في صنعاء وإب والسبرة.. واجتمعت عند ضريحه بعد استشهاده، لتجديد العهد لثورته..
وهكذا أثمرت جهودك يا محمد، ونفذ الجميع وصيتك في كل مديرية السبرة،إذ لا يزال أهلك صامدون هنا في الساحات، يرفعون الأعلام ويفتخرون بك وبزملائك، رفاق الدم الغالي.. ولا تزال الساحات تعج بالثوار والثائرات لأجلك ولأجل عهد جديد أنت أشعلت شمعته الأولى بدمك، ليحيا أطفالنا بكرامة وشموخ..
وتعود أطيار الحياة تشدوا بألحانها، من بين أشلاء وجراحات شهداء رووا بدمائهم ثرى وطنهم، مع كل إشراقة صبح وكل أفول نجم.. قبل أن يغادر الوجيه قريته “رجيعة” إلى غير رجعة، ليشعل النور في درب اليمن، ضمن أول دفعة من قناديل فجر ثورتها الشابة، ومبشرا بمناضل جديد يأتي من بعده اسمه “مشعل”..



الشهيد عبدالله الدحان
ليس لبعدان وحدها

بالقربِ من جولةِ القادسيةِ في ساحةِ التغيير بصنعاءْ، نصبَ خيمتَهُ ضمنَ مجموعةِ ائتلافِ شبابِ الحريةْ..
لتلك الخيمةِ أن تزهوَ ببطلها الدّحّانْ.. فهي من أوائلِ الخيامِ وأسخاهُنّ يداً وروحاْ.. كانَ إذا اشتد بها الهجيرُ لاذتْ بفيءٍ من شجاعتِهِ، وإقدامِهِ وحرصِهِ على مقدمةِ الصُّفوفِ.. ولما اكتمل فيها الظمأُ رواها بدمهْ.
رصاصةٌ غاشمةٌ مَحَتْ نارُها ملامحَ وجهِهِ، تاركةً ابتسامةً تملاُ محيَّاهْ.. وبطاقةً أسيفةً دلّتْ عليه.. وما ضَرّهُ،، وهو عبدُ الله بن علي الدحان.. لو لمْ يعرفْهُ أحدْ.. فقد سبقتْهُ روحُهُ إلى الجنةِ، فجرَ الثانيْ عشرْ من مارس 2011.. حيث عانق الشهادةَ بشوقٍ قديمْ.
تقاطرَ زملاؤهُ ومحبوهُ من كلِّ مكانٍ في وطنِ المحتجينْ.. (ساحةُ التغيير)، بعد سماعهم نبأ استشهاده، لتقديمِ الواجبِ في خيمةِ العزاءْ.
أربعةُ أولادٍ كانوا ينتظرون عودةَ أبيهم ظافراً، وبيدِهِ أوراقُ اعتمادِ الوطنِ الجديدْ.. ليسَ لبعدانَ وحدها، ولكن لسائرِ اليمنِ الميمونْ.. لعلّ عصامَ وشمسَ وغسان ومحمد كانوا هم الأملَ الذي ظل الشهيدُ الدحانُ ينظرُ من خلالِهِم إلى مستقبل البلاد.
للدحانِ الشهيدِ، وإخوانِهِ في المصيرِ المشرّفِ، سلطانٌ على القلوب.. عاهدوا فصَدَقُوا.. وبايعوا فأَوْفَوْا.. وصممُوا فأنْجَزُوا.. يشهدُ بذلك ما كتَبَه بخطِّ يدِهِ في دفترِ مذكراته “الصحبة الصحبة يا رسول الله..”.
من شَهْقَةِ كبرياءٍ، في حصنِ حَبّ، وشموخِ رابيةٍ في جبلِ المنارْ.. منْ محافظةِ إب الخضراءِ جاءْ.. وفي أصيلٍ من أصايلِ قريةِ بيتِ الدحانِ في عُزلةِ الحرثِ من بعدانْ.. ولد الشهيد، وفيها نشأ وترعرعْ.. ومضى الدحانُ إلى اللهِ والخلدْ، في الثاني عشر من مارس.. بعد ثلاثةٍ وثلاثين عاما، هي عمُرُهُ، وعمُرُ مأساةِ وطنٍ غادرهُ البطلُ.. وشمسُهُ تستيقظْ، وصبْحُهُ يتنفّسْ.
كان عبدُ اللهِ بطلاً بلا منازعْ.. مسطرا أغلى وأنصعَ صفحاتِ ثائرٍ في ساحة التغيير بصنعاء، ذلك اليوم الحزين.. وسيظل قنديلاً يضيءْ، ونبراسا يُحتَذَى.. ليس لِبَعْدَانَ وحدها.. فقد كان عنوانَ المبادرةِ، والقائدَ المتميز، وكرس وقته لفئةِ العمالِ التي أحبها، وأعطاها من وقتهِ وجهدِهِ ومالِهِ الشيءَ الكثيرْ..
جَمَعتْهُ مع رفيقِ النضالْ: عبدِ الواحدِ المنصوبْ، الشهادةُ وحسنُ الخاتمةِ.. إضافةً إلى قيادةِ فرعِ الإصلاح بالدائرةِ الثانيةَ عشرة، بأمانة العاصمة. وكان أيضاً النجارَ الماهرَ الخبيرْ، الذي ترك نجارةَ العماراتِ المسلحةِ دهراً، للمساهمة في بناء البيت اليمني الكبير.. لقد فعلْ.. وفتح على كل الجهاتِ نافذةً إلى المستقبلِ والنورْ.
لجنازتِهِ بهجةُ المهرجانْ.. وفي خيمتِهِ عطرُ عيدْ.. ولقد كان الشهيدُ الدحانْ.. قصةَ نضالٍ، وبطاقةَ ميلادِ وطنْ.. صادرة في 12مارس برقم (1037).. رقم (1037) هو رقم بطاقة الائتلاف، وجدت معلقة على صدره، ولم يعرف أحد أنه الدحان، إلا بها. فيما كان قد أعلن عن استشهاد الشاعر المنيعي الذي يشبه الدحان إلى حد كبير..


الشهيد محمد يحيى العزب
بين العام 1987 ويوم جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس 2011م، تمتد قصة هذا الفارس الذي امتطى صهوة التغيير، بعد أن صلى جمعة الكرامة في ساحة التغيير بصنعاء، ملوحا بوداع كريم عزيز خالد، ومؤذنا برحيل أبدي لطغيان هو أحد مسامير نعشه الأخير..
في قرية الهجر من محافظة المحويت ترعرع في صبا الشاهد والشهيد محمد العزب، وبفضل من الله نال حظه من الرعاية والعناية الأبوية، حتى اجتمع له من العلم والفضل ما جعله شامة بين أترابه وأقرانه..
في مدرسة النور بالدواعر تلقى محمد العزب تعليمه الأساسي قبل أن تتحول أشواقه إلى مدرسة الفوز المركزية حيث أكمل تعليمه الثانوي، وتفصله ثلاثة أشهر عن التخرج من المعهد العالي للعلوم الصحية..
لقد استطاعت همة محمد التواقة إلى مراقي المجد ومعالي الأمور أن تكسبه تميزا فذا وتقى صادقا، تدخله قلوب الناس دون إذن أصحابها.. فقد كان صاحب رصيد قيمي أخلاقي لا تطيش به البورصات ولا تغير نقاءه السنوات..
إنه محمد محمد يحيى العزب أحد أعضاء لجان النظام بساحة التغيير بصنعاء، رابع أربعة إخوة ثوار قدموا من محافظة المحويت مع الخال وأبناء العمومة، لقول كلمة حق عند سلطان جائر..
إنه الشاب الذي لم تمنعه إمامة المحراب، من التصدر إذا انهالت على الصدور الحراب..
عاد الخميس إلى ساحة صموده بصنعاء، بعد وداع حميمي لافت تمازجت فيه القبلات بالدعوات، وخالص الوصايا بصدق النوايا..
لذا فقد ظل درعا لإخوانه الثوار، ينافح بهم ومعهم عن معتصم الثورة، كلما داهمته أذرع النظام الخادعة الماكرة، ولسان حاله يقول:
إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنني عنيت فلم أبخل ولم أتردد
وبعد حياة حافلة بالرضا والعطاء، وبعشرات المواقف الشجاعة والنادرة في ساحة الرباط والمصابرة، شاءت أقدار السماء، أن يكون محمد العزب واحداً من عشرات الشهداء، الذي كتب لهم عند ربهم أعالي المراتب والمناقب..
فعقب طلق ناري سكن عنقه يوم الكرامة، صعدت روحه إلى بارئها ليسكنها جنات النعيم.
رحل الشهيد عن ستة إخوة وثلاث أخوات، وعن والدين صالحين صابرين، جمعهما اشتياق الفراق قبل ستة أيام من جمعة الكرامة. وبذات الابتسامة التي ملأت حياته وحياة من حوله ودع الجميع مطلقا لروحه عنان الخلود، لتسرح في نعيم الله الأبدي...ضمن عشرات الشهداء استقبلتهم ساحة التغيير بصنعاء للصلاة عليهم وتوديعهم، عاد الشهيد العزب في موكب جنائزي مهيب إلى حيث بدأ إلى مسقط رأسه في قرية الهجرة من محافظة المحويت، وعلى غير العادة في استقبال المصاب.. نعم.. هكذا كان الحال، في يوم عرس الشهيد العزب الذي لم يبق من عزوبيته غير اللقب..!..

في الإثنين 19 مارس - آذار 2012 05:20:39 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=14641