|
كنت أتساءل متى سأرى أبناء مأرب يخرجون في مسيرات ووقفات احتجاجية من أجل قضيتهم، وعندما كنت أراهم يخرجون في مسيرات ووقفات احتجاجية تضماناً مع أخوةً لهم في المحافظات الأخرى، يتبادر إلي سؤال، هل طالب أبناء مأرب بحقوقهم المسلوبة واستعادوها! ولم يبق لديهم أي إشكال سوى التضامن مع قضايا المحافظات الأخرى؟! ولكن عندما أعود بالنظر إلى الواقع بعيداً عن الشارع، أرى الحقوق المنهوبة التي تحتاج إلى وقوف أبناء المحافظات الأخرى إلى جانب أبناء مأرب . وقد كنت أتعجّب من تصرّف أبناء مأرب بهذا الشكل منذ انطلاق الثورة وهم يعلنون تضامنهم مع كل من صنع له قضية، ولم أجد موجب لما يقومون به سوى أن يكون من باب الكرم الذي يتوارثه أبناء مأرب كابر عن كابر، مما جعلهم يؤجلون قضيتهم شهامة وكرماً منهم لإخوتهم في المحافظات الأخرى .
إذا كانت المحافظات الجنوبية قد تعرّضت للظلم و الاضطهاد، ومصادرة الحقوق من قبل نظام الوحدة وليس من قبل الوحدة، فمحافظة مأرب تعرّضت للظلم والاضطهاد ومصادرة الحقوق من قبل وبعد الوحدة .
إذا كانت ثروات الجنوب قد نُهبت وعبث بها العابثين دون أن يستفيد منها شعب الجنوب، فثروات مأرب قد نُهبت وعبث بها العابثين دون أن تعود بفائدة على أبناء مأرب، غير عائد التلوث الناجم عن انبعاث الغازات السامة الناتجة عن أعمال استخراج ونهب تلك الثروات، فتلوّثت البيئة وتصحرت الأرض بسبب الدخان المتصاعد عن المصافي والناجم عن تفجير الأنابيب، وتلوّثت سمعة أبناء مأرب بسبب أعمال النهب المتصاعد من قبل هوامير النفط وأعمال التخريب الناجمة عن عصابة المافيا عندما تختلف على أسهم النفط
إذا كان الجنوب يعاني من نقص بعض الخدمات، فمأرب يعاني من نقص حاد في كل
الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء، وإذا كان هناك في المحافظات
الجنوبية كهرباء على مدار الـ24 ساعة حتى في المديريات، فمديريات مأرب لا
تعرف شيئاً عن الكهرباء، ولا تزال خارج نطاق محطة مأرب الغازية التي
تغطّي أكثر من محافظة وأبعد، فماذا بعد هذا الحرمان؟ وماذا لو كانت محطة
مأرب الغازية في تعز أو حضرموت أو في صعدة ؟! لأصبح لهم أكبر قضية وأكبر
نصيب من الحوار ما يقارب الـ80
%.
إذا كان أبناء الجنوب قد تعرّضوا للإقصاء والتهميش الوظيفي من قبل نظام
الوحدة، فأبناء مأرب تعرّضوا للقتل من قبل صالح من خلال إنشاء الفتن
وتنمية ظاهرة الثأر لإبعادهم عن حقوقهم وشغلهم بمشاكلهم
.
إذا كان النظام السابق قد اكتفى بظلم الجنوب اقتصادياً وسياسياً، فإنه لم
يكتفي بذلك تجاه مأرب، بل أضاف إلى ذلك ظلمه إعلامياً من خلال الحملات
الإعلامية الشرسة تجاه مأرب وأبنائه، والتي قضت إلى تشويه سمعتهم، ونقلت
عنهم صورة سوداء مظلمة بعيدة عن الواقع الحقيقي المعايش لأبناء مأرب، مما
زرع الكراهية والبغضاء في صدور أبناء المحافظات الأخرى لأبناء مأرب،
وتوارثوا تلك الكراهية التي لا تزال في صدورهم، كما ورث بعض الإعلاميين
تلك اللهجة عن النظام السابق، ولا زالوا يمارسونها في إعلامهم ويكرّسونها
في عقول أبناء المحافظات الأخرى
إذا كان هناك اعتراف دولي ومحلّي بقضية الجنوب، وتعد أيضاً من أولويات القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني وبنسبة 50% ، فقضية مأرب لا تزال في الشارع على عاتق أبنائها، تبحث عن آذان صاغية، ونوايا صادقة، لتنزل بمنزلتها العالية التي تليق بها، كقضية من أولويات القضايا اليمنية الشائكة التي تهم كثيراً بناء اليمن الجديد .
ويكفي لشرعية قضية مأرب أن أكبر محطة توليد كهرباء في اليمن من مأرب وأوحد محطة تعمل بالغاز، تعتمد عليها العاصمة والعديد من المحافظات، فيما لا تزال جميع مديريات مأرب تتخبّط في ظلام دامس، تعاني الحرمان من حق تملكه بين يديها، هذا فما بالك بحق أبناء المحافظة المكفول من تعليم وصحة وماء وكهرباء، وحق المحافظة من العائد النفطي ، وحق البيئة مقابل التلوث
ولا ننسى بأن مأرب لم تكن منطقة نفطية فحسب، بل منطقة سياحية لما تحويه من آثار ومعالم أثرية، لكونها عاصمة دولة سبأ التاريخية، وبهذا تعد أشهر منطقة تاريخية وسياحية في اليمن بل وفي الجزيرة أجمع، ورغم كل هذا إلا أنها هُمًشت ولا تزال ما لم تحل قضيتها وتنال منزلتها التي تليق بها ،كل هذه وغيرها حقوق كبيرة تأبى النسيان، ولا يضيع حق وراءه مطالب .
في السبت 05 يناير-كانون الثاني 2013 10:32:29 م