قراءة أولية في العودة المرتقبة لعلي سالم البيض.
صالح السندي
صالح السندي

ربما هي هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس علي سالم البيض صراحة العودة المرتقبة الى الديار اليمنية , وان تخللها الكثير من الغموض والإبهام وعن التوقيت الزمني والدوافع والأسباب المتعلقة بذلك, إلا ان الرجل قد يكون جاداً وصادقاً فيما يقوله هذه المرة , ويدرك تماما مغبة ومخاطر العودة ويعي ما يقوله, ليس لأنها المرة الأولى فحسب التي يعلن فيها صراحة عن عودته الى ارض الوطن, ولكن لكون الظروف والملابسات التي تحيط بهذه العودة -التى لن تكون مجرد زياره عابرة- تجعلها محط الإستفسار والتساؤل , لتملّك الجرأة التي لم تكن موجودة من قبل , ولعل الظروف المواتية من سقوط الرئيس الأسبق من الحكم وتهاوي أركان نظامه, وان كانت بصورة شكلية وسطحية الا انها فتحت شهية الزعيم المنفي ليعود ويلعب دوراً ما في المستقبل القريب.

وان كانت غيبته الكبرى التي قضاها لمدة خمسة عشر عاما في السلطنة و لم يسمع أحد عنه شيئا, ولم تنشر له وسائل الإعلام تصريح أو مقابلة علنية, فمنذ لجوءه الى سلطنة عمان ومنذ العام 1994 كان في طي النسيان , وبعد انتقاله الى النمسا والمانيا أواخر العام 2010 وقبل بداية الثورة الشعبية, بدأ الرجل ينشط و يظهر بحياء في وسائل الإعلام المختلفة كبطل أسطوري وفاتح يطالب بدحر الإحتلال والإستقلال , عبر تأكيداته المستمرة للمطالب المشروعة باستعادة دولة الجنوب وفك الإرتباط نهائياً, تكللت الجهود السياسية والإعلامية الذي مثل فيها البيض المحور والشريان المغذي بتوحد معارضة الخارج وان كانت بصورة ضبابية باهتة إلا أنها تتحرك وفق رؤى معينة يجمعها رغبة الإنتقام من نظام علي صالح والنيل منه, تحركات مشبوهة صامتة أشبه ما تكون بتحركات قناديل البحر بطريقة متموجة هادئة تطفو على السطح وتثير كثير من الرهبة والحذر والإبتعاد ولكن لسعاتها سامة وقاتلة.

وتوّجت بولادة قناة عدن لايف ممولة ومدعومة من البيض شخصيا وصارت منبرا للرفاق في الخارج , ومع مرور عام من الثورة الشبابية ومع الظهور التدريجي للسيد علي سالم البيض , ومع زيادة حدة الأصوات المنددة بحرب صيف أربعة وتسعين وطريقة تعامل النظام السابق معها, وفتح جميع ملفات القضية بما فيها الحراك السلمي الغائب عن مجريات الأحداث منذ العام 2007 , إلا ان جميع هذه التطورات الإقليمية والإستثنائية جعلت من علي سالم البيض والزمرة الملتفة حوله تترقب الأوضاع بحذر شديد , وان كانت أصوات الانفصال بدأت تخبو تدريجيا مع اشتعال الثورة السلمية وفي بداياتها للنظر الى ما ستؤول إليه الأحداث العاصفة, ولكن عدن ومثلها مثل بقية المحافظات الجنوبية كانت شرارة الثورة وامتدادا طبيعيا وشرعيا لانتفاضة بقية محافظات الجمهورية, ومع قرب انفراج الأزمة السياسية بين الأطراف المتصارعة ودخول دول الخليج على خط الأحداث وتفعيل دور المبادرة الخليجية , وإخفاق الثورة رسميا, فالنظام لم يسقط , لذا توحد النهج الجنوبي ومعارضة الخارج بشكل ملحوظ في التركيز على مسألة فك الإرتباط كخيار أخير للإستقلال كليا, وان اختلفت الرؤى والتصورات بين القيادات التأريخية للحزب والدولة الجنوبية في الخارج , الا أنها اتفقت تقريبا في الهدف وان اختلفت وتباينت في الطريقة والوسيلة المتبعة لتحقيقه.

فحين يرى (الجناح المتشدد) جناح على سالم البيض ورفاقه حركة تاج محور-لندن-أوروبا- والقوى المتعاطفة معها فك الارتباط مباشرة ودون قيود أو شروط والعودة الى قرارات مجلس الأمن والأعراف الدولية وتفعيلها الخاصة بهذا الشأن بدعوى انتهاك اتفاقية الوحدة وعدم الإلتزام بها, ترى اطرافا أخرى أكثر اعتدالا وحيادية (جناح الإعتدال) ممثلة بالرئيس السابق علي ناصر محمد و حيدر ابو بكر العطاس وبقية الرفاق والنشطاء في حلف القاهرة-بيروت التأني في طرح مسألة الإنفصال والإنتظار الى ما ستؤول إليه الأحداث, والشروع في البتر التدريجي والإنسلاخ عن دولة الوحدة عبر الفيدرالية في حال توصل الحوار مع الأخوة في الشمال الى نتائج مثمرة, وفي أسوأ الأحوال ومع تعثر الحوار سيبقى سيف فك الإرتباط مسلطاً يهدد وجود الوحده وخيارا استراتيجيا مفتوحاً.

اكتسبت الساحة الجنوبية في الخارج العديد من النشاطات والتحركات الدؤوبة بين بيروت والقاهرة ولندن, ومثّلت المدن الثلاث محاور مركزية للإلتقاء والإتفاق والتخطيط لوضع صيغة نهائية ورؤية موحدة للقضية الجنوبية, وكانت ترفد معارضة الداخل ومكونات الحراك بالمال الوفير والدعم اللوجستي دون تردد, وان كانت نتائج الإجتماعات الإستثائية -التي قد تكون معلنة اوغير معلنة- غالبا ما تكون مخيبة للأمال و تنعكس بشكل او بآخر على معارضة الداخل وترسم نهج الحراك السلمي, مما يؤدي انقسام قيادات الخارج الى انكماش الحراك الجنوبي في الداخل على نفسه وتقاسمه ايضا وتشظيه وانشطاره الى مكونات وأطياف مختلفة, كلُ يدّعي التمثيل الشرعي والوصاية على الحراك السلمي والناطق الرسمي له.

فحين ترى أطرافا في الحرك الجنوبي لا بدّ أن يكون سلميا ومتزامنا مع سلمية الثورة الشعبية خيارا لا يمكن الحياد والتنازل عنه , ظهرت للسطح أصوات نشاز أخرى خارجة من عباءته وأطره تنادي الى الحراك المسلح والقوة, وضرب خاصرة النظام في صنعاء وسحب بساط السلطة من تحت قدميه حتى قبل سقوط النظام رسميا في صنعاء , ولكن بلورة وتشكيل الإتفاقيات تمخض عنها بطريقة عفوية ونادرة أن اكثر قيادات السلطة المركزية في صنعاء جنوبية, فوّتت الفرصة على هؤلاء جميعا, وتعقدت الأمور بشكل أكثر وأصبح مفهوم الدولة المستقلة وتحرير الجنوب في نظرهم مجرد حلم مستحيل و صعب المنال, تبادل الأدوار في رئاسة الجمهورية و رئاسة مجلس الوزراء ومفاصل الألوية الأمنية والعسكرية , ومدّها بقيادات جنوبية مؤهلة أعاد لخبطة الأوراق السياسية ونسف اللعبة التي كانت قاب قوسين او ادني من تحقيق الأمل و تحديد المصير.

وإن كانت نظرة وطنية مغلوطة وناقصة وتساهم في تقزيم الوطن والعودة به الى رحى الإختلافات والمحاصصة والتشرذم, ولكن النظرة الإجمالية تظهر ان النسيج اليمني المتكامل بالدفع بقيادات جنوبية الى مراكز السلطة والقرار بشكل تلقائي ساهمت في إسكات اكثر الأصوات المنادية بالإنفصال, وان كانت مستمرة بذريعة عدم سقوط النظام كليا , وعدم رفع المظالم وإرجاع الأراضي المنهوبة , وعدم الإيفاء بحل أزمة المتقاعدين والمسرّحين من الجيش , كما صاحبها الكثير من السخط والتذمر الشديد لطريقة تعامل النظام مع الحرب الدائرة ضد تنظيم القاعدة في المناطق الحاضنة للإرهاب, تركت البعض يزعم بان النظام يسحب خلافاته الى الساحة الجنوبية و يقوم بتصفية حساباته هناك ويقحم الجنوب في صراع لا ناقة له فيها ولا جمل, وعن ما قام به من تعرية اللجان الشعبية من عوامل القوة والتمكن ورفع الغطاء والدعم عنها في مواجهة القاعدة منفردة, بعد هروب ألوية الحرس الجمهوري من نقاط التماس وإخلاء مواقعها وآلياتها الحربية , إضافة الى إتهام النظام بممارسة سياسة سلخ بعض المحافظات الجنوبية وتجريدها من هويتها الجنوبية والثقافية, بل و السعي بشكل متعمد الى عسكرة المدن والتركيز على الجنوب في رسم السياسات المستقبلية للدولة عبر التقسيط المريح لهيكلة الجيش , كما تم قراءته من القرارات الأخيرة والتركيز فيها على توزيع وحدات وألوية الجيش في عمق المناطق الجنوبية والوسطى مع استثناء الشمال والغرب.

تحركات البيض الأخيرة ورغبته في العودة تحمل عدة مؤشرات هامة لا يمكن إغفالها او تجاهلها, وتدل دلالة واضحة إما عن قرب اتفاق وشيك بين جميع الأطراف على رؤية معينة ثابتة, وما إرساله المبعوث الخاص له السفير الحسني إلا عبارة عن جس نبض لدراسة ردود الأفعال المواتية, لما مثله الحليف من عنوان تمرد وانشقاق عن صف النظام منذ وقت مبكر,وما سبقها في الفترة الأخيرة من عودة القيادي محمد علي احمد بصورة مفاجئة وغيره من القيادات الجنوبية, ولعل عودة الحسني هي من قطعت الشك باليقين خاصة بعد الإفراج عنه من معتقل الأمن السياسي, وان تمت ملابسات الإختطاف والإعتقال والإفراج ايضا في ظروف غامضة, ولكن المؤكد أنها تمت بصورة تأديبية على ما يبدو لصالح طرف ما بعينه, حملت نتائجها المرضية الكثير من الطمأنينة والإرتياح الى البيض الذي كان الشك يساور نفسه ويحبس أنفاسه والتردد في اتخاذ قرار جرئ وشجاع كهذا, لذا دفعته الى اتخاذ قرار حاسم وعاجل واعلانه قرب العودة بعد ترتيب أوضاعه في الداخل وتهيئة الأجواء لذلك إعلامياً وشعبياً.

التوقيت الفعلي لإعلان العودة يحمل الكثير من الدلالات العملية والإستنتاجية على ارض الواقع , فالحوار الوطني بدأ يدق الأبواب وربما في حالة عدم التوافق بين الأطراف السياسية ستساهم عودة البيض بانتقال الوطن الى خانة التوتر ومربع الأزمات, هذا ان لم تكن عودته مدروسة ومخطط لها وعبارة عن التفاف واضح على دعوة ضمنية وموافقة مبدئية بالإشتراك في الحوار القادم , ربما رنين الهاتف واتصال الإرياني وهو يخاطب مدير مكتب البيض ويدعوه للحوار- بعد رفض الأخيرالرد عليه- كإخلاء ذمة ما زالت تطن في أذن صاحبها ووجد لنفسه إليها طريق وان كان ملي بالأشواك والعقد, فوجوده قبل اي اتفاق معلن سيلعب فيه صاحب القرار الأخير وربما الضاغط لكسب أطرافا جنوبية أخرى الرهان وتحقيق ما تسعى اليه منذ فترة طويلة , وان كانت هناك فئات قيادية في الجنوب تدعو الى استبعاده كليا من اي حوار قادم بل وصل الأمر الى تخوينه واتهامه صراحة بتلقى أموالاً خارجية والمتاجرة بالقضية الجنوبية والعبث بأمن واستقرار الوطن.

عبر تشكيل شبكات وخلايا جاسوسية تسعى الى انفصال الجنوب وإقلاق السكينة العامة وافتعال الأزمات, وجوده على ارض الواقع وفي قلب الحدث قد يحمل الجميع وعبر الدعوات الى (حوار جنوبي-جنوبي) قبل التحاور مع الشمال ضمن الحوار الوطني الشامل , الذي قد يسعف الصف الجنوبي المنشق ويوحد قياداته على رؤى وتصورات معينة وموحدة قبل حملها الى صنعاء والتفاوض على أساسها, العنوان الأصغر للحوار الجنوبي -الجنوبي ضمن العنوان الأكبر الحوار الوطني , عنوان مرحلة قادمة قد يلعب فيها البيض دورا بطولياً وهاماً, و يساهم وجوده على الأرضية الجنوبية الى زرعها بالطريقة التي يشاء وقطف ثمارها والمشاركة في موسم الحصاد القادم, ولا يستبعد ان ينقل الى صنعاء حزمة شروط لحوار مشروط بحصانة كاملة وعفو عام, وفي حال التوافق سيجني ثمارا سياسية سيكون لاعبا رئيسيا فيها, في حال الخضوع لهذه الشروط تحت سقف الوحدة - وان كان مستبعدا القبول بهذا الأمر- ليكفر نظام صنعاء عن جرائم القتل والتعذيب والتشريد التي طالت الجنوب طيلة الأعوام الماضية , وبذا سيكون ندا قويا وبحصانه وحماية مطلقة مثله مثل خصمه اللدود حتى وان كان خارج حدود السلطة والقرار, وليس هنا بعدها لأحد الأفضلية والتميّز, انفراط العقد بعودة البيض ستنخرط تبعا له حبات العقد الى عودة قيادات تأريخية شهيرة مثل حيدر ابو بكر العطاس وعلي ناصرمحمد وبذا تعود الأسرة الجنوبية والرفاق للتلاقي مجددا في ربوع الوطن , هذا في حال تم الإتفاق اما في حالة عدم الإتفاق سواء في حال اقرار الحوار الوطني او في حال عدم تحققه, سيضيف وجود البيض المزيد من التأزم وتعقيد الأمور ..ويبقى السؤال الأهم في حالة الاتفاق فهل سيستفيد الجميع من دروس الماضي وترك الوطن يعيش بسلام ام اننا سنحصد المزيد من الكوارث التي لا تنتهي في مسلسل التآمر والانقسام ؟!

رأي الكاتب: القراءة الأضعف ان تكون عودة البيض مغامرة سياسية لم يتم قراءة أبعادها, الخلاصة عودة علي سالم البيض في هذا التوقيت بالذات ليست في صالح اي طرف مهما كان, مصداقاً للمثل الشعبي القائل.. وارحبي ياجنازة فوق الأموات !!


في الخميس 23 أغسطس-آب 2012 02:59:35 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=16984