يا أيُّها اليمن السَّعيد
عبد الرحمن العشماوي
عبد الرحمن العشماوي

منْ قِــــمَّةِ الأمجــــادِ منْ أمِّ القُرى

أقبلْتُ أحْمِلُ مِسْـــــكَها و العَنْـــبَرا

وَمِنَ الحــجازِ ، جِـــبالَها وسُهُولَهَا

أَجْرَيتُ نَحْـــوَكمُ الحِصانَ الأبْجَرَا

ومِنَ السَّــراةِ أتيتُ أختَصِرُ المَدَى

وأزُفُّ روْضاً منْ شعوري مُزْهِرا

اَسْتَــصحِبُ الزَّيتونَ و اللَّوزَ الَّذي

مَلَأَ السُّفـوحَ وطَلْحها و العَـــرْعَرا

وأُرافِـقُ التَّـــاريخَ شيْـــخاً لمْ يزَلْ

مِنْ كُلِّ شــــيخٍ في الأصـالَةِ أكْبرا

يرْوي لنا الأخْـبارَ عنْ أمجــــادِنا

فأرى انبـــثاقَ الفـــجْر فيما أخبرا

أنا أيُّها التَّــــــاريخُ تركُضُ في دمي

عَشْـــــــمٌ وبالإسلامِ عانقــــتُ الذُّرا

وخُؤولتي في الأْزْدِ مَنْـــــبِتُ جِذْعِها

و الغُصْنُ منْها بالمـــروءَةِ أثْمــــــرا

حَسَّانُ خالي ، شاعِرُ الإســـــلامِ في

عصْرِ النُّـــــبوَّةِ ، كمْ شـــــدا وتأثَّرا

جبـــــريْلُ أيَّــــــــدَهُ وتلكَ مـــــــزيَّةٌ

منْ دونِها ، تبقى المَــــزايا أصغــرا

مِنْ مَنبـــــع الشِّعر الأصيل جرى لهُ

نهـــــــرٌ إليَّ بمــــائِهِ الصَّافي جَرَى

أنا ايُّــــها اليمَـــنُ السَّعيـــد وأحرُفي

غيمٌ منَ الأشــــواقِ فوقكَ أمْـــــطَرا

جِئـنا من الحرمينِ نَصْطَحِبُ المَدَى

حُـــبّاً ، ونتْـــلو فَجْـــرَنا و الكَـــوْثرا

جِئــــنَا أنا والشِّعــــر ، و اللُّغَةُ التي

فيها البـــــــيانُ مع البَــــلاغةِ أَزْهَرا

فالشِّعْـــرُ عندي غــــــيْمةٌ هتَّـــــانةٌ

يهْتـــــزُّ من فرحٍ بديمَتِـــــها الثَّرى

والشِّعْــرُ عنـــــدي ورْدةٌ فـــــوَّاحةٌ

حمَلَ النَّسيــــم عبيرَها وبـــهِ سَرى

و الشِّعــــرُ إيقـــاعٌ إذا سمــع الفَتَى

أوْزانَه ، أَبْدى السُّــــرورَ وكبَّــــرا

و الشِّعْرُ عنْــــــــدي دولةٌ نغـــــميَّةٌ

فيها البــــيانُ على الحــروفِ تأمَّرا

يا أيُّها اليمــنُ السَّعــــيدُ ، قصيدتي

قمــــرٌ على شُرُفاتِ مجْـــدِكَ أقْمَرا

منْ مَهْبطِ القرآنِ جِئتُـــكَ ، في يديْ

غُصنٌ ، أَرَاهُ منَ النَّـضـارةِ أنْضـرا

غُصـنُ اللِّقـــاء على شريعــتنا الَّتي

تدعــو لمعروفٍ وتُنْـــكِر مُنْـــــكرا

غُصـــنُ التَّآلُفِ و التَّـكاتُفِ لمْ يَزَلْ

بالرَّغــمِ منْ جَدْبِ التَّناحُرِ أخضرا

يا أَيُّها اليمنُ السَّعيـــــــدِ ، تحــــيَّةً

بشــــــذا أزاهرها الوجـــودُ تعطَّرا

خُـــــذها إليــــــكَ تحيَّــــــةً شعْريَّةً

منْ شاعرٍ عــــرَفَ المَقامَ فــــقـدَّرا

كَشَفتْ لهُ صنــــعاءُ وجهَ مليــــحةٍ

فرأى جــــمالاً في الصِّفاتِ ومنْظَرا

أنا ما رأيتُ السِّلَّ و الجَـــرَبَ الذي

نَطـــــقَ البَرَدُّونيُّ عــــنهُ وصــوَّرا

أنا ما رأيتُ ســـوى جَـــــمالٍ بارزٍ

حـــيناً ، وحيـــــناً خافياً مُتَــــــسَتِّرا

لا تعجــــــــبوا من شاعرينِ تناقَضا

فلكُـــــــلِّ نفْـــــسِ موقـفٌ مِمَّا تَرَى

هـذا يَـرى فجْـراً ، وذاكَ يرى دُجىً

وكِلاهُــــما لا يَجْــــهَلانِ المَخْــــبَرا

إنِّي أرى صنــــــعاءَ أرْفـــــعَ هامةً

وعلى مُواجَــــهةِ المَصاعِبِ أقْــدَرا

إنْ كُنتُ ما أبْصرتُ إلاَّ حُسنَـــــــها

وجْــهاً ، وشعراً كالحريرِ مُضَـــفَّرا

فــــلأنَّ عيني أبْصــــــرَتْ تاريخَها

مُتَــــباهِياً في سيـــــرِهِ مُتَــــــبَخْتِرا

ولأنَّني أبصَــــرْتُ وجهَ يَتـــــــيمَها

مُتهــــــلِّلاً مُتَـــــــفائِلاً مُسْتـــــبْشِرا

ورأيتُ فــــعْل الخيــــرِ فيها رافـعاً

علماً ، ووجـه البذْلِ فـــيها مُسْفِـــرا

ورأيتُ بـــــاباً للفضـــــيلةِ مُشْـرَعاً

يرعى اليتيمَ و يُنـــــقِذُ المُتــــــعثِّـرا

يا أيُّها اليمـــنُ السَّعـــــيدُ ، بأرْضهِ

وسمائِــهِ وبِكُــــــلِّ فجْــــرٍ أسْـــفـرا

بجِبــــــالِهِ و سُــــــهُولهِ و وِهــــادِهِ

وبِكُلِّ نبـــــعٍ في الشِّـــعابِ تحـــدَّرا

بِقِــــــلاعِهِ في حضرموتَ شَوامِخاً

بشـــــبامِهِ ، فـــــيها الخـــيالُ تحيَّرا

بذمــــــارِهِ وتَعِــــــــزِّهِ ويَريمِــــــهِ

عنها وعــنكَ لسانُ مجْــــــدِكَ عبَّرا

أدْعوكَ يا يمنَ الشُّمــــوخِ ليقـــــظةٍ

تحْميكَ مِمَّنْ يطْمِـــسونَ الأَسْـــطُرا

مِمَّنْ رموا في النَّـــــبعِ من أحقادِهم

ما دنَّس المـــــاءَ النَّــــقيَّ وعـــــكَّرا

مـــــا أنـــــــــتَ إلاَّ دُرَّةٌ منظـــــومةٌ

في عِقْدِ أُمَّتِـــــــنا فكُنْ مُسْتَــــشعِــرا

يمــــنٌ وشـــــامٌ و الجزيـــــرةُ كلُّها

وعِراقُـــــنا الشَّاكي أسىً وتَدَهْــــوُرا

و المغرِبُ الأقصى ومِصْرُ وما نأى

هِنْـــــداً وسِنْــــداً و المُحيطَ الأكــبرا

ومَــــدى خُرسانَ البعــــــيدَ وروسيا

و الصينَ حيـــثُ السُّورُ فيــها سُوِّرا

وحدودَ ذي القرنــينِ حينَ مشى على

هامِ الجِبـــال الشامِـــخاتِ وأصْـحَرا

واجْـــــــتازَ أبعَدَ ما يراه طُمُــــوحُه

لمَّا امتطى ظهر المُحــيط وأبْحَـــرا

وهُناكَ صرْحُ المجْدِ في أفريقـــــــيا

بثـــــيابِ منهـــــجنا القويمِ تدثَّــــرا

هي أُمَّةٌ عُــظْمى تكامِـــلَ عِقْــــدُها

بالدين دُرّاً كالنــــــجومِ وجَوهَـــــرا

لكنَّــــها في عصْــــرِنا مكســـــورةً

دمُـها بضعْـــفِ المُسلمـــين تخثَّـــرا

تشـــكو منَ البـــاغي وتطْلب أمْنَها

مِنْ مخْلَبَــيهِ ، وتَتْـــبَعُ المُسْــــتَكْبرا

أوَمَا ترى الإرْهَـاب يطْــعنُ ظهْرها

أوَما تُشــاهِـدُ قلْــــبَه المُتحــــــجِّرا ؟

أوَما تُشاهِــــدُ حاقِـــــــداً أَوْرى لـها

زَنْدَ الخِــلافِ المذْهبيِّ وسعَّــــــرا ؟

أوَمـا تُشاهِــــدُ أرْضــــها بكنــوزِها

تَزْهـو ، ويبقى النَّاسُ فيها الأفْقرا ؟

أوَما تُشاهِدُ غــــــزَّةَ الأبــــطالِ في

ضنَك الحِـــصار تُقاوِمُ المُسْتـعْمِرا ؟

يتَوافَــــــــدُ المُتعاطِــــفونَ لحــــالِها

منْ كلِّ أرضٍ يُعلِنــــونَ تَحَــــسُّرا ؟

و العالمُ العـــربيُّ يشـــرَبُ قهـــــوةً

منْ صنــــع أمريكا ومن أنجلــــــترا ؟

أوَما تُشاهِــــدُ قُــــدْسَها وخليــــــلَها

والمسجِدُ الأقْصى شكى واسْتَعـبَرا ؟

أَوَما تُشاهِـــدُ في السُّفــــوحِ رجالَها

يتَمَلْــــمَلُونَ تَرَاجُـــــعاً و تَقَهْـــقُرا ؟

يستنْهِضونَ على الفُتاتِ جُهــــودَهم

والقُـدْسُ يبْتــلِعُ الحصا و الخنْــــجَرا

يا قُــــدسُ إنْ باعوكَ فهيَ خــسارةٌ

أخْلِــــق ببائعِ مجْــــدِهِ أنْ يخْــــسرا

قُــــلْ ما تشــــاءُ عن الظلامِ فــــإنَّهُ

ينْزاحُ حينَ يرى الصَّباحَ المُسْـــفِرا

شــــتَّانَ بيـــنَ الليــــلِ أسودَ فاحِماً

و الليلِ مُبتــــسِمَ الكواكِبِ مُقْــــمِرا

انظرْ إلى جيـــــلِ المقـــاومةِ الذي

يأبى الخـــــضوعَ ولا يُـولِّي مُدْبِرا

ودَعِ الذينَ اسْتَـــــسْمنوا وَرَمَ العِدا

حـــتَّى رأينـــــاهم أذلَّ وأصْــــغرا

أرأيتَ غُصْــــناً ذابِـــلاً لمْ تَسْــــقِهِ

ماءً أيُمكِــــنُ أنْ يكونَ الأخضرا ؟!

يا ايُّها اليَمـــــــنُ السَّعيدُ ، أما ترى

من خَلْفِ بــابِ الغربِ ذئباً أغْبرا ؟

لكَ حكـــــــمةٌ يمنـــــيَّةٌ بجــــــلالِها

نطـق الرسولُ ، فكنْ بها مُسْتَـبْصِرا

أُمْـــدُدْ يَـدَ التَّــــاريخ فهي جــــديرةٌ

أنْ تجْعَلَ الحمَـــلَ الوديــعَ غَضَنْفرا

كأصابع الكفَّيــــــــــنِ أُمَّتُــــنا فــــلا

عـــاشَ الذي صَنَـــعَ الخلافَ ودَبَّرا


في السبت 06 إبريل-نيسان 2013 10:04:14 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=19855