تركة السيد
د شوقي الميموني
د شوقي الميموني
الإرث، الميراث، الوراثة، التوريث كلمات عربية تدل على معنى واحد هو انتقال الشيء من الشخص المتوفى إلى ورثته الشرعيين. والميراث خصة الله تعالى بميزة عظيمة انه تولى تقسيمه بنفسة وأنزله مفصلا وموضحا في نصوص جاهزة للتنفيذ وما صعب فهمه فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين والعلماء من بعدهم. التركة: هي ما يتركه المتوفي من مال بكل صوره واشكاله وعقار وحيوانات وفي الماضي كان يدخل العبيد والجواري ضمن التركة. ما دمنا علمنا معنى الميراث ومعنى التركة والكل يعلم بالتأكيد !! السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سمع احد منكم ان الشعوب تورث بفتح الراء سواء في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس !! أجزم بان أحدا لم يسمع بذلك. لقد كرم الله الإنسان على جميع المخلوقات وميزه بالعقل والتفكير والاستقلالية في اتخاذ القرار حتى ان عبادته الله تعالى لم تفرض علية بالقوة بل بالقناعة والرضى وجعل له حق الاختيار قال تعالى (وهديناه النجدين ) مع تحمله المسؤولية الكاملة لاختياره. الإنسان هو خليفة الله في الأرض قال تعالى { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }يحكم فيها بالحق والعدل قال تعالى { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } ويستصلحا ويبنيها ويعمرها ويبتكر فيها قال تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} يستصلحها بما لا يتنافى أو يخالف الأسس والقوانين التي وضعها الله تعالى في الكون فجعل له الحرية الكاملة في إدارة شؤنه الحياتية مثل الزراعة والبناء والتشييد والصناعة والابتكار وغير ذلك من أمور الحياة لكنها حرية للبناء لا للهدم حرية للعزة لا للمذلة حرية للتفكير والإبداع لا للأفكار الهدامة وتخريب العقول ولهذا سخر الله تعالى كل ما في الكون وطوعه للإنسان وهذا يدل على عظمة هذا المخلوق ومكانته عند الله. نشاهد في بلدنا ونلمس ونعايش محاولة مستميته من قبل طائفة بعينها للهيمنة والتملك والتجبر واحتقار الأخرين واعتبارهم خلقوا عبيدا من أجلهم،. لمسنا في بلدنا في السنوات الماضية وهذه الأيام بالذات محاولة ترسيخ هذا المبدأ من قبل طائفة بعينها تمارس اقصى أساليب الضغط والقوة للرضوخ لنزواتها والانصياع لأوامرها ويساعدها في ذلك حلفاءها من الداخل والخارج. ألا ترى أخي القارئ ان هذا التصرف يتنافى مع القانون والسنن الإلهية التي أودعها الله في هذا الكون الفسيح لكن المشكلة تكمن في حب الجاه والسلطان . والجبروت والتعالي صفة من صفات الإنسان اذا خلى منه الأيمان وخلت القيم والمبادئ السامية، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب قال أنس عن أبي قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ( ألهاكم ) سورة التكاثر) البخاري لكن الغريب فعلا والمحير والمؤدي الى الدهشة ان تجد صنف من الناس يرضى أن يكون مجرد تركة أو إرث ! مثله مثل قطع الأثاث أو العقار أو الجماد بل اكثر من ذلك ان يسعى لذلك بنفسه واهله وماله. رضي ان يبيع حريته بلا ثمن ليصبح عبدا للسيد. رضي ان يكون تابع او صفر على الشمال زائد على الحياة يضر ولا يستفيد. رضي ان يعطل عقله وجوارحه ويعيش ليأكل ويشرب وينفذ ما يؤمره به السيد. هذا الصنف من البشر لديهم قصور في الفهم وعدم الإدراك من حكمة خلقهم ولم يعوا قول الله تعالى{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } ولم يدركوا انهم أحرار لهم القدرة على التفكير والإبداع ولهم الحق الكامل في العيش حياة كريمة بعيدا عن البئس والشقاء والتبعية والذلة والمهانة. أما الصنف الأخر من الناس فهم الاحرار فلا يرضون أن يكونوا تركة أو عبيد أو تبع إلا لله وحده لانهم فهموا سر وجودهم في الحياة فهموا قدرهم عند مليكهم جل وعلى فقد سخر لهم ما في البر والبحر بل ما في الكون كله فهموا ان لهم الحرية الكاملة في إدارة شؤن حياتهم وتنظيم أمور الحكم والسلطة بما لا يتنافى مع دينهم. فهموا ان لهم عقولا تعي وتفكر وتبدع وتبتكر وتعطي وتأخذ وتأمر وتنهي فهموا ان الناس سواسية كأسنان المشط ليس لاحد على احد فضل لا للونه ولا لجنسه ولا لشكله كونهم لم يكن لهم حق الاختيار في ذلك، والتفاضل بينهم فقط في التقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فهموا ان التباين في الرزق والمناصب والأعمال إنما قدره الله تعالى لكي يتحرك دولاب الحياة قال تعالى { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} فهموا ان الحياة هي وحدة متكاملة من التكاتف والتراحم والأخوة والبذل والعطاء. فهموا ان المذلة والمهانة والاستعباد تقتل المثل وتميت العزة والكرامة في نفوس الناس. وبهذا الفهم عاشوا أحرار وأسياد ولن يرضوا ابدا ان يكونوا مجرد تبع او تركة متلهم مثل الحمير والدواب او الجماد ومن رضي ان يكون كذلك فهذا شأنه.
في الخميس 10 أكتوبر-تشرين الأول 2013 02:48:22 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=22337