|
يعتمد اليمن بشكل شبه كلي منذ أعوام على المساعدات الخارجية التي تقدمها الدول المانحة والمنظمات والمؤسسات الدولية حيث أصدرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي دليلاً خاصاً بالمنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في اليمن للعام 2009م, يحتوي على أسمائها وعناوينها في اليمن وكذا المجالات التي تنشط فيها بالإضافة إلى موطن كل منظمة وتاريخ نشأتها .
ووفقاً للدليل الذي نقله موقع الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية اليمنية فإن عدد المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في اليمن قد بلغ 48 منظمة, منها 4 منظمات عالمية و 5 سعودية و 6 أمريكية و 7 بريطانية, و 7 فرنسية,وأربع ألمانية, و 2 سويدية, و 2 كورية جنوبية, و 2 أسترالية, و 2 إيطالية, و 2 سودانية, وإماراتية وأردنية وإيرانية وسويسرية ودنمركية وأسبانية .
وتعمل المنظمات المذكورة في عدد من المجالات أهمها التنمية, الصحة, التعليم, الأمومة والطفولة, الرعاية الصحية الأولية, التعليم الفني والمهني, اللاجئين, الإغاثة والكوارث, المياه, التخفيف من الفقر, الأمني الغذائي, الزراعة, دعم المعاقين, المخيمات الطبية وخاصة في مجال العيون, مكافحة العمى, بناء المساجد وحفر الآبار, كفالة الأيتام والأسرة الفقيرة, تنمية وبناء القدرات للشباب والمرأة, والشركاء المحليين من منظمات المجتمع المدني.
وتتواجد هذه المنظمات في اليمن منذ 30 عاماً ابتداءً بالصديق الحميم للحكومة اليمنية وهو البنك الدولي الذي تعتمد عليه اليمن في تعويض العجز في ميزانيتها السنوية من خلال قروض وديون يقدمها البنك الدولي على أقساط طويلة المدى مع نظام الفوائد ، والتي مازالت اليمن تعاني وستعاني لعشرات السنوات من الديون المتراكمة عليها بمليارات الدولارات .
فمن خلال قراءتي لدليل " سياسة الشراكة الوطنية في الجمهورية اليمنية " والصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي بتاريخ 1 يوليو 2012م فقد ورد في الدليل أن مكون القروض والديون من المساعدات الرسمية لهذه المنظمات الدولية او الجهات المانحة يصل إلى 253.4 مليون دولار (في العام 2008) وإلى 234.2 مليون دولار (في العام 2009) وإلى 220.6 دولار (في العام 2010) . وكل هذه الديون والزيادات السنوية في القروض والديون التي تقدمها المنظمات المانحة والدول الشقيقة سيكون لها أثارها على مخصصات الموازنة الوطنية في قادم الأيام مما سينتج من زيادة في حجم الدين الوطني وتكاليف خدمة الديون ، وهذا ما يحصل حالياً في الموازنة السنوية للدولة من عجز نتيجة اعتماد الدولة على تمويل موازنتها السنوية من خلال هذه الديون والقروض .
ومن خلال النمو المتزايد للمنظمات الغير حكومية اليمنية في الفترة الأخيرة والتي بلغت أكثر من 5000 منظمة محلية مصرح لها حسب تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للعام 2012م ، فلو نظرنا للكم الهائل من المنظمات الدولية والمحلية والتي تعتبر شريك أساسي في التنمية لوجدنا أن التنمية في جهة وهذه المنظمات في جهة أخرى ولا علاقة بينهم وبين التنمية سوى الآلاف الدولارات والمعونات والمنح التمويلية والتي تصرف على دورات تدريبية وورش عمل لعشرات الأشخاص في أرقى الفنادق .!!
وعلى الرغم من ذلك مازالت المنظمات الدولية والمحلية في تزايد مستمر ، حيث دخلت عدة منظمات ومؤسسات إقليمية دولية مؤخرا إلى اليمن ، أهمها المكتب الخاص بدول مجلس التعاون الخليجي والذي جرى افتتاحه في صنعاء ، من اجل دعم اليمن في الجوانب السياسية والاقتصادية ، ولضبط تدفق المساعدات الخليجية لليمن ، وكذلك الاستثمارات المختلفة.
ويعيش اليمن أوضاعا اقتصادية هشة ، حيث توصف الأوضاع الإنسانية في اليمن الذي يقدر عدد سكانه بـ 25 مليون نسمة بأنها سيئة للغاية ، فيما يعاني حوالي 70 بالمائة من الفقر حسب التقديرات الرسمية. مع توقف شبه كلي لكافة المشاريع الاقتصادية والإنتاجية في البلاد بسبب تدهور الجوانب الأمنية خصوصاً خلال وبعد ثورة الشباب في العامين الماضيين والتي كان لها أثر غير ايجابي على التنمية .
وفي الوقت الذي تشعر الحكومة اليمنية بالامتنان إزاء الدعم المقدم ممن تدعوهم بشركاء التنمية من الخارج سواءً على المستوى الثنائي أو على مستوى المنظمات الغير حكومية والتي تأمل في استمرار دعمهم لتمكين اليمن من تحقيق أهدافها في تعزيز بناء الدولة والتخفيف من الفقر ، فإني لا أرى من خلال هذا الدعم والتمويل سواء التدخل الاقتصادي والسياسي لهذه الدول في شئون اليمن ومرحلتها الانتقالية القادمة وهو ما يحصل حاليا من خلال مجلس الأمن والمبادرة الخليجية والتي أصبحنا من خلالهم بلد وشعب تحت الوصاية .
منذ عشرات السنوات وهذه المنظمات الدولية تعمل في اليمن ولم نجد للتنمية أي نور ، فبالرغم من المبالغ الهائلة التي تصرفها هذه المنظمات في برامجها التنموية أو في دعمها للجهات الحكومية أو المنظمات الغير حكومية إلا أن سياسة التمويل والدعم تشجع على الفساد وفشل هذه البرامج التنموية وأهدافها ، فمن خلال عملي في المجتمع المدني لاحظت أن كل البرامج التي تنفذها المنظمات الدولية والمحلية تركز على جانب الدورات التدريبية وورش العمل في ارقي الفنادق وتستهدف نفس الطبقة من المستهدفين ونفس الأشخاص أقابلهم في أكثر من نشاط ، ليس هذا فقط بل لو نظرنا من الجانب المالي لتكلفة هذا النشاط لوجدنا أن الآلاف الدولارات صرفت على الأكل والشرب والسكن .
انتقد سياسة التمويل والمشاريع المعمول بها حالياً والتي لو إستمرينا عليها فسوف تضل التنمية بعيدة المنال ،
لو فقط أعدنا النظر في هذه السياسة واعدنا صياغة برامجنا وأنشطتنا بما يتناسب مع الاحتياج القائم في اليمن واهتمينا ببناء الإنسان وإكسابه المهارات والحِّرف التي تؤهله للحصول على عمل والقضاء على البطالة بدلاً من برامج التدريب والتأهيل حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها ، بالإضافة إلى دعم المبادرات الشبابية الصغيرة والتي وجدت أنها تقوم بتنفيذ أنشطة كبيرة الحجم بمبلغ رمزي بسيط ويكون أثر ومخرجات مشاريعها أجدى من المشاريع التي تنفذها المنظمات الدولية أو المحلية بالآلاف الدولارات ، حينها يمكننا أن نرى المخرجات التنموية لهذه المنظمات على أرض الواقع .
في الجمعة 22 فبراير-شباط 2013 03:44:24 م