خيارات عائلة صالح في مواجهة استحقاقات نقل السلطة
صادق عبدالرزاق العامري
صادق عبدالرزاق العامري

الانتخابات الرئاسية في فبراير المنصرم مثلت تحول هام في مسار الأحداث فالمشروعية الرئاسية بكامل صلاحياتها انتقلت الى الرئيس هادي و لم تعد بيد صالح أي مشروعية سوى رئاسته لحزب المؤتمر وهي مشروعية منزوعة التأثير بحكم المشروعية التوافقية التى أسقطت تأثير الأغلبية البرلمانية او أي أغلبية أخرى . الا ان صالح كان يعول على استمرار تأثيره من خلال مشروعية الرئيس هادي الذي يعتبر نائبا لرئيس حزب المؤتمر وهذه العلاقة الحزبية من شأنها جعل قرار هادي مرتهن بقرار المؤتمر او بالأصح مرتهن بقرار صالح رئيس الحزب

بالإضافة إلى ان صالح كان يعول أيضا على قدرته في تطويع الرئيس هادي بحكم تأثير سلطته السابقة عليه ومعرفته به , وباعتبار انه محسوب عليه, فخلال أشهر الثورة كان هادي هادئا ولم يظهر في أي موقف يشير انه يدعم ثورة الشباب , لذلك كان صالح يعول على لعب دور مؤثر من خلال هادي , الا ان هادي الذي اظهر توددا لصالح قبل الانتخابات وكان يحضر الاجتماعات بأمر من صالح وبقيادته, وفي تلك المرحلة لم يفوت هادي أي فرصة من شانها تعميق ثقة صالح به فتصريحاته وأحادثه الصحفية و المتلفزة كانت تخدم اتجاه تعزيز ثقة صالح به , وفي هذا السياق شاعت عبارة "رئيس الرئيس ". هذا الدور الذي لعبه الرئيس هادي باحتراف توقف بعد الانتخابات بصورة تدريجية وأعلن هادي رسميا توقفه حين أعلن قراره بمنح شهداء الثورة لقب شهداء الوطن, ثم أعلن رفضه حضور أي اجتماع برئاسة صالح

هذا التحول في طبيعة العلاقات شكل صدمة قويه لصالح فلم يكن صالح يتوقع ان لهادى أنياب ومخالب ستمكنه من الإمساك بخيوط اللعبة وتحريكها وفق المصلحة الوطنية وبعيدا عن حسابات عائلة صالح

اكتشف صالح انه لم يكن يعرف هادي وأدرك ان صمته قبل توقيع المبادرة ومناوراته قبل الانتخابات , لم تكن سوى دور لعبه هادي باحتراف وفوت بذلك على صالح فرصة تعين نائب من العائلة بدلا منه, ومن المؤكد ان صالح ندم على تلك الفرصة واتهم قيادات مؤتمرية كانت ترفض استبدال هادي بشخص من عائلة صالح او من المقربين باعتبار ان الوضع لا يسمح بذلك وان هادى محل ثقة المؤتمر

تتابعت قرارات هادي وكانت القرارات الأخيرة بإقالة محمد صالح الأحمر وطارق وآخرين من القيادات العسكرية العتيقة كانت بمثابة كسر العظم لعائلة صالح , لم يكن هادي يستهدف العائلة فليس لديه خصومة معهم ولكنه استهدف ترتيب الأوضاع بما يسمح بإعادة هيكلة الجيش وكل ذلك من اجل امن واستقرار الوطن ,

 لم يكن هادي وراء تلك القرارات او يسعى لها بل كانت ورائها تصرفات وممارسات صالح وعائلته واستمرارهم في تنفيذ مخططات تستهدف استمرار إنتاج الأزمات وخلق المزيد من العوائق أمام الرئيس الجديد وحكومة الوفاق , وحين أدرك الرئيس هادي ان عائلة صالح غير قادرة على الاستفادة من فرصة البقاء والحصانة والوفاق الوطني , وانها تسعى لمنع انتقال السلطة وفق المبادرة الخليجية , وهذه القناعة التي تشكلت لدي الرئيس هادي تشكلت أيضا لدي القوى الوطنية , ثم تشكلت لدى القوى الإقليمية والدولية, بعد ان كان صالح قد اقنع أطرافا خارجية ان أحزاب المشترك والمنشقين العسكريين وعلى رأسهم علي محسن الأحمر هم الذين يعرقلون تنفيذ المبادرة ويعيقون السير نحو الحوار الوطني بالإضافة إلى تقليله من شأن عملية الهيكلة , ونجح صالح في خلق تلك القناعات من خلال بعض العاملين في السلك الدبلوماسي اليمني و غير اليمني أغراهم بالمال , الا ان تلك القناعات التى أوجدها صالح لم تدم طويلا وتكشفت الحقائق , ولعلى تأييد الدول الراعية للمبادرة لقرارات الرئيس هادي أوضح دليل على تشكل قناعات بحقيقة ما يدور على ارض الواقع من ان عائلة صالح تقف وراء إعاقة انتقال السلطة وإعاقة أي جهود تبذل نحو استعادة الأمن والاستقرار, وفي هذا الاتجاه كتبت صحف عربية وسعودية وعالمية تتهم صالح وعائلته بدعم تنظيم القاعدة , وضلوعها المباشر في أعمال تخريبية تهدف الى محاولة إفشال حكومة الوفاق , وإدخال الرئيس هادي في دوامة من الأزمات

هذه الأوضاع وتقلباتها وضعت عائلة صالح أمام خيارات محدودة وفي هذا السياق يمكن القول ان عائلة صالح التي اعتادت خلال الثورة ان تتمترس خلف مشائخ ومسئولين بمستوياتهم المختلف او خلف مجاميع مسلحة او غير ذلك من الواجهات التي تحركها عائلة صالح في مواجهة استحقاقات ثورة التغيير الا ان قرارات هادي الأخيرة أخرجت عائلة صالح من خلف تلك المتاريس لتكون العائلة في الواجهة وبدون أي عطاء أخر , ومع إعلانها التمرد على قرارات الرئيس هادي كشفت عن نواياها الانقلابية والتآمرية على المبادرة , وعززت القناعة لدى المجتمع الدولي بضرورة هيكلة الجيش او على الأقل تنفيذ حزمة من التعديلات في مواقع عسكرية بما يسمح بتنفيذ برنامج الهيكلة بسلاسة ودون معوقات كبيرة ,

بتهور غير محسوب استطاعت عائلة صالح ان تقنع الرأي العام المحلي و المجتمع الدولي انها هي من يقف عائقا أمام تطبيع الأوضاع في اليمن ومنحت بذلك خصومها ما يثبت صدق كل ما كانوا يقولوه حول ممارسة العائلة ودورها في إعاقة أي مجهود نحو استكمال المبادرة , وبطبيعة الحال كانت الأطراف الدولية و الإقليمية تضع قدر كبير من أطروحات المعارضة بشأن دور عائلة صالح في سلة المكايدات السياسية, فلما حصص الحق وأعلنوا تمردهم اتضح كل شيء

ثمة خيارات أمام العائلة في اللحظة الراهنة

فالخيار الأول: يتمثل في عدم التسليم بسهولة وعدم الرفض المطلق مما يعيق أي قرارات أخرى ويجعل من عملية اتخاذها صعب كحماية لمن تبقى من العائلة وعلى رأسهم النجل الأكبر لصالح احمد علي , وفي ذات الوقت ممارسة الضغوط على الرئيس هادي ليكرر نموذج اعتكاف علي سالم البيض في عدن , وبهذا يتمكنوا من إعادة الوضع الى مربع العنف , وإحلال شرعية القوة بدلا من الشرعية الدستورية ولا شك ان خروج هادي واعتكافه سيربك الوضع وسيمنح عائلة صالح فرصة لتوسيع دائرة الانفلات الأمني والعمليات التخريبية لتدخل حكومة الوفاق دائرة العجز الكامل , هذا السيناريو لم يكتب له النجاح , لان العائلة خرجت من دائرة المناورة الى إعلان المواقف , فتصميم الرئيس هادي على انفاذ القرارات جرها الى موقف حرج جدا فلم تتماسك وأعلنت التمرد ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل زجت بالحرس الجمهوري الى مربع حماية التمرد , الامر الذي يعزز قضية الهيكلة ويجعلها ضرورة ملحة لمنع تكرار التمرد ولضمان وحدة القرار العسكري والأمني باعتباره المدخل لإعادة الأمن والاستقرار في البلاد وهذا ما كانت تطالب به أحزاب المشترك ,

الخيار الثاني : ويتمثل في قبول إقالة من شملتهم القرار مع اشتراط البقاء على احمد ويحي في مواقعهما وغيرهما وهذا الخيار كان يمكن ان يقبل به الرئيس هادي تحت مبرر حياد احمد ويحي والآخرين الا ان الزج بالحرس الجمهوري في دائرة رفض قرار الرئيس ومقاومة تنفيذ القرار , واستمرار دور يحي وغيره من المحسوبين على العائلة في تعزيز الانفلات الامني وتقديم التسهيلات لتنظيم القاعدة والرفض المبطن للتعاون مع جهود الحكومة في السيطرة على الأوضاع كل ذلك يجعل من الصعب القبول ببقاء أي عسكري له دور في لعبة صالح

الخيار الثالث : ويتضمن توتير الوضع وتفجيره عسكريا في اطار العاصمة والمدن التي يمكن ان تنفذ فيها عائلة صالح أعمال تخريبية واعتداءات عن طريق الموالين لها , وأيضا عبر تحريك قضايا الثأر والأرضي وغيرها من المشاكل , فالتقطعات التى تحدث تحت اسم مشكلة ما اوحق ما هي في الغالب تأتي في إطار ما تمارسه العائلة من عبث ,

ان خيار تفجير الوضع عسكريا في اللحظة الراهنة يفتقر لعصر التغطية السياسية ولن يكون له مبررات يمكن تسويقها بعد انكشاف كل الأوراق, وهو خيار انتحاري فاقد للمشروعية , وسيواجه بموقف دولي واقليمي ومحلي حازم , والنهاية ان العائلة ستفقد كل شيء

وما يجعل احتمال الخيار الثالث قائما ان موضوع الحصانة قد سقط عمليا حتى مع استمرار قانون الحصانة فالقانون لا يشمل الأعمال التي مورست بعد صدوره , وما مورس بعد صدور القانون , من قتل ودعم للقاعدة وتخريب يكفي للإدانة عن 33عام ,

يبدو ان صالح كان يفضل الخيار الثاني لكنه خلق على ارض الواقع مبررات الرفض , ومع ذلك فالواقع يحكي ان صالح لا يزال يتعامل مع الخيارات الثلاثة ولم يحسم أمره بعد ,ربما كنتيجة لعدم اتفاق العائلة واجتماعها حول خيار محدد , فثمة من يقول إما ان نستمر جميعا او نذهب جميعا, وأخر يفضل إنهاء الأمر والخروج بأقل خسارة , وأخر يتحمس للمواجهة ودون حساب للعواقب,وأيضا ليس فيهم من يقبل ان يكون وحده ضحية ,

الأيام القادمة ستكشف جدية المجتمع الدولي تجاه عائلة صالح وحقيقة دعمهم للرئيس هادي , ويبدوا ان الرئيس هادي سيستمر في إصدار قرارات من شأنها توحيد الجيش تحت قيادة وزارة الدفاع , 


في الجمعة 20 إبريل-نيسان 2012 05:22:39 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=15191