الغرب وتعامله مع ثورات الربيع العربي
د. عقيل المقطري
د. عقيل المقطري

شهد العالم العربي خلال العام الماضي ثورات شعبية عارمة كان نتيجتها الإطاحة بأربعة من أكابر مجرميها وهنالك من ينتظر، كما نتج عنها إفراز واقع جديد في كثير من الدول التي لم تشهد ثورات تمثل هذا الواقع في بحث الأنظمة الحاكمة عن إجراء عمليات جراحية ضرورية وعميقة وحقيقية لنظمها، لأنها أيقنت بأن العمليات الجراحية التجميلية لم تعد مجدية ولا مقنعة للشعوب وأحست هذه الأنظمة بأن احتكار السلطة، وكتم أنفاس الشعوب لا تكون نتيجته إلا الثورات والعنف ومن ثم زوال الملك والسلطة.

وفي نظري أن هذه الثورات لم تقم على فتوى من عالم ولا تحريض من جهة ولا تخطيط من ماهر ولم يكن لهذه الثورات قادة محددون بل لم تكن هذه الثورات بناء على تآمرات خارجية كما كانت تدعي تلك الأنظمة التي أطيح بها والتي لا يزال بعضها يترنح وهذه الثورات قامت نتيجة لأسباب واحدة وفي ظروف واحدة وهدفها واحد، لذلك فنتيجتها كانت وستكون واحدة وإن من جملة الأسباب التي أدت إلى قيام الثورات ممارسة القمع والتنكيل بالمخالفين وبروز ثقافة الكبت وانتشار الأمن السياسي بدلاً عن الأمن الجنائي وكثرة التدخلات الأمنية التابعة لحماية الأنظمة القمعية في الحياة كلها ـ حتى لم يخلُ مكتب من مكاتب الدولة من وجود عدة أفراد مرتبطين بالأمن السياسي أو الأمن القومي ـ كبديل للمؤسسات الرقابية الشرطية في كل الجوانب، وكان نشر تلك العناصر من أجل التجسس لصالح النظام وكانت هذه الأنظمة تظن أن هذه الأجهزة القمعية ستمنع قيام الثورات الشعبية لذلك أوغلت في التخويف والتهديد والتنصت على كل ما يدور في البلد.

ومن الأسباب أيضاً استبداد الأنظمة الحاكمة وانفراد الأحزاب، الحاكمة بالحكم في أجهزة الدولة وإقصاء كل من لم يكن منتسباً لتلك الأحزاب وزورت الانتخابات بطرق مختلفة وأقصت العمل السياسي الإسلامي الذي هو مهوى الشعوب العربية نظراً لفشل المشاريع القومية والليبرالية والعلمانية التي جربتها الشعوب عقوداً وظهر فشلها الذريع ثم عمدت الأحزاب الحاكمة لتخليد الرؤساء في الحكم وتوريث أبنائهم من بعدهم ، ومن الأسباب تردي الأوضاع العربية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي والثقافي ما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة والتخلف وظهور البون الشاسع بين العالم العربي والعالم الخارجي حضارياً وتقنياً.

ومن الأسباب أيضاً فساد الأنظمة وغياب العدالة الاجتماعية، حيث عمدت الأنظمة إلى امتصاص دماء الشعوب ونهب ثرواتها، فظهر الثراء الفاحش على الطبقة الحاكمة والمقربة، بينما عامة الناس يتضورون جوعاً وقهراً، كما كان من الأسباب معادات تلك الأنظمة للإسلام والإسلاميين بالإضافة إلى المواقف المخزية من قضايا الأمة الإسلامية الكبرى كقضية فلسطين مع الارتماء الواضح في أحضان اليهود والأمريكان وغيرهم من أعداء الأمة.

وبالرغم من كون الغرب هو من أنشأ تلك الأنظمة العميلة التي حققت لهم أكثر ما يريدون بل هي التي دربت هذه الأنظمة على الاستبداد والقمع ودعمت أجهزة تلك الأنظمة القمعية وسكتت عن كل انتهاكاتها بل واسفرت عن معاداتها للأمة العربية والإسلامية تحت مظلة مكافحة الإرهاب، فاحتلت أمريكا وحلفاؤها العراق دون تفويض من المنظمة الدولية وقتلت أكثر من ستمائة ألف ومارست التعذيب في سجن أبي غريب ونشرت في المواقع الإلكترونية صوراً للتعذيب والإذلال والإهانة للعراقيين بل للمسلمين كلهم وتحت مسمى مكافحة الإرهاب احتلت أمريكا وحلفاؤها أفغانستان فقتلت ودمرت وأهانت وانتهكت الحرمات ودنست مقدسات المسلمين، يضاف إلى ذلك الازدواجية في التعامل مع الصراع العربي - الإسرائيلي، فبينما دول الغرب تجمع في اتخاذ القرارات لمعاقبة الدول العربية والإسلامية إذ بها تقف عقبة كأداء أمام كل قرار فيه إدانة لإسرائيل كما امتلأت سجونها بالمعتقلين والموقوفين بتهمة وبغير تهمة, الأمر الذي ولدّ الحقد والكراهية للغرب لدى الشعوب العربية والإسلامية لكن لما قامت الثورات الشعبية رأى الغرب أن مصلحته الآن بالانضمام للشعوب لا لتلك الأنظمة المهترئة وإن كانت من صنعه, لأن هذا في نظرهم سيحسن من صورة الغرب لدى تلك الشعوب...

كما أن دول الغرب اقتنعت بالإسلام والإسلاميين كواقع يجب التعامل معه لا معاداته كما كان في الماضي ولا بد من اتخاذ استراتيجية جديدة للتعامل معه خاصة بعد تنامي الإسلاميين وصاروا قوة واضحة بعد أن حاول الغرب بواسطة تلك الأنظمة قمع الإسلاميين وتشويه صورتهم بكل الوسائل بل وتقويض فوز بعضهم في البرلمانات والحكومات كما حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر ولحماس في فلسطين، فصار الغرب اليوم لا يمانع من وصول الإسلاميين للسلطة ولا يبدي في الظاهر أي انزعاج للفوز الباهر الذي حققه الإسلاميون وبالرغم من هذا كله فليست نوايا الغرب حسنة إطلاقاً والقرآن الكريم شاهد بهذا، فلقد صنف الغرب الإسلاميين إلى وسطيين ومتشددين فتعاملوا مع الإسلاميين من منطلق ارتكاب أخف الضررين وركوب أهون الشرين، فتعاملوا مع من صنفوهم بالوسطيين خوفاً من وصول المتشددين في نظرهم إلى السلطة، ولذلك فأتوقع أن تعامل الغرب مع من وصفتهم بالوسطيين يحقق لهم بعض المكاسب مثل الوصاية على هذا التيار والضغط عليه ليقدم تنازلات تلو أخرى ونقل المعركة بين الإسلاميين أنفسهم من خلال بذر الخلافات بينهم ومحاولة ضرب بعضهم ببعض وجعل أحد الطرفين أصلاً والآخر تبعاً وإثارة قضايا فكرية تتعلق بكيفية تطبيق الشرع وإن كان التياران متفقين في معاداة الغرب...

كما أنها إن لم تنجح فيما ذكرت ستضيق على الإسلاميين وستحاصرهم كي تقنع الشعوب بفشلهم في إدارة دفة الأمور حتى لا ترشحهم مرة أخرى وستعمل بكل ما أوتيت من قوة على أن تقيم ثورة مضادة وفوضى كبيرة تمهيداً لسرقة الثورات بل وستستخدم وسائل أخرى لخلق الفوضى والتضييق على الإسلاميين من خلال إيقاف المساعدات الدولية واستخدام المنظمات الدولية لتكثيف الضغط على تلك الدول وستستخدم الإعلام المحلي والخارجي لتشويه صورة الإسلاميين بطرق مفبركة وتهويل ما هو دائر تخويفاً للشعوب وأكبر قضية تعول عليها دول الغرب قضية إشعال الخلاف بين الإسلاميين كي تتفرد هي لتحقيق مصالحها وتشغل الإسلاميين بأنفسهم فواجب على الشعوب المسلمة أن تعي هذا الأمر وتعمل جاهدة على إفساد مخططاتهم وتفوت الفرصة عليهم ؟


في السبت 21 إبريل-نيسان 2012 03:47:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=15197