|
هل ينصت المتحاورون لأصوات ضحايا صراعات الماضي ولأجيال المستقبل ؟
استقراءً لكوامن الضمير الجمعي، ولغة الأغلبية الصامتة المغيَّبة، أوجِه خطاباً لكل ذي عقل راجح من الساسة وقادة الرأي، والحوار الوطني يوشك على توسط مدته الزمنية المحددة، لأستثير همة الجميع للدفع بكل جهد مؤثر من أجل تسريع التوصل إلى حلول جذرية لمسببات الصراعات والنزاعات الدائمة ، التي تعصف بأبرياء الشعب طوال العصور، وذلك بتخليق آليات ابتكارية لمعالجة تلك الاختلالات المزمنة، ومن ثم استيعاب جميع الأفراد والجماعات في دولة المواطنة المتساوية.
فلا يتحقق التوافق الوطني لبناء الدولة المدنية الحديثة، بين جماعات الاستقواء العصبوي وغيرهم من المشاركين في الحوار الوطني الجاري ، ، إلا بالاتفاق على صيانة حقوق الجميع دون ابتزازٍ لأحد أو على حساب أحد، أو تجاهل حق أحد أو جماعة. فهذه الحقوق لا ترتبط فقط بالمشاركين في الحوار في قاعاته ومداولاته أو بالذين يعايشون هذا الحوار من الشعب، ، بل ، يجب على المتحاورين ومن سيقررون مصير اليمن وشعبه، أن يتذكروا ويدركوا حقوق أولئك الذين غيبتهم الأحداث في التاريخ السابق، أو أجيال الآتي من المستقبل. فعلى أجيال اليوم ، الانتصار للمظلومين والمسحوقين من الضحايا الذين طحنتهم الحروب من أجل الزعامات الطامعة في الحكم ، وعلى المتحاورين كذلك، ألّا يفَرطوا في حقوق الأجيال القادمة، حتى لا توَرَث تحمل نتائج الكوارث والمحن التي لم يصنعوها، كما حملتها أجيالنا عن موروث الأمس.
لذلك فعلى المتحاورين والقوى الأخرى ، أن يقرُّوا ابتداءاً بالحقوق الفردية، أساساً لبناء المجتمع الجديد، فلا تغيب هذه الحقوق، أو يتم تجاهلها لصالح جماعات الاستقواء التي تهيمن اليوم على المسرح السياسي. فينبغي حماية الحقوق الفردية حتى لا يكون الفرد المدني ضحية لتوغل الدولة بأجهزتها القمعية، أو توغل الجماعات المتطرفة بصورها القبلية والدينية والسياسية والمناطقية، من خلال إثبات الحقوق المواطنية للفرد ولأمنه وسلامته الشخصية، كشرط أساس، يترتب عليه بناء الدولة (المفوضة بإدارة المجتمع). فالفرد هو الأساس المحوري لقيام كل من الدولة والجماعة السياسية والاجتماعية والمذهبية، فما لم تقر هذه المؤسسات المجتمعية بهذه الحقوق وبحمايتها، فإن مخاوف الانقلاب على هذه الحقوق ستظل قائمة، بتحولها إلى سلطة إرهابية لقمع المواطن وقهره، تحت مبررات الأمزجة التشريعية للأغلبيات النيابية أو جراء الإرادات الطاغوتية.
وقبل أن يستفرد أصحاب عصبويات الاستقواء المناطقي والقبلي والمذهبي والسياسي، في صياغة مخرجات الحوار الوطني ويوظفون نتائجه وكل المتاحات السياسية لخدمة مصالحهم الأنانية تحت ضغوط القوة التراكمية التي حصدوها في فترات سابقة، فعلى جميع القوى المشاركة، القبول أولاً، بالعودة إلى الحالة والوضعية الافتراضية ، قبل فرص التمكين التي أوصلتهم إلى (التميز الاقتصادي والعسكري والسياسي)) واستثمار الأرصدة الامتلاكية عموما وتحالفاتها المحلية والإقليمية والدولية. حتى تتحقق بذلك، لجميع المتحاورين وغيرهم من الفئات الاجتماعية، فرص حقيقية لاكتساب المساواة والندية دون اعتبار لما يمتلكه الفرد والجماعة من قوة تسند مواقفه وقيمه .
ووجوب الحديث عن مبادئ حاكمة للعلاقة بين الفرد والجماعة وبين الوطن والدولة ، يستدعي تذكير جميع القوى المتصارعة على تقاسم الشعب والوطن والسيادة والثروة العامة، بأن المنطق الإنساني المعقلن، يطالب الجميع بمواجهة الأنا المتضخمة والأنا الاستفرادية، استحضار الضمير الإنساني والإسلامي الإحساني المُؤثِر المتسامح، وقدراً كبيراً من الشجاعة، للاعتراف بحجم التضحيات التي أُزهقت جراء الأطماع والأخطاء النخبوية الفادحة التي يصر فيها كل طرف على صواب رؤيته وصدق قيمه الحاكمة، وبأنه وحده صاحب الحقيقة المطلقة.
فكم أودت ديمومة الصراعات الدامية بأبناء شعبنا إلى القتل والحتف والتشريد عبر تاريخ اليمن الطويل، في حروب التبابعة والشيوخ والسلاطين والملوك والأئمة وقادة الأحزاب والإيدلوجيات السياسية والدينية،
وحتى نستغفر لبعض أسلافنا الذين غرقوا في دماء الأبرياء، علينا وبمختلف انتماءتنا ومن يمتلكون مقومات القوة والقدرة على الإصلاح في هذه المرحلة الفارقة، أن ينصفوا ملايين المظلومين من خلال المشاركة الحقيقية المؤثِرة التي تستوجب التنازلات، وعدم التشبث بالمطالب القصوى، والتوافق على بناء فعلي لدولة القانون والمساواة والعدل، لتتكفل بأمن أبناءهم وأحفادهم، ليعبرون باليمن إلى مستقبل الحياة الآمنة.
فليتخلى الجميع عن الطموح لمشاريع امتلاكية حصرية، حتى لا تتكرر معها تجارب الأنانيات المشيخية والسلاطينية والإمامية والجمهورية واليسارية والقومية والإسلامية والزعامية. فليأنسن الجميع نزوعاتهم الغابية ، ليُؤَمنوا مستقبل أبناءهم، ولينأوا بهم عن دوامات الموت.
فليقر الجميع بترسيخ قواعد تشاركية يقبل بها الجميع، تحقق للفرد حريته ولكل منطقة استقلاليتها ولكل مذهب سياسي أو ديني حقه في المشاركة بما لا يلغي غيره أو ينال من حقوقه في ظل دولة ناظمة لعلاقات الجميع. دولة محيدة، غير مسيسة أو متمذهِبة أو تسلطية، تكون الدولة عبارة عن أداة لتحقيق مصلحة الجميع دون أن يكون لأحد الحق في استغلالها لغاياته الفردية أو لأي أشكال أخرى عصبوية. وبدون الخوض في مبررات الدعوات السياسية بأحقية الحكم، المذهبية منها أو المناطقية ، أو الحزبية، ، فإن أحداً لا يمتلك أدنى مبررات الاصطفاء الأخلاقي أو الديني أو الإيدلوجي في حكم البلاد بالقوة.
فهل لنا أن نعود ونستحضر ضمائرنا ونستغفر لأوزارنا ونعتذر لآلاف آلاف القتلى الذين رحلوا وهم يعتقدون أنهم كانوا يقاتلون لنصرة الحق؟
وهل نقبل بمنتهى الشجاعة أن نقر بأننا لا نمتلك الحق في فرض اعتقاداتنا الواهمة بتقرير مصير البلاد والعباد والحق في إخضاعهم بالقوة؟
لهذا ندعو إلى صياغة جديدة ومتفردة لقيم وطنية وإنسانية ودينية جامعة، يجذرها الحوار الوطني وتؤكدها المشتركات العامة التي تشكل كيان أمتنا ولحمتنا الوطنية: (العروبة قبل أن تمزقها العصبيات، ، الإسلام قبل أن تمزقه أهواء أمراء وفقهاء السلطة، ، الوطن الذي حددت خارطته ونطاقه أنفاس الرحمن قبل أن تشكله أنفاس الساسة ورياح السموم.
إننا ضد أي شكل من أشكال الهيمنة والاستفراد والاستحواذ، وضد أنواع العصبويات التي حكمت الجنوب والشمال على السواء،وضد جميع نظم الحكم السابقة، لكننا لسنا الذين يتنكرون لوطنهم، وإن غُرِبنا في الوطن. إننا ضد نظام الحكم الامتلاكي لدولة الوحدة ومع إسقاط جميع أركانه ورموزه الحاكمة والمعارضة على السواء، لكننا ضد دعاوى ومحاولات تمزيق الوطن وتقطيعه بين أمراء الأطماع الانفصالية .
إننا لسنا ضد الحوثيين (أنصار الله) بأن يكتسبوا حقوقهم كاملة وأن يكونوا في كل مكان، إن هم قبلوا بغيرهم في صعدة وغيرها وأظهروا برنامجهم السياسي دون (باطنية).
إننا لسنا ضد الإسلام السياسي، إن هو رفض التعامل بقواعد الاستحواذ والوصاية. إننا حراك جنوبي، إذا لم يتطرف القرويون منهم في التنكر للوطن والهوية والثقافة العامة. إننا لسنا ضد أي أحد أو أي حزب، إذا قبل هؤلاء جميعاً بنبذ أشكال العصبية، إذا قبلوا بالدولة الاتحادية الديمقراطية المحايدة سياسياً ومذهبياً ومناطقياً. إننا لسنا ضد التصالح الاجتماعي والعدالة الانتقالية، إلا إذا كانت تلك العدالة والتصالح متحيزاً لصالح الأقوياء، ومجحفاً وظالماً مرتين للضحايا الأبرياء،. فلنحفظ حق الضحايا، بإرساء قواعد العدل في الدولة، ومقدمة ذلك تأسيس العدالة بتخلي جميع قيادات القوى السياسية المنخرطة في أشكال العنف التي مرت بها البلاد، عن العمل السياسي وأن يتفرغوا للمراجعة النقدية لتجاربهم المدمرة. فالسلام والأمن الاجتماعي للفرد والجماعة هو الأساس لأي اتفاق يحقق الوئام والأخوة. ولا تتعزز أي اتفاقات حقيقية وبصورة قطعية، دون تسليم جميع الميليشيات القبلية والحزبية والمذهبية أسلحتها للدولة .
هذه النتائج التي يتطلع إليها الشعب اليمني الذي طحنه الجوع والفقر وحروب المذاهب الدينية والسياسية والقبلية والغزوات والغارات الجبلية والصحراوية .
فدعوا الشعب ينعم بالسلام أيتها النخب المتعطشة لدماء الأبرياء، وارحلوا بأوزاركم إلى محيطات التوبة الصادقة،وسوف تعفو عنكم قوافل شهداء صراعاتكم الحاقدة في كل القرون، وستأسل الله لكم بالمغفرة ، إن أنتم معتزلون السياسة وأسلحتكم وكهوف المؤامرات ومنصات الخطابة المتنوعة وقنوات ضخ السموم والشركات الاحتكارية.
في الثلاثاء 25 يونيو-حزيران 2013 04:55:33 م