النصر المشؤم!!
دواس العقيلي
دواس العقيلي

مأرب برس - خاص


 

 

توقيت قيام الثورات العربية كان مقاربا لتوقيت إعلان وقيام دوله إسرائيل منتصف القرن الماضي وربما يكون ذلك التوقيت المتقاطع غير بريء بهدف تشكيل واقع جديد للمنطقة العربية وتحديث أنظمتها لتكون أكثر ملائمة وأفضل موائمه مع الواقع الجديد الذي يراد له من ترسيخ لقواعد الدولة العبرية المحتلة ، ويحفظ لها عوامل الأمن والبقاء والسهر على حمايتها ..

  

ولأن الغاية تبرر الوسيلة فلا ضير من أن تضحي الدول الاستعمارية الآخذة على عاتقها والعاصبة على ركبتها رباط الوعد المشئوم للعمل على إنجاح قيام الدولة العبرية.. لا ضير أن تضحي بالأنظمة الحليفة لها والمنتهي عمرها المرحلي ، بل وربما ساهمت في تحريض الثورات عليها .. على أمل إيجاد فراغات في أماكن صنع القرار والانشغال بترتيب أوضاعها بعد الثورات لصرف نظرها لحين تثبيت قواعد الدولة العبرية واستبعاد أي عراقيل قد تئدها في مهدها..

  

فإذا كانت حكومات دول ما بعد الثورات لم تعي السبب الحقيقي لتسهيل قيام ثوراتها فقد بدأت تعي ذلك شيئا فشيئا مع فهم مالها وما عليها في ظل الواقع الجديد.. فإذا كان الهدف المعلن والذي احتشدت له الجماهير هو التحرر والانعتاق من براثن الاستعمار سائرين تحت شعارات أدواتها الوطنية والحرية والاستقلال ..فان الهدف المبطن كان اكبر من ذلك ولم تعه الجماهير المتعاقبة إلا بعد أن رأت أن واقعها يسوء أكثر وعيشها يزداد شظفا وكرامتها يسمو امتهانها..

  

ولأن بعض زعامات ما بعد الثورات أرادت أن تستدرك ما غفلت عنه بحقيقة قيام الدولة العبرية في أوج انشغالها بالثورة وإعادة ترتيب البيت الداخلي .. فقد آلت أن تواجه الدولة المحتلة خصوصا وان دوله إسرائيل لعبت بسياستها مبكرا لتقليم أظافر الدول التي تشكل تهديدا اكبر على أمنها بالتحالف مع رعاه قيامها فبدأت المواجهات الحقيقة العربية مع الدولة العبرية بالعدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر مؤسس ما يسمى بالقومية العربية إحدى أدوات مرحله ما بعد الثورات بغرض الاصطدام بالفكر الديني..

  

نجحت الدولة الاستعمارية والتي قلنا سابقا أنها تخلت عن حلفائها المنتهية مرحلتهم وتشجيع قيام الثورات العربية.. نجحوا في تلقين كل ثورة الفكر والأيدلوجية الأنسب لها ولموقعها لضمان عدم الالتقاء العربي في التوافق والأفكار.. فهذا فكر قومي وذاك فكر بعثي وهنا فكر ديني فنشأت الصدمات المبكرة مع الواقع الجديد بين أنظمة ما بعد الثورات مما أسهم بصوره كبيره في ضعف شوكه العرب أمام عدوهم بالإضافة إلى اختراق الجيوش العربية من قبل العدو وصولا للضربة القاصمة في حرب حزيران 1967م التي كانت إفرازا طبيعيا لتخاذل الأنظمة العربية وغياب العقيدة القتالية لدى جيوشها المتهالكة عمدا..

  

نكسة حزيران 1967م ألقت بظلالها على الواقع العربي في كافة الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية،مما أصاب الجماهير العربية بالإحباط وخيبة الأمل..

  

تلك الجماهير التي زاد تكبيلها وقمعها تحت ظروف الواقع الجديد وصارت لا تملك حولا ولا صوتا..

  

حتى الانكسار الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973م لم يتفق العرب على حقيقة النجاح المصري فيه ، ففي الوقت الذي رأى الكثير أنها جولة ناجحة في الصراع العربي الإسرائيلي .. ذهب آخرون للتأكيد أن النجاح سيكون إذا ما واصل المصريون الزحف شرقا لتحرير باقي الأراضي العربية في ظل انكسار جيش المحتل واندحاره ، لكن القيادة المصرية رضخت للضغوط بإيقاف الزحف بعد تحريرها لسيناء.. بل إن هذه الحرب وما أفرزته جرى تجييره لصالح إسرائيل بفرض عملية السلام على الجانب المصري معها وتجريد الجيش المصري من مهندسي حرب التحرير والعبور بإحالتهم للتقاعد وإيجاد قيادات تتواءم مع المرحلة الجديدة..

  

وبغض النظر عن الخلاف بين وجهات النظر العربية حول مدى نجاح حرب أكتوبر 1973م تبقى الحقيقة بان العرب لم يستثمروا انكسار العدو ولو بشيء يسير، بل إن الصف العربي ازداد انشقاقا، ونشأ حينها استقلالية الدول العربية بشؤونها وتأخيرها للهم القومي المشترك الأمر الذي حدا بمصر لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل فقاطعت العرب مصر ونقل مقر الجامعة العربية لتونس وساد العلاقات العربية الركود...

  

ومع مرور السنين أدرك العرب أن أمرهم أصبح أشتاتا وأن اعتصامهم أمسى من مستحيلات الزمان بعد أن تُفُرِد بهم وصار لكل نظام أولوياته ومصالحة ، وكل مسؤول عن نفسه ولا بأس في بقاء الوحدة العربية وهما تقتات منه الجماهير وتنسج على منوالها الأحلام الأماني .. بعد أن أقنعوهم ساداتهم بوسائلهم وأدواتهم وإعلامهم بفزاعة اسمها إسرائيل، وحجم آلتها العسكرية التي تنؤ الجيوش العربية جمعاء عن مواجهتها حتى اُسِقطَ في يد الجماهير العربية أملها ورجائها..

  

في 14 آب أغسطس قبل عام أعلن الجيش الإسرائيلي وقف عملياته العسكرية على لبنان بعد بضع وثلاثون يوما من الفشل الذريع، والسقوط المدوي لفزاعتهم قبل السقوط الأكبر لآلتهم العسكرية المهولة وأمام من ؟!

  

ليس أمام جيش عرمرم!! وليس أمام آلة عسكرية جبارة العدة والعتاد!! وليس أمام جيوش تحزبت وتكالبت وتواثقت!! قد يكون السؤال محيرا والإجابة عنه أكثر حيرة لما وصل إليه العرب من يأس وقلة بأس..

  

وكالعادة اختلف العرب على ذلك النصر العربي قبل أن يبدأ، وأشاحوا بوجوههم عن استثماره بحجة انه سيكون وبالا على لبنان ومستقبلة!!..

    
في الأربعاء 15 أغسطس-آب 2007 04:00:24 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=2337