ابن أمه...!!!
رجاء يحي الحوثي
رجاء يحي الحوثي

خلال ثورات الربيع العربي، زاد عدد اليتامى العرب أيضاً، عبر القتل اليومي الذي مارسته وتمارسه تلك الأنظمة. ففي تونس ومصر وليبيا واليمن التي قامت فيها ثورات شعبية، ازداد عدد الأيتام، لكنها الآن تخلصت من حكام طغاة، صادف الأول من ابريل من كل عام ذكرى يوم اليتيم العربي. ويعتبر اليمن وحداً من البلدان التي ترتفع فيها أعداد اليتامى. وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو أربعمائة ألف يتيم في اليمن.

هذا حال ابن أمه فكم الان باليمن ابن أمه إن اليتيم ليس مثلبة ولا انتقاصا فقد كان سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم يتيما كما أخبر بذلك القرآن الكريم " (ألم يجدك يتيما فأوى.. صدق الله العظيم ) مبينا أن العباقرة والقادة في المجتمعات عبر التاريخ معظمهم من الأيتام .

الفقد مصيبة تأتي دفعة واحدة، أن تفقد أحد تجربه لاتستطيع اختصارها ولا الهروب منها فهي غصة أبديه فصلٌت السكنى في وسط الحلق أن كلمة الموت معناها مصيبة لا بعدها مصيبة مريرة يكل ما تحويه المرارة كنت اسأل نفسي كيف لأي إنسان أن يعيش بعد أن يفقد اقرب الناس له ولم أكن أجد جواب لهذا السؤال وأصبح الجواب هو معناه أن الحزن قد قام بسرقة ثلاثة أرباع روحك... . معناه إن الحزن قد اخفي ابتسامتك معناه إن الحزن قد عاش داخلك معناها أن الحزن قد هو ماتراه وللأبد معناه إن الحزن قد جعلك غير الآخرين بكل المقاييس معناه إن الحزن أن تعيش في اللا وعي مما يحصل لك وأن غصن الشجرة التي ترتاح عندها من عناء رحلة التحليق قدر وان الضماء استبعدك وأنت وسط نبع ماء, وان تقتنع أخيرا بان النهار ملي بالمفاجآت وأن الليل لا لون له معناها أن أبقى في مرحلة اللا تصديق مدة طويلة وان أظل في حلم غير معقول ومفصول تماما عن الواقع تتوزع الأمي على مراحل لا أصل لا أخرها .

إلا وقد نحل جسدي، وضعفت مناعتي وتبدلت ذاكرتي بمصيبتي حاولت أن أسبح في بحر همومي فجأة غرقت في دمعتي أنها حكاية جميلة تعبر عن واقع مرير لمن ذاق اليتم وعاناه لمن فرضت عليه الحياة حياة غير حياته لمن فارقت أب أولادها فجاءه وبدون مقدمات هول المصيبة لم يترك مجال للتفكير أو اتخاذ القرار تكررت الحكاية من قبل وكنت اسمع أبن أمه ولم أكن أعي معناها لم أكن أتوقع أنها قدر كثير من

أطفال اليمن . لقد ترملت كثير من النساء وتيتم كثير من الأطفال بسبب الحروب التي لا هدف لها من المسئول ومن سيعوض هؤلاء فقدانهم لا أغلى الناس في حياتهم أبائهم, من هنا تبدأ الحكاية .

كان لقبه "ابن أمه"، حيث أصرت بعد موت والده أن لا تتزوج رغم أنها كانت صغيرة السن وجميلة. لم تستغل شبابها للبحث عن زوج ثان. رهنت حياتها له ولتربيته، لكن بما أن أمه شابه فعليها أن تعيش في كنف أسرتها. من العيب أن تعيش لوحدها، لأن هناك من سيطمع فيها وفي وحدتها وفي شبابها وجمالها. .
لقد تربى في بيت جده والد أمه، ومقابل التربية كان هو الخادم الصغير، يلبي الأوامر ويقدم الطلبات ويشتري ويعمل ويدلل الأطفال الذين يأتون كلما تزوج احد أخواله أو خالاته. البيت الكبير يضيق، وروح الجد تحولت إلى ضياع محاصر بالعيون، خاصة عيون أمه الحريصة على سمعة العائلة التي ترفض الم الجد. حتى الجيران نظروا إليه أيضاً كخادم. نسي طفولته وبقي يحارب بسلاح الطاعة وطأطأة الرأس ليجد مكاناً لوجوده في العائلة. انه يحمي أمه من نظرات الأخوال التي تشق التطفل الذي ينخر كالسوس، وتحوله إلى تساؤل عن وجودها الغريب الذي يسرق منهم مساحة من البيت، ويحتل الأجواء التي كان من المفروض أن تقع تحت خطوات الرحيل والابتعاد عن البيت كزوجة حتي كان من منطلق رد الدين لخاله الذي كان يعطف عليه، وترميم الوضع المقلوب الذي أفرزته الظروف نتيجة موت أبيه. تزوج ابنة خاله القوية المسترجلة، فقد وجد فيه خاله وزوجته، الزوج الذي يستطيع تحمل ابنتهم دون تذمر، وتحمل تصرفاتها التي هي اقرب للوحشية . أمه تؤكد له أن زوجته تنظر إليه كالحمار. انه يطيعها ويلبي طلباتها ويقبل أهانتها، وزوجته تقول: أنت حمار أمك، هي تستعبدك، وتتدخل في شؤونك، ولها طلبات غريبة.. يعني إذا هي لم تتزوج؟

لازم تتحملها طول عمرك..! يومياً يمر بهذه الصور الصباحية. زوجته تتكلم عن أمه، وأمه تتكلم عن زوجته. كأنهما في ساحة معركة. لا يجيب. يرسم ابتسامة على شفتيه بمقياس يجبرها على الصمت. وإذا تمادت بالكلام يزيد من مقياس الابتسامة حتى ينهي فطوره. خلال نزوله من بيته في الطابق الثاني يحاول آن لا يسمع لأمه، التي تقف له بالمرصاد أمام بيتها في الطابق الأول. يبتسم لأمه، التي تتكلم بسرعة، كأنها تريد حشو العبارات في أذنيه. لكن هو يزيد من ابتسامته، فتكشر وتشتمه وتقول له: "واحد عديم الشخصية والفائدة طول عمرك ستظل مدعسه"..! ابتسم واعتبر كلماتها نوعاً من الغزل الأنثوي المغسول بغضب عابر من قلب أم ، لكن هي قصدت أن تطعنه في رجولته لأنها سئمت ابتسامته الساذجة المغموسة بزيت الذل الممسوحة بفرح غبي .
ألقى تحية الصباح على أمه، التي وجدها واقفة تنتظره أمام الباب. لم ترد عليه. مضى إلى عمله. لا يريد أن يشغل باله بامرأة عجوز وزوجة أرادت أن تبدأ اليوم بشجار وصراخ، واتهام انه يتعاطف مع أمه ويعلم حق العلم أن ما يجري ليس لها يد فيه وإنما القدر هو قدرهم ولا مفر منه لأنه فرض عليهم أما بالقدر أو لأي سبب. .
في العمل هو على موعد مع الجثث الباردة التي تنتظره في ثلاجة حفظ الموتى. هو يعمل سائقاً على سيارة نقل الموتى. ينقل يومياً جثث الموتى من المستشفى إلى بيوتهم، وغالباً ما يستقبله أهالي الموتى بالصراخ والعويل والدموع. وحين يدخل النقالة التي يرقد عليها الميت إلى داخل البيت يسقط في أحضان المتواجدين، الذين يريدون الاقتراب لرؤية الميت. يركبونه ويسحقون جسده وهم يتدافعون لرؤية الميت المسجى أمامهم، ويلعنونه في سرهم لأنه حامل الموت ويشمئزوا منه ويقرفون. ..!

تكونت صداقة بينه وبين الناس ووجوه الأموات المتجمدة التي تميل إلى اللون الأزرق والدموع والآهات والنواح، ووجد أن هناك من يكرهه، يبغضه، لأنه يعرف لحظات ضعفهم، فالحزن قمة الضعف وقمة الانكسار. أصبح للبعض نذير شؤم ، فعندما يرونه صباحاً يتشاءمون حتى أنهم يغيرون طريقهم، ولو كانوا في طريقهم لعملهم

خوفا من رؤيته وجلب النحس أو سماع خبر سيئ. .

في سيارة نقل الموتى هو الراكب القوي، هو ملك الحياة، يقود الموتا، زمام الأمور بيده.. السرعة، البطء، السيطرة على نفسه من البكاء أو الضعف أمام الموقف, الغناء. يغني، يرفع صوته بالغناء. يملك عدة كاسيتات في السيارة، يضع احدها عندما يواجه الهروب من فكرة قيادة الموت، خاصة إذا كان الميت بدون أقارب ولا احد ينتظره. تسري الموسيقى في دمه. يشتعل إيقاعها فيستغل وجود الجثة التي تئن من الوحدة، ويذهب بها إلى شاطئ البحر. يقف متأملاً الأمواج والأفق الذي يحتضن السماء والبحر. هذا الصباح ادعت زوجته بأنه "مدعسه"، وأمه عايرته بأنه "مدعسه". في المستشفى جلس في المقصف يشرب القهوة. يغسل الصباح المشرق ببعض البن الأسود، ما دام الأسود سيقف أمامه طوال اليوم وممن من أمه وزوجته.  

ينتظر تجهيز أوراق الميت، بعد قليل سيحمل الأوراق التي ستتحول إلى رقم يضيع مع الأرقام التي تؤكد عدد الوفيات في الدولة. نادته المسئولة وناولته العنوان. الجثة لعجوز لا أقارب له. عليه توصيلها لأحد بيوت العجزة في المدينة المجاورة. وبينما هو يغلق الباب الخلفي للسيارة ويستعد للسير، فكر لماذا لا يأخذ زوجته معه، لعلها تخرج من قوقعتها البيتيه. أو يؤثر فيها الموقف الموت وكفى بالموت واعظا تكلم بالهاتف معها وطلب منها تحضير نفسها. قال لها سيمر بعد دقائق ويأخذها، وأضاف وهو يقهقه انه سيأخذها مشوار إلى المدينة.  .
مرت زوجته من أمام باب بيت آمه. أطلت الأم. فتحت الباب على مصراعيه وقالت: "الصبح قلت عنك مدعسه لمرتك"..!! خجل وطلب منها أن تجهز نفسها. سيأخذها معهما بالسيارة إلى المدينة. فتحت باب السيارة. رفضت أمه أن تجلس في الكرسي الخلفي. أصرت أن تجلس إلى جانبه. كذلك زوجته أصرت أن تجلس إلى جانبه. لا تريد الجلوس بالخلف. تشاجرت أمه وزوجته. تعاركتا فوق الجثة. لم يتكلم. لم يحاول الفصل بينهما. ضربته أمه وقالت: مدعسه لمرتك"..! ضربته زوجته وقالت: " مدعسه لأمك "..! 

تركهما ونزل من السيارة. جلس على حافة الطريق، ثم رجع إلى السيارة ووضع كاسيت أغنية "الدنيا حلوة نغمتها حلوة". نظر إلى أمه وزوجته، فوجدهما ما زالتا تتعاركان فوق الجثة . ..!!

هذا حال ابن أمه فكم الأن باليمن ابن أمه ليس انتقاصا با الأم أنا اعلم علم اليقين بان هناك أمهات عظيمات ومجاهدات وفاضلات ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وفرضت هذا الواقع المرير لكذا أم ولكذا يتيم فمن ينظر لحالهم أو يعوضهم فقدانهم لا إبائهم أتمنى من رئيس الجمهورية عبدريه منصور أن يعطيهم أولوية ورعاية وعناية فهم أحق. , فهم لا يد لهم ولاذنب لهم في ما حصل لهم إلا أنهم فقدوا أبائهم  

ليس اليتيم من مات أبواه ولكن اليتيم من انشغل عنه أبواه فكم من يتيم حاز على اللقب من غير يتما لأنه فقد أبواه أحيا بالانشغال واللهو في مسال الحياة فيصبح يتيم الحيين .


في الثلاثاء 17 إبريل-نيسان 2012 06:33:59 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=15150