هادي.. بين سندان المصالح ومطرقة الموت !
عبدالعزيزالحميدي
عبدالعزيزالحميدي

لم يكن وصول هادي إلى السلطة مجرد صدفة رماها القدر في طريق اليمنيين على غرة من الزمن بل كان وصوله إليها بفعل الثورة الشبابية الشعبية وتضحياتها العظيمة التي أرغمت صالح على الرحيل وتسليم السلطة له بموجب المبادرة الخليجية من جانب ورغبة العديد من الأطراف والقوى السياسية التي اتخذت من الثورة الشعبية وسيلة لإيصال هادي إلى سدة الحكم وغاية لتحقيق مصالحها وتنفيذ أطماعها وأهدافها القذرة الرامية إلى تدمير اليمن والعبث بأمنه واستقراره من جانب آخر.

المخلوع صالح وأبنائه.

من البديهي جدا أن يوافق صالح على تسليم السلطة لرجل يعرفه جيدا كهادي دون غيره وان يجد فيه الأيادي الأمينة التي ظل يبحث عنها قبل أن يغادر السلطة والحريصة أكثر من غيرها على مصالحه ومصالح أبنائه بغض النظر عن التغييرات الجزئية التي أجراها هادي تجاه البعض منهم والأقرب إلى التدوير الوظيفي منه إلى التغيير والتي لن تحد من نفوذ صالح وابنائه وتوغلهم داخل الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة المختلفة والعبث بأمن واستقرار الوطن ونهب ثرواته وممتلكاته وبغض النظر أيضا عن الخلافات الوهمية التي يروج لها البعض بين هادي وصالح من حين لآخر.

رعاة المبادرة الخليجية

ظلت مواقف المجتمع الإقليمي والدولي تجاه ثورة اليمن متسمة بالغموض والتخاذل والتردد في اتخاذ قرارات حاسمة وواضحة تفضي إلى مغادرة صالح السلطة والانتصار لثورة الشعب المطالبة برحيله ومرد تلك المواقف يعود إلى غياب البديل المناسب لصالح فى ظل انعدام الثقة بخصومه من جهة والخوف على مصالحها بعد رحيله من جهة أخرى إلى أن جاءت المبادرة الخليجية بإيعاز من صالح نفسه والتي نصت في أولى بنودها على تسليم السلطة لنائبه عبده ربه منصور هادي ولعل هذا بالتحديد ما دفع المجتمع الإقليمي والدولي وفي مقدمتهم أمريكا والسعودية إلى تبني هذه المبادرة والترويج لها باعتبارها المخرج الآمن لليمن والتشديد على الالتزام بها وتنفيذ بنودها التي اكتفى ألأصدقاء و الأشقاء فيما بعد بتحقق بندها الأول ووصول هادي الى السلطة فحسب على الرغم من التلويح باتخاذ عقوبات صارمة ضد معرقلي هذه المبادرة وانعقاد مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة وهو مالم يحدث حتى الآن.

ويبدوا أن المجتمع الإقليمي والدولي وجد ضالته في الرئيس هادي أيضا كما وجدها صالح اذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقبل الجارة الكبرى بوصول رجل قوي إلى سدة الحكم ومن رحم الثورة لا يستمد قراراته من المطبخ الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص بدليل الزيارات التي قام بها هادي إلى كل من قطر والسعودية وما أعقبها من قرارات رئاسية حتى الآن طالت بعض المقربين من صالح لم تغير في الأمر شيئا سوى أنها أبقت الوضع كما هو عليه وهذا ما تهدف اليه السعودية في الوقت الراهن وهو ابقاء الوضع تحت السيطرة كعادتها بهدف حرمان اليمنيين من قطف ثمار ثورتهم الشعبية والإبقاء على صالح كورقة ضغط خشية تمرد قوى وأطراف أخرى عليها ووصولها إلى السلطة.

وفي المقابل لن تجد الولايات المتحدة الأمريكية رجلا كهادي خلفا لصالح ومن صنع يديه جديرا بتولي قيادة البلاد في المرحلة الراهنة والتي تهيأت فيها الظروف لأمريكا لتحويل اليمن وأجوائها الى ساحة حرب مفتوحة ضد تنظيم القاعدة وتكثيف غاراتها الجوية وقتل اليمنيين من الأبرياء بشكل غير مسبوق لم تعهده اليمن حتى في عهد صالح لتصل إلى أكثر من غارة جوية في أسبوع واحد ناهيك عن وحدات المارينز التي أرسلتها الولايات المتحدة مؤخرا لحماية سفارتها في صنعاء بموافقة السلطات اليمنية وفقا لتصريحات السفير الأمريكي جيرالد فيرستاين دون أن يحرك أي طرف ساكنا ليبقى هادي في نظرها خير خلف لخير سلف!

أحزاب المشترك

على نفس نهج المجتمع الإقليمي والدولي القائم على حساب المصالح بدرجة رئيسية اتخذ المشترك نفس النهج في تحقيق مصالحه هو الآخر من وصول هادي إلى السلطة فالمشترك كان يعتقد سلفا قبل التوقيع على المبادرة الخليجية أن الإطاحة بصالح وإحلال هادي مكانه سيمهد له الطريق في تحقيق أهدافه من خلال تواجده في السلطة وتأثيره المباشر على هادي واعتبار ذلك ضمان لتنفيذ باقي بنود المبادرة الخليجية وإخراج صالح كلية من الحياة السياسية وكسب ثقة الشارع اليمني خلال المرحلة الانتقالية تمهيدا للانتخابات القادمة إلا أن ماحدث هو العكس تماما فوجود المشترك شريكا في السلطة إلى جانب حزب صالح افقده الكثير من شعبيته واثبت فشله في إدارة البلاد وتأمره على ثورة الشباب وكشف بوضوح عن نظرة قاصرة وقلة فهم وإدراك قياداته للواقع السياسي وقراءتهم الخاطئة له الأمر الذي دفع باسندوة إلى التباكي في إحدى مقالاته والتهديد بالعودة إلى المسار الثوري اذا ما وصل المسار السياسي إلى طريق مسدود حسب قوله.

هكذا إذا لعبت العديد من الأطراف واشتركت مصالحها في الدفع بهادي إلى سدة الحكم إلى جانب الثورة الشعبية التي استغلت كورقة ضغط من قبل هذه الإطراف لإيصال هادي إلى السلطة وتحقيق مصالحها الضيقة إلا ان هذه الأطراف لم تحسب حسابا للتضحية برجل كهادي يدرك فعلا انه قدم نفسه كفدائي لليمن في مرحلة حرجة وخطيرة من الصعب عليه إرضاء كافة القوى والحفاظ على مصالحها في وقت واحد في الوقت الذي تبدوا فيه فرص استمراره في السلطة وبقائه على قيد الحياة ضئيلة جدا ومحاطة بالكثير من الغموض والتعقيد في ظل الأوضاع الأمنية الهشة وصراع مراكز النفوذ واستعدادها للانقضاض عليه وتوفر الظروف التي تجعل من الخلاص منه أمرا واردا من قبل العديد من الأطراف أبرزها:

صالح وبقايا نظامه

ان وجود صالح داخل اليمن وبقاء سيطرة أبنائه على الأجهزة الأمنية يمثل ليس تهديدا لسلطة هادي فحسب بل تهديدا حقيقيا لأمن واستقرار اليمن بشكل عام اذ أن استمراره في ممارسة السياسة و ظهوره على وسائل الإعلام المملوكة له أدى إلى تعزيز الشعور لدى معظم اليمنيين بفشل الثورة اليمنية وعدم جدواها رغم كل التضحيات من جانب وفتح شهية العديد من الاطراف المتصارعة على السلطة قديما وحديثا للعودة من جديد الى مربع الصراع من جهة اخرى ناهيك عن انه أعاد الأمل لأنصاره وبلاطجته بعودته إلى الحكم وبأنه مازال الحاكم الفعلي لليمن ما قد يدفعهم ذلك إلى إثارة المزيد من الفوضى وأعمال التخريب ويدفع صالح وأبنائه في ظل استمرارتمادي وصمت المجتمع الإقليمي والدولي إلى الخلاص من هادي في حال تمرد عليهم وشعروا بعدم تحقيق أهدافهم بغرض إفشال التسوية السياسية وإدخال البلاد في معمعة الفوضى خاصة مع توفر القرائن والمببرات التي تجعل من إقدامهم على ذلك ليس مستحيلا والمتمثل بالهجوم الذي تعرض له صالح ومعه كبار مسئوليه في جامع دار الرئاسة مطلع العام الماضي من قبل جهة مجهولة لم يكشف عنها بعد وكذلك ماشهدته العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات في الآونة الأخيرة من تفجيرات إرهابية وما تعرضت له عدد من الوزراء والشخصيات الوطنية من محاولات اغتيال كان آخرها ماتعرض له وزير الدفاع بسيارة مفخخة أمام مجلس الوزراء.

تنظيم القاعدة

من المعروف ان هادي وفور وصوله الى السلطة اعلن حربا مفتوحة على تنظيم القاعدة وتعهد بتطهير البلاد منها وحققت قوات الجيش والأمن انتصارا على التنظيم وملاحقة عناصره في محافظتي أبين وشبوه وبمعية الطائرات الأمريكية طبعا لكن ذلك لا يجعل من هادي هدفا حقيقيا لعناصر تنظيم القاعدة التي لم يسبق لها تنفيذ عمليات تستهدف رأس الدولة بقدر ما يجعل من تواجد تنظيم القاعدة نفسه وما يحظى به من تهويل إعلامي في اليمن خصوصا عقب التفجيرات التي شهدتها العديد من المحافظات من بينها صنعاء غطاء للعديد من الأطراف للخلاص من هادي والصاق تنفيذ ذلك بتنظيم القاعدة والذي قد يكون جاهزا لإعلان مسئوليته عن ذلك.

الحراك الجنوبي

بوصول هادي الى السلطة اعتقد الكثيرون ان ذ لك سيكون كفيلا باخماد دعوات الانفصال وفك الارتباط باعتبار هادي من ابناء المحافظات الجنوبية وسيؤدي الى حل القضية الجنوبية الا ان ما حدث هو العكس فقد ادى ذلك الى شعور الجنوبيين بتمييع قضيتهم و الالتفاف عليها كون هادي كما هو معروف من أصحاب الزمرة ولا يحظى بقبول وثقة الشارع الجنوبي ما دفع العديد من قيادات الجنوب الى الاعلان والاسراع في العودة الى الداخل واعادة ترتيب صفوفها والاحتفال بتأسيس الجيش الجنوبي وظهور دعوات توحي بقرب تدشين الحراك المسلح بعد شعورهم بفشل الحراك السلمي ولا شك في ان اغتيال الرئيس هادي والخلاص منه سيخدم دعاة فك الارتباط الذين سيجدونها فرصة سانحة للحصول على دعم معنوي كبير لمطلبهم داخليا وخارجيا الى جانب الدعم الايراني لبعض فصائل الحراك سواء كان لدعاة فك الارتباط ومن خلفهم ايران علاقة بتنفيذ ذلك ام لم يكن .

الطابور السادس

نظرا لإضطراب البئية اليمنية المفعمة بالصراعات والحروب والانقسامات التي يزخر بها التاريخ اليمني منذ القدم تتعدد الطوابير في بلادنا من الأول حتى العاشر لكن اشد هذه الطوابير خطرا على اليمن واليمنيين في الوقت الحاضر هو الطابور السادس المحسوب على خمس قوى رئيسية يدفع الوطن والمواطن ثمن صراعاتها على الثروة والسلطة وهي المؤتمر , المشترك , الحوثي , الحراك , القاعدة المنبثق عنها مايسمى بالطابور السادس والذي يتخذ من انتمائه لهذه القوى وقربه منها وسيلة لتحويل البلاد إلى ساحة صراع مفتوحة بغرض التكسب الرخيص وتصفية الحسابات وإشباع شهوات المصالح الشخصية نتيجة لتوغله في السلطة والجيش والإعلام الذي يجعله قادرا على صناعة الأزمات وإشعال الفتن كلما اقترب اليمنيون من حل مشاكلهم واجتمعوا على طاولة الحوار وهو ما نخشاه اليوم على هادي وعلى اليمن وثورة شعبه من هذا الطابور خصوصا مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني .

ما يمكن قوله أخيرا أن أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي خيارين لا ثالث لهما الأول أن ينحاز هادي لثورة الشعب اليمني ويسعى جاهدا إلى تحقيق أهدافها وبناء الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها كل اليمنيين والتصدي بحزم لعتاولة الفساد وصناع الأزمات وأصحاب الأهواء والمصالح الضيقة والتأسيس لبناء يمن جديد يسوده الأمن والاستقرار وتتحقق فيه العدالة والمساواة وهذا الخيار لاشك سيضع الرئيس هادي في مواجهة مباشرة مع قوى الفساد والتدمير لكنه في المقابل قد يخلق اصطفافا شعبيا ووطنيا خلفه في تحقيق الإصلاحات إذا انتصر بالفعل على هذه القوى وكتب له البقاء في السلطة وسيخلد اسمه في ذاكرة التاريخ إذا لم يكتب له ذلك .

أما الخيار الثاني أن يسعى هادي إلى تحقيق مصالح بعض الأطراف والقوى السياسية ويحوز على رضاها مقابل التفريط بأمن وسيادة الوطن واستقراره وخيراته وثرواته كما فعل سلفه من قبله ليحظى بالتمجيد والتمديد في نفس الوقت من قبل هذه القوى ويلحق بمن سبقه إلى مزبلة التاريخ غير مأسوفا عليه.  alhomaidi9@hotmail.com

 


في الخميس 20 سبتمبر-أيلول 2012 05:43:50 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=17380