من مُذكرات صالح..أنا أو اليمن
عبدالخالق عطشان
عبدالخالق عطشان

حينما يجنحُ القادة إلى الراحة والدعة بعد حياةٍ حافلة ومليئةٍ بالأحداث نجد القليل منهم من يَستدعون الأحداث الماضية ويحشدونها في ساحة مذكراتهم يتناولون ابرز ما سطرته جوارحهم . والقليل منهم إن لم يكونوا كلهم من لا يذكر اخفاقاته وعيوبه  ، لكن ماذا لو كانت معظم تلك المذكرات عيوب وعورات يصعب للتاريخ سترها . في هذه الحالة حريٌ بصاحب المذكرات أن يضرب صفحا عن كتابة مذكراته حتى لايختم حياته بالكذب والزور والبهتان والتضليل والإثارة المقيتة للجدل والخلاف والنزاع بعد موته كما أثارها في حياته

تُنهي بعض الشخصيات الحافلة حياتها بالمآسي والألآم ليس عليها وإنما على غيرها إلى السكون بعد جلوسها على رصيف الموت تنتظر ساعة رحيلها لا تكتب ولا تُوعز لأحد أن يكتب عنها وأن يُجمل ماضيها بديكور الكذب ومساحيق الادعاء فقد آثرت هذه النوعية من الشخصيات أن ترحل بما لها وما عليها . 

ياترى حين يمسك الرئيس السابق (صالح) بالقلم وهو يهش به على ذكرياته وماضيه يستحضرها قبل غروبه إلى سجل مذكراته فما الذي سيكتبه عن نفسه [ إماما أو خليفة أو رئيسا أو زعيما ] كيف سيتحدث عن أول يوم دخل فيه القصر هل سيتحدث عن أقدار الله وصلاة الفجر ودعاء الوالدين وأنها السبب في اصطفائه لهذا المنصب أم عن مؤهلاته العلمية والقيادية وحسن السيرة والسلوك التي كان يتمتع بهما .. وما الذي سيكتبه عن مقتل الرئيس الحمدي هل سيسرد التفاصيل والغموض الذي اكتنف ذلك ويجيب عن أسئلة مختزلة في افئدة الشعب عبر مذكراته ام أن اللبس سيظل قائما لحين يرث الله الأرض ومن عليها وكيف سيروي انقلاب الناصريين عليه وماآل إليه حالهم وهل سيمتن عليهم في مذكراته بأنه جعل منهم شهداء يرافقون الأنبياء والصديقين.

أتوقع أن مذكرات صالح ستتوزع على فصول حسب السنوات سيذكر أهم المحطات الزمنية المؤثرة في حياته ومما لا شك فيه أنه سيفتح فصلا طويلا لعام 90 م يذكر فيه أن القائد اليمني الأوحد الذي وحد اليمن وبلغ مغرب الشمس ومطلعها وهو الذي عمل بقوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) رغم الصعاب التي تنأى بها جبال ردفان وعيبان ونقم لكن هل سيذكر من كان بجانبه في كل خطوات الوحدة ؟ هل سيذكر أول فترة انتقاليه تدخل فيها اليمن وكيف اصبحت ثروات البلاد يومها مغانما لشركاء الوحدة ؟ في عام 94 م وهو العام الذي رفع فيه صالح شعار (الوحدة أو الموت )هل سيستمر في دفاعه عن الوحدة وان تلك الحرب كانت مطلبا شعبيا لحماية اليمن أم سيحدث تراجعا في المذكرات وأنه لم يُرد الحرب لولا فتوى العلماء والذين هم ورثة الانبياء وما هو إلا سامعا مطيعا لمن هم اعلم منه وارفع مكانة عند الله سبحانه فلو خالفهم فبأي وجه سيلقى ربه....

في احد فصول المذكرات كأني بصالح سيتطرق إلى العام 1999م بصفته أول عام يؤكد فيه العشق الذي بدى واضحا من قبل الشعب له بل وحتى من ابرز خصومه(الاصلاح) وانه كان محبوبا من البحر الى البحر يدلل على ذلك بانتخابه رئيسا للجمهورية في حين لم يحصل منافسه الا على بضعة الاف و[من احبه الله احبه خلقه] .، فيما العام 2006م سيتوقع من صالح الاسهاب فيه حتى لكأني به سيقسم الإيمان الغلاظ أنه قد قنع من الرئاسة وادرك حينها أنها خزي وندامة ومغرم لا مغنم وتكليف لا تشريف فأعلن قبلها بأنه لن يترشح إلى الرئاسة لولا العجائز الركع والأطفال الرضع والبهائم الرتع التي احتشدت إليه وسألته بالله وتساءلت بين يديه لمن سيتركهم ؟ وايضا الملايين التي تدافعت على بابه وأرغمته على الترشيح فاضطر اضطرارا على القبول للترشيح وأخبرهم أن أي أخطاء تقع منه فإنها مرفوعة عنه لأنه مُكرها على أمر الرئاسة وما ترتب عليها من أخطاء و[مكرها (زعيمك) لا بطل] وستتطرق مذكراته إلى دحض التهمة التي أشيعت عنه أنه إذا فاز مرشح (المشترك) فإنه سيحرق الأخضر واليابس وما هذه التهمة إلا منطق المهزومين ، وابن شملان يحترمه ويجله كأبيه ويدرك أنه مهزوم منذ البداية فهو شيخ عجوز الأولى به أن يطلب حسن الختام...

في عامي 2009 , 2010 م ستكون الأعوام التي يبرز فيها صالح أُبُوته وشفقتهُ على اليمنيين وكيف أنه مد جسور الود بينه وبين معارضيه وناشدهم الله والرحم على التحاور لرأب الصدع وفي كل مرة معارضيه هم اللذين ينقلبوا على كل اتفاق وادرك حينها أن السبب هو الكرسي فذهب إلى نظرية (قلع العداد ) للعالم (البركاني) بل من نظرته العميقة وعدم استبداده بالرأي فقد أخذ المشورة من ابرز مخلصيه فكانت المشورة على تركه للسلطة فقد قدّم للوطن مالم يقدمه أحد وعليه أن يدعها للشباب والذين هم أكثر منه قوة وأكثر نشاطا وحيوية وتم رفع كشف له بأكثر الشباب حيوية وثقافة وعلما فاختار لهم شاب يمتلك كاريزما خاصة وطاقة قلّ أن تجد في أحد. فهو من صعدت إليه المناصب وجرت خلفه الترقيات إنه إبنه العقيد / أحمد...مستشهدا بقول الله تعالى ( وورث سليمان داوود) فاستحسن جلساؤه الرأي وقالوا [القول ما قال الرجل]وذلك لأدراكه ومن حوله إلى الآلام التي جاءت بها الديمقراطية والتي أفضت إلى الاقتتال بين المترشحين و بين أنصارهم أثناء الانتخابات وفي المراكز الانتخابية وما تُورثه الديمقراطية من البغضاء والشحناء بين أبناء الشعب و كذا الاتهامات للسلطة بالتزوير وللخسائر المالية الفادحة التي تُحدثها الديمقراطية ، لكن الشعب لتخلفه لم يقتنع لمبدأ التوريث والذي سيحقن دماء الشعب ويقلل من الخسائر المادية فكان من صالح إلا أن صرف النظر عن هذا المبدأ رغبة لا رهبة ودون أي [هبة شعبية] تُذكر....

بين دفتي مذكرات صالح فصلٌ للتأوه والأنين وربما للنحيب وقد يستغرب القارئ حين يجد في هذا الفصل من المذكرات وفي حاشيته (مناديل ورقية ) لتجفيف الدموع التي على الخدين مما جرى للزعيم في [ النهدين ) ربما سيستهل الحديث عن عام 2011م وما جرى فيه من وقائع وملا حم بينه ويبن شباب الثورة السلميه والذي وصفهم بخوارج العصر والفئة الضالة والبغاة الذين خرجوا عن الإمام العادل والذين خرجوا عن سلميتهم وبدأوا يواجهونه بالأسلحة المحرمة والتي منها ( الصدور العارية ، الأقواس ، الزرقيف ) وكيف أنه أفاض عليهم من الصبر ما لم يفضه والٍ على رعيته ولم يستخدم معهم سوى القناصات والتي يحملها ثلةٌ من أنصاره - آمنوا بزعيمهم فزادهم غوى - والذين يتهمهم أعداءه بأنهم بلا طجة وما هم إلا طيور من طيور الجنة كانوا يضربون الرأس والصدر رفقا ورحمة بالثوار وراحة لهم من متاعب الدنيا ومن المعاناة التي تسببها أي إعاقة لهم فكان الشعار الذي رفعه أنصاره عند موقعة الكرامة (إذا قتلتم فأحسنوا القتله) وحسب القارئ متعة حين وصوله إلى (حادثة النهدين ) فسيجد مكتوبا بأحرف تتنقل بين محابر الألم والمقتِ والحِلم بأن تلك جريمة لا يمكن أن يغفرها الغفار كيف لا ولم يقم بمثلها لا الصليبيين ولا التتار وسيسجلها التاريخ وصمة عار في جبين الخونة والجبناء وسيقارن (صالح)بين ما جرى له في المحراب وبين ما جرى للفاروق عمر والمجاهد أحمد ياسين إلا أن ما حدث له كان أفضع فقد كان حسب زعمه في شهر حرام في يوم حرام في أرض حرام وكان راكعا يدعوا لشعبه ومعارضيه بالهداية (اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون ) ومرددا وهو في الإنعاش ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) وسيبدي كاتب الذكريات حِلما لم يحلمه أحدا من قبله على من قام بالجريمة فرغم معرفة اسمه وطوله وعمره ووزنه ورغم القوة التي كان يمتلكها (صالح) إلا أنه وصّى بنيه بأن يصبروا وألا يتهور ( والعاقبة للمتقين)....

في فصل من فصول المذكرات وحين الحديث عن المبادرة الخليجية أرى بأن (صالح) سيكتب بحرقة تظهر في سبكه للجمل واختياره للمصطلحات الوطنية كونه حسب زعمه أنه الذي صاغ المبادرة وسوّقها لرعاتها حفاضا على الوطن واخراج الجميع من دوامة العنف وكيف أنه تراجع مرارا عن التوقيع عليها وليس ذلك منه مماطلة أومكرا أو لاشتراطات يشترطها كما يتهمه خصومه أو أنه طلب حصانة من أحد وإنما كان تحرزا وتأكدا منه ليدرك أن الطرف الآخر قد اقتنع بها وحتى لا يقال بعد اليوم أن أي ضرر كان سببها المبادرة وصاحبها فلذلك قد أقام الحجة و (لا تلومني ولوموا أنفسكم)..

المذكرات عن اختيار هادي رئيسا للجمهورية ستبدوا فيها الكلمات مُعتقة ومطعمة بالزهد وأضن (صالح) سيبدأ قوله بأن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وتلك الأيام نداولها بين الناس وان الملك يؤتيه الله من يشاء وينزعه عمن يشاء ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه ، ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها :: لكان رسول الله حيا باقيا . وأن الحكمة اليمانية تجلت في أبهى صورها حين سلم السلطة إلى أيدي (آمنة) راضيا مختارا لا إكراه ولا إجبار عليه فلم يهرب كــ زين العابدين ولم يقتل كــ معمر ولم يسجن كــ مبارك ولم يــ كابر كبشار وإنما سلم الراية وهو مرفوع الرأس في مراسيم وطنية بينما الموسيقى العسكرية تعزف معزوفة ( خرج التيسُ عليا :: بعدما نكد علينا) 

أحسبُ والله حسيب كل إنسان أن صالح سيتحدث عما بعد السلطة أنه خرج منها كما دخل لم يأخذ في جيبه ولا فلس بل لم يشترط حتى جنديا واحدا لحمايته حتى لواء الحماية الذي يرافقه في حله وترحاله فُرض عليه فرضا بل لقد آثر أن يعيش حياة عادية جدا يأكل القديد ويمشي في الأسواق ويتنقل بين المحافظات لا يخشى على نفسه إلا الله وأولياء دم شهداء الثورة الشبابية السلمية مرددا قول الله ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) مُذكرا أنه قد اعتزل السياسة وادرانها ولو كان يريد الملك والجاه ما ترك كل ذلك طواعية رغم أن الحرس والأمن والإعلام والأنصار والذين يتهمهم أعداؤه أنهم (بلاطجة)كانوا في صفه ، ولو كان يريد السلطة لظل حجر عثرة أمام هادي وحكومة باسندوة ، لكن الأيام تشهد بمعجزات حدثت بعد رحيله حيثُ أنه ما إن غادر السلطة حتى خرّتْ أبراج الكهرباء من تلقاء نفسها حزنا على رحيله وتفجرت عيون الأرض نفطا وغازا واشتعلت لهبا كمدا على فراقه أيضا وصار الريف والحظر مظلما كسيفا وردد الحجر والمدر والشجر والبشر ( إنا لفراقك يا عليُّ لمحزونون )

ذكريات الزعيم التي نحسبه سيعتكف لكتابتها كثيرة وحسبنا أن نختم بما سيحاول قوله عن من كان أخوه وحبيبه وصاحب سره وباب مدينة علمه (اللواء / علي محسن ) مما لاشك فيه سيذكر أنه رباه وأحسن إليه وعلمه وآتاه شطر الملك وكم أكل وشرب وسافر بل و ( ابترع ) معه لكن الدنيا غداره واتق شر من احسنت إليه ، وإن أنت أعطيت الكريم ملكته وإن أنت أعطيت (اللواء) تمردا ، ويا خسارة ضاع معروفي فيك ، كثيرة هي العبارات التي ستظهر في المذكرات حجم الألم في الزعيم من رفيق دربه (اللواء محسن ) وكيف انه استغله الإخوان وضحكوا عليه بل لقد استطاعت بنت ( كرمان ) بضعفها أن تضحك عليه وتغويه - كما أغوت حواء أبونا آدم – فحولته من وطني شريف إلى متمرد منشق وخارج عن ولي الأمر.


في الإثنين 07 أكتوبر-تشرين الأول 2013 04:00:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=22312