مظهر من مظاهر الدوله العميقة في اليمن
حسين احمد الغشمي
حسين احمد الغشمي

يطلق مصطلح " الدوله العميقه " على القوى الخفيه التي تمسك بمفاصل الحكم في اي دوله والمحرك الرئيس لها والتي تظل قائمه وان انهارت مؤسسات الدوله الظاهره. وقداستغرب اكثر الناس حين انسحبت او انهارت جميع القوى الظاهره من حول صالح من قوى الجيش والخارجيه وغيرها ومع ذلك ظل وجوده قائمآ وهنا تبرز القوى الخفيه التي تسيطر على مفاصل الدوله. ويجب ان نعلم ان اهم ميزه تعتمد عليها الدوله العميقه هي الاختفاء عن مجال الرصد والتتبع ولكن الوضع الحالي ادى الى بروزها وهذه فرصه لا تعوض للقضاء عليها.

اعتمد صالح في حكمه على ازدواجيه الدوله مابين ظاهره وخفيه ولهذا اسباب كثيره منها طبيعه صالح نفسه وتنوع القوى داخل اليمن مع اختلاف توجهاتها وكذلك وجود تأثير خارجي قوي وهذا خلق نوع من الاستقطابات والصراعات الخفيه بين صالح ومراكز القوى الاخرى وهدف كل منها تعزيز تواجدها داخل مفاصل الدوله المؤثره. واذا عدنا الى ماقبل ثوره الشباب السلميه الشعبيه المباركه نجد ان رئاسه الوزراء كانت في الظاهر القوه التنفيذيه الوحيده ولكن الحقيقه ان هناك اداره متكامله داخل مكتب رئاسه الجمهوريه مفصله بشكل كامل على مقاس الوزارات ( حكومه الظل ) واختصاصاتها وعملها تحديد السياسات ومن ثم عكسها الى رئاسه الوزراء بشكل خفي لتنفيذها. ولهذا نجد فشل مزمن ومريع لهذه الوزارات لان القيادات الظاهره لاتملك من امرها شي وليسوا الا دمى خشبيه تحركها حكومه الظل ولهذا نجد غضب صالح من وزراء مؤتمريين في حكومه الوفاق امثال وزير الدفاع لانهم استطاعوا تجاوز منظومتهم وقراراتها. ولا تتحكم حكومه الظل برؤوس الوزارات فقط بل بجميع الادارات من خلال الامن القومي وبهذه الطريقه يتم ضمان السيطره الكامله على الوزراء والوزارات والنتيجه ان الهم الوحيد والصلاحيه الوحيده للوزراء تنحصر في نهب المال وهذا ماتشجع عليه القوى الخفيه بشكل مدروس فمن ناحيه يتم تقاسم هذه الاموال معها ومن ناحيه اخرى يكون لديها ملفات فساد تضغط بها على اذرعها التنفيذيه والاداريه. وتتضح هذه الصوره بشكل كبير بعد مؤتمر المانحين الذي خصص خمسه مليار دولار تقريبآ لمشاريع تنمويه في اليمن بشرط ان يكون صرف هذه الاموال عن طريقها بعد تقديم الدراسات اللازمه للمشاريع الى لجان مختصه تتبع المانحين وهذا يعني صعوبه ان لم يكن استحاله الاختلاس والنهب ولهذا نجد ان جميع الوزارت لم تستفد من هذه الاموال. وفي الجانب الاخر تتم السيطره على مجلس النواب ( الجهه الرقابيه ) ويكون اغلب الاشخاص مسيطر عليهم امنيآ وعملهم خنق اي محاوله للمحاسبه او الرقابه اذا ظهرت وتمرير المشاريع المشبوهه والفاسده وقوننتها. وهنا يبرز السؤال عن الجهاز المركزي للمحاسبه والرقابه الذي يتبع رئاسه الجمهوريه ويتم تعيين قيادتها عن طريق الرئيس او مكتب رئاسه الجمهوريه فمن المفروض ان تتبع الجهه الرقابيه ممثله بمجلس النواب ليتسنى لها تلقي التقارير الحقيقيه ومحاسبه الحكومات. وفي حال -وهذا نادر- تم ضبط قضايا فساد يقوم مجلس القضاء الاعلى والنائب العام المعينين من رئيس الجمهوريه والتابعين للرئيس بتمييع اي قضيه تصلهم وان يكونوا فقط سهام مخصصه وموجهه ضد خصوم المنظومه واعدائها.

لكي تنهض اليمن وتنفض عنها غبار الفساد يجب عليها ان تنفض هذه المنظومه الخبيثه عن كاهلها وتتخلص منها بشكل كامل بعد ان تعمقت على مدى ثلث قرن واكثر. ولن يتم هذا الا بكتابه دستور جديد وقوي يحدد سلطات وصلاحيات كلآ من السلطه التنفيذيه ممثله بالرئاسه ورئاسه الوزراء والتشريعيه ممثله بمجلسي النواب والشورى ( للعلم انا لا اعلم وظيفه لمجلس الشورى باستثناء استحداث قهوه تقاعديه للقيادات التي عفا عليها الزمن وصرف مخصصات ماليه لهم وبالاضافه حضورهم للتصفيق للزعيم اثناء اللقاءت الرسميه ) والقضائيه ممثله بمجلس القضاء الاعلى والنيابه العامه مع وجود اجهزه امن نزيهه وقابله للمحاسبه وجيش قوي بعيد عن السياسه وتأثيراتها وكذلك وجود اعلام واعي ووطني يبحث عن قضايا الفساد وكشفها وليس مجرد ابواق لاشخاص وجماعات لا هم لهم الا التطبيل.


في الأحد 01 يوليو-تموز 2012 03:41:20 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=16287