الوضع السوري : مساراته وخياراته
د.فيصل الحذيفي
د.فيصل الحذيفي

قبل عام سألني أحد المهتمين بالشأن السوري بشغف شديد عن مآلات الوضع في سوريا فأجبت عليه آنذاك بأن الوضع سيأخذ زمنا طويلا ولن يحسم على المدى القصير ( إ لا إذا ؟) ولم اخبره بتفاصيل هذا الاستثناء، ووجدت استغرابا كبيرا باد على وجهه ، وبعد عام واستقراء للوضع سأقدم تحليلا سياسيا عن الوضع السوري حول المسارات والخيارات المتاحة لطرفي الصراع ( سواء : فيما يخص النظام السوري . أو فيما يخص المعارضة )

أولا : فيما يخص النظام

الهدف الداخلي : إذا لم يجد النظام السوري رادعا يمنعه من الاستمرار في إراقة الدمار وإزهاق الأرواح فانه لن يتورع من المضي قدما في تدمير كل سوريا حتى ولو اقتضى الأمر إبادة الشعب عن بكرة أبيه، فهو مستعد بعد الانتهاء من الإبادة لكل معارضيه لاستيراد شعب جديد من إيران قوامه عشرة ملايين إيراني تخفيفا عن إيران من جهة واعترافا بالجميل لها بما تقدمه له من دعم لا محدود وإعادة بناء الدولة الاستثنائية.

المناورات الأقرب : على المستوى الإقليمي ولتخفيف الضغط الداخلي على نفسه سيمضي النظام السوري في تصدير الصراع خارج سوريا وسيفجرها في لبنان عند اللزوم ولديه استعداد أن يدخل لبنان في حرب أهليه إن لزم الأمر والدفع بحزب الله إلى الاقتضاض على السلطة في لبنان والدخول حاليا من بوابة أسلوب الاغتيالات المرتبة بعناية تنبئ عن هذا المسعى بلا ريب .

المناورات الأبعد : سيمضي النظام السوري بالدفع بحزب الله تحت عنوان المقاومة والممانعة إلى الدخول بمناوشات عسكرية مع إسرائيل لكي يجبر الدول الكبرى برفع الدعم عن خصومه وفرض السيطرة والاستقرار داخل سوريا وربما يطالب بتعويضات وإعادة البناء للشعب السوري الإيراني من جديد مقابل التخلي عن إدخال إسرائيل ضمن الصراع الاقليمي.

المناورات الانتقامية : بيد النظام السوري الورقة الكردية التي أفلتت من يديه يوم تخلى عن الزعيم الكردي عبد الله أوجلان الذي استقر مقامه حين من الزمن في سوريا ، وبإمكانه اليوم تقديم دعم لوجستي للأكراد في الشمال السوري والسماح لحزب العمال الكردستاني العدو اللدود للنظام السياسي التركي من فتح جبهة جديدة للصراع مع تركيا ولن يتورع من السماح بإعلان دولة قومية مستقلة للأكراد تجمع شتات الأكراد الموجودين في كل من سويا وتركيا والعراق وجزء صغير من إيران يكون مركزها شمال سوريا .

المراهنات الواقعية:

أولا : يتساءل البعض من باب المقارنة بين ما جرى لنظام القذافي ونظام صدام بسرعة التدخل والحشد الغربي والتعامل السلبي غير المبرر مع ما يجري من جرائم حرب وإبادة في سوريا ضد الشعب السوري : وللإجابة عن هذا التساؤل فان شخصيتا القذافي وصدام حسين كانتا تعبران عن عداء حقيقي للغرب لذلك كان الغرب يبحث عن الفرصة المواتية للانتقام منهما.

ثانيا : إن أيا من هذين النظامين ( العراقي والليبي ) لم يترك لنفسه صديقا ولا حليفا ولا سندا فدخلا معركتيهما عاريين من أي دعم ، فسهل الانقضاض عليهما ، بينما ما يجري في سوريا فان الصين وروسيا كعضوين دائمين في مجلس الأمن ظلا حليفين للنظام السوري يحميانه من صدور أي قرار بموجب الفصل السابع، لان سوريا تمثل لهما المعقل الأخير لمصالحهما في المنطقة حيث الاكتساح الغربي ومحاولة تجفيف منابع وجودهما من الخارطة. هذا مع وجود حلفاء آخرين غير معلنين للنظام السوري عبر العالم إلى جانب الدعم المطلق للنظام السوري من قبل إيران .

ثالثا: ومن ضمن مراهنات النظام السوري يقينه المطلق بعدم تحمس الدول الغربية من التدخل العسكري لصالح الشعب السوري خوفا من توسع الصراع الذي قد يصل مداه إلى الحليفة إسرائيل إما مباشرة أو عن طريق صواريخ حزب الله والطائرات بدون طيار ، هذا المسعى سيكون خيارا للنظام السوري يحول دون أي تدخل غربي، والامتناع عن استعمال هذا الخيار حاليا إنما هدفه الحفاظ على حيادية الدول الغربية تجاهه، يقابله رغبة جامحة من هذه الدول بترك سوريا(= الدولة والشعب والإنسان والاستراتيجيا) السقوط والانهيار الذاتي لتصبح إسرائيل في مأمن من أي مزعجات سياسية مستقبلا بعد إسقاط سوريا من حساب التهديد لإسرائيل أو مجرد التفكير بذلك.

ثانيا : فيما يخص المعارضة : الثورة والجيش الحر

سنجد أن خيارات المعارضة الثورية والجيش الحر محدودة للغاية فلم ينقص السوريون الشجاعة ولا التضحية ولا عنفوان التحدي للوصول إلى الحرية للشعب السوري ، ولكن بسبب محدودية الخيارات التي نجدها خارج حدود وإمكانيات الشعب السوري فان النصر المحقق ممكنا ضمن هذه الخيارات المحدودة:

الوسيلة الأنجع : لن يتم لجم أهواء النظام السوري إلا بتسليح المعارضة السورية بشكل جدي من دول المنطقة السنية مقابل ما تقدمه إيران من دعم للنظام السوري ودعمها بالمال والسلاح.

المطلوب عاجلا هو منظومة صواريخ ثابتة ومحمولة مضادة للطيران ( أرض جو) تأمينا لسلامة الأرض والإنسان من القصف الجوي ، وصواريخ أخرى (أرض أرض) مضادة للعتاد الثقيل والقوات الكثيفة . وبشبكة اتصالات مشفرة ودعم طبي ثابت ومتنقل ، ودعم السوريين النازحين من خلال تشكيل مناطق ومدن استقرار آمنة تمكن النازحين من حياة طبيعية مما يسهل للشعب السوري الانتقال اللاحق بعد سقوط النظام وزواله إلى نظام ديمقراطي ومجتمع مستقر وآمن.

الخذلان العربي الإسلامي : من المؤسف أن نجد لدى الطرف الآخر ( النظام الحاكم ) دعما لا محدودا من النظام الإيراني لحليفه السوري بينما لا نجد أي نوع من الدعم المكافئ من دول المنطقة السنية ( عربيا وإسلاميا) خصوصا من الدول التي لها علاقات عدائية شرسة مع إيران من دعم الثورة والجيش والحر .

ويستمر الخذلان على المستوى الشعبي حيث لا نجد نفس الزخم من الدعم السخي المالي والجهادي الذي نالته قضية أفغانستان أو البوسنة أو الشيشان من عامة الناس، ولا نلحظ أي ضغوطات شعبية عبر المظاهرات والمسيرات للضغط على الأنظمة من اجل الدعم الفعال للشعب السوري الذي يباد يوميا أمام أعين العرب والمسلمين وأبصارهم ، وكأن هذا الخذلان يعزز الرغبة الغربية في ترك سوريا تسقط إلى قاع سحيق يؤمن إسرائيل من أي تهديد مستقبلي أو مجرد الإزعاج من أي نظام قادم سيكون مثقلا بالمطالب الداخلية العميقة وعاجزا عن التطلع إلى ممارسة أي دور إقليمي لجراحاته الناكئة والمثخنة ، ولا يستبعد أن يكون هذا الخذلان انتقام سعودي أيضا لما لسوريا من دور رافض للهيمنة السعودية لاختطاف القرار العربي باعتبارها وكيلة لأمريكا أكثر من كونها قوة عربية فعليه .

النتيجة الأكثر برزوا : استمرار الصراع بما يشبه ما يجري في أفغانستان اليوم أو العراق بالأمس، وعدم الحسم بما لا يسمح للمنطقة العربية من النهوض ورفع فاتورة كلفة الانتقال الديمقراطي، إلا إذا توفر الدعم العميق للشعب السوري بما اشرنا إليه آنفا فذلك وحده سيعجل من إسقاط النظام السوري بطريقة سريعة ومهينة.

hodaifah@yahoo.com


في الإثنين 22 أكتوبر-تشرين الأول 2012 12:12:47 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=17782