ياوالدي هويتي الوطنية ليست رقم كسري و لا يقبل القسمة
زعفران علي المهناء
زعفران علي المهناء

مأرب برس ـ خاص

في يومٍ غادرتهُ الشمسُ إلى خلف السّحابِ الأسود ، هاجرتُ وأسرتي إلى خارج الوطن ..

نحملُ أحزان الغربةِ ونخفي في حقائبنا حفنةً من ترابِ الوطن كي نقبّلها بصمتٍ ونبللها بدموعٍ كلّما لفّنا الحنين ..

استقبلتني الغربة طفلةً تحملُ بسمتها النّقيّة كبرعمِ زهر أصافحها بودّ وأنقشُ الفرح على وجهها أعيشُ معها بوئامٍ كأيّ فتاة غريبة .. فأنا واحدةٌ من بين كل المهاجرين والمغتربين ترعرعت هنا ك في أرضهم فكان لي وطناً آخر غير ذلك الوطنٌ المولود في قلبي ذلك الوطن الشامخ الواسع الذي أحمله معي أينما رحلتُ وأرمقُ خارطته بزهوٍ وأنا أهتف :

-إنها من أجمل اللوحات التي علّقتها في غرفتي .

كم جمعتني بهم من ذكرياتٍ على مقاعدِ الدراسة وكم كانَ يثنين عليّ أستاذاتي ويلفّني إعجابٌ مغلف بالحسد بعيون زميلاتي يتحوّلُ إلى سيل أسئلةٍ لا تنتهي بعدَ الدروس أجيبُ عليها بكلّ حبِّ

أنتي يمنية ؟

ومن أين في اليمن ؟

وكيف اليمن ؟

حدثينا عن حضارتها؟

 وأبوح لهم بكل معلوماتي البسيطة على غرار ما أوصاني أبي وقال :

- يا طفلتي لا تبخلي فأنت السبئية الحميرية أصل كل العرب ... وكان دئبه

مساء كل خميس ونحن نطمح بلعبة لانحصل عليها إلا بعد أن نحفظ بيت

للبردوني أو للزبيري أو نقدم ملخص ما قرأناه من مجلة الإكليل التي كانت تأتي لوالدي بانتظام ونرمق من يأتي بها بعين الغضب فقد كان يفوز بمكافأة دسمة ترافقها وجبة عشاء فاخرة لحرص والدي على عدم طمس هويتنا الوطنية .

كل ذلك الحرص من والدي لم أدرك أهميته إلا في أيامنا هذه

المهم مضت بنا السنين بلطف غرباء نعيش دفء وطننا في شوارعِهم ومنازلهم وبين مدارسهم ساهم في ذلك غرس الوطنية بالمقابل لتلك البلد بين أبنائها كان والدي يعتز بلقب اليماني واستبدله بلقبه الحقيقي وافهمنا بأنه ليس عار انه صفه يتصف بها كل من يعيش هنا سواء كانوا مهاجرين مثلنا أو سكان البلد الأصلين فالكل أصله يعبق باليمنية وكم كان عقابه شديدا عندما كان يحس أننا نخجل أو نحاول عدم الافتخار بيمانيتنا

مازلت أذكر ذلك اليوم حين دخل والدي فرحا مستبشرا و ألقي التحيّة علينا جميعا وأختفي في غرفته

وكعادتي كنت المتجاوزة الوحيدة لتعليماته دائما تسللت لغرفته ووجدته يرتب بأوراقنا وهو يردد أغانية المعتادة لفنانه المرافق لغربته أيوب طارش ويقول لابد من صنعاء وأن طال السفر لحظتها توقف الزمن في عيني فأنا تجاوزت الخمسة عشر ربيعا ،فهذا المكان هو موطني وأنا من هنا كيف سينتزعني ويقتلع جذوري أنا وأخوتي ويعود بنا إلى حبيبته اليمن تحسس وجودي ولم يغضب مني كعادته من فرط فرحه تجاهل أن يسمعني كلمته المعتادة يا صغيرتي المتمردة وأومأ لي بأن أتقدم وعلي الأمان 

وتقدمت وعطش السؤال في عيني قبل لساني : ما خلف كل هذا الفرح يأبي ؟

أنها صنعاء يا بنيتي لقد أكملنا منزلنا وأمورنا بخير ولابد من العودة وتركني وانظم لأمي ليستعدوا معا للإعداد للسفر أخذتني خطواتي مسرعه لنافذة غرفتي وعيني حائرة لا ترى سوى ضباب العيون والتي تنبئ عن سيل من الدموع دموع متضاربة لمن هي في مثل عمري فرح للعودة للحبيبة التي زرع والدي حبها في دمنا وحزن على المكان الذي شهد أجمل سنوات عمري تأملت المئذنةٍ تأملت الشارع و سربِ الحمام الذي كان يحلّق عالياً ثمّ يعود محلق فوق سماء منزلنا وسألته أيها الحمام .. وهل أعود ؟ آه .. ما أقسى غربتي !

الآن أحسست بغربتك والدي أحسست بحنينك المتبع بأغاني البتول والآنسي والحارثي وغيرهم واستفقت عليه وهو يضع يده على كتفي فالتفت إليه مرتمية بين احظانه مجهشة بالبكاء

داعب شعري و همس في أذني :

- هويّتكِ هناك يا حبيبتي ، وعنوانك هناك ، ولن تدفني إلا هناك

حزمنا حقائبنا وودعنا الأصدقاء ورفقاء الغربة

وتأملت خطوات أمي التي تسابق والدي من الفرح بالعودة وخطواتي كانت ثقيلة يحفها خوفِ كاد يعصفُ بقلبي الصغير ..

حال عودتنا أخذنا أبي في رحلة طويلة زرنا فيها مناطق طالما قرأنا عنها في الكتب التي كان يحرص على اقتنائها سعدنا بفرح الأهل بنا وبالحفاوة التي أسديت لنا وبدأنا بالاستقرار والانخراط في مجتمعنا الجديد

وكانت مدرستي هي كل ماقبلت الانخراط به وعلى مضض

ثمّ أستأذنُ بلطفٍ وأمضي غريبة أنا في شوارعِ وطني هناك وفي دفء بيتي أعودُ مثقلة بصمتٍ ألقي التحيّة وأختفي في غرفتي أدفنُ وجهي في وسادتي وأمطرها دموعاً كلّما زارتني أشواقي لبيتي القديم لمئذنةٍ التي كانت تهز غرفتي خمس مرات يوميا لسربِ حمامٍ يحلّق عالياً ثمّ يعود .. وهل أعود ؟ آه .. ما أقسى غربتي !

دموعي ترجمت لأبي كلّ ما وددتُ قوله .. فنظر إليّ بعمقٍ وقال :

- ستأخذين وقتك لتكسبي هويتك اليمنية

لم أكن لحظتها أدرك بعد كلمته الثمينة تلك.. لم يشغلني سوى كمّ المشاعر التي داهمتني عند سؤاله لي مآبك أيتها المتمردة الصغيرة ..

مضت السنين وحلّقت بهويتي بعيداً جداً إلى حيثُ لم أتوقع !

لمست كل ماغرسه والدي الحبيب في دمي ووجداني وأحسست أنني عابدة حقيقيّة ، تحملُ كلّ معانٍ الحب والطهر والصفاء والنقاء ، و كان حارسي الذي يحميني من كل العيونٍ الجائعة ،التي تحاول أن تصطاد وطنيتي وهويتي هو غرس والدي الذي احتواني ..

كان غرسه دفئاً غامراً يأسرني وهو عنواني عنوان الهوية الوطنية الذي أرضعني إياه مع حليب أمي منذ ولدتُ وحتى هذه اللحظة

كم أبتسم وأنا اذكر حنقي وغضبي على كل تلك المجلات والكتب الذي كنا نمضي إجازة نهاية الأسبوع نتسامر عليها

وعندما يحس والدي إنني بدأت أألب عليه أخوتي بأن يكفي إلى هنا سنقرأ في الأسبوع القادم يقول معقبا هذا يابنتي الكنز الذي سيظهر عندما تنقبين علية في مستقبلك الذي تجهلينه الان

وحين تكتشفين هذا الكنز لا تفرطي به وأورثيه لأبنائك من بعدك

واليوم كنزي هذا والدي الحبيب البسيط لأجده مع الكثير

والدي الحبيب اليوم بداء غيرنا يطالب بأن نتعلم كيف نحافظ على هويتنا الوطنية

اليوم كنزك والدي الحبيب غريب يعيش غربة كالتي أنت عانيت منها

وتكشف لنا الغير الان يريد أن يشكك في هويتنا الوطنية

بل وتحاك المؤامرات لنفقد هذا الكنز 

فهل أترك كنزي هذا

 وأضعفُ أمام مؤامراتهم الحاقدة يا والدي ..

أمضيت ليالي ياوالدي عصيبة في التفكير ومن ثم التحليل لماذا كل هذا التأمر على الوطن

لماذا كل هذا الدمار لكل المعاني الجميلة التي نحملها من ولاء وحب وانتماء لوطني الحبيب

لماذا كل هذا التجهيل للمعاني الوطنية القيمة

متى تم زرع كل هؤلاء الخونة وأنت كنت تزرع فينا كل هذا الانتماء

بالمقابل متى تم زرع كل فاقدي الهوية والانتماء

وأنت كنت تزرع فينا كل هذا الانتماء

وكم من البسطاء أمثالك زرعوا وحافظو على هوية أبنائهم وبناتهم

لماذا انتم البسطاء لا تتقدمون الصفوف لتضربوا أروع الامثله في كيفية الانتماء ، الولاء ، الهوية الوطنية

لماذا أصبح لدي ماضي هناك هو أنت ياوالدي

وحاضر هنا وبكل ألم هم دعاة الهوية الوطنية 

أصبحنا في وطننا نختلف

نحن نؤمن بهويتنا ونؤمن بانتمائنا ونفتخر بتاريخنا

وهم يدّعون أن أولادنا لا يملكون هوية

حدثتني والدي في ليالي غربتنا عن من حافظو ا على يمننا وحرروها من براثن الطغاة والجهل 

وهم يحدثوني عن حق من لا يوجد في حياته يمن بكل ما تحمل من تاريخ

 أنا أريد الحياة

وهم يريدون الموت

إنا أحب المشموم والفل والكاذي

وهم يحبون مشهد الموت

ويعقدون اتفاق مع التابوت

وأنا أحب أن نمشي شعب واحد ويد تشبك بألف يد

أحب بلادنا تشمخ

والعدل يسود كل قسمه

أحب أجيالنا توعى،

و لا تكون مثل: عكازه بيد أعمى

و لا تستورد أفكارها من الغير 

وهم يريدون هد أساس الوطن

و يظنون الجهل نعمة

وبجهلنا يحكمونا

لااا لااا لااا

وأقول من هنا لهم ياوالدي وبسم ليالي غربتك الكئيبة

إني أملك هوية وطنية وأقول لهم :

هويتي الوطنية : ليست سوق مرتزقة يبيع ويشتري فيهاالاعداء 

هويتي الوطنية ليست للقهر و الاستعباد ولا جلاد يعيث فيها الفساد

هويتي الوطنية : عصفور يغرد باعذب الإلحان لجيل بعد جيل 

هويتي الوطنية : آه يا هويتي الوطنية .

هويتي ليست طائفية

ولامذهبية

ولا فرق

ولا قبائل

ولا عشائر

ولا مرتزقة

ولا جبابرة

ولا سفاكين دماء

هويتي الوطنية: ليست عورة مكشوفة للأعداء

 يغريني ... و بعد يومين يأذيني

فهويتي الوطنية :

تحوي الفكر

والحوار

والمحبة

والسلام

هويتي الوطنية بركان من وجدان

هويتي الوطنية: إحنا

هويتي الوطنية :نعمة

هويتي الوطنية: حب يغذينا مثل نسمة

هويتي الوطنية: ليست رقم كسري ولا يقبل القسمة

هويتي الوطنية: ليست جوع و لا تخمة

هويتي الوطنية: قمّـة

هويتي الوطنية: أمّ و مصانة العرض والكلمة

واللي يتعرض لأمنا نقف بوجه وقفة رجل واحد 

هويتي الوطنية: نخوة و كرامة، ليست رغيف العيش

هويتي الوطنية: وحدة عقيدة للشعب و الجيش

هويتي الوطنية: بأعلى صوت كل خاين للجحيم وبئس القرار

فكم اشتاق ياوالدي اليوم لتلك الليالي التي شربنا فيها حب الهوية الوطنية

وأتسامر أنا وأبنائي عليها مثل ما سامرتنا أنت عليها في ليالي غربتك وليبارك الله في عمرك ياوالدي 


في الخميس 24 مايو 2007 07:06:11 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=1824