شيكاغو الصحراء في اليمن
خالد بن عمور

مدينة شبام بحضرموت اليمن التي ذاع صيتها في الآفاق وعرفت في عدد لا حصر له من كتب الكتاب من اختصاصيين ومؤرخين ورحالة ومستشرقين تلك المدينة الرابطة في وسط وادي حضرموت شامخة تصارع تقلبات الطبيعة و عبث العابثين الذين لا يقدرون قيمة هذه الإرث الذي شهد له العالم فنالت شرف العضوية في قائمة مدن التراث العالمي التابع لمنظمة اليونيسكو وأخيراً حصولها على جائزة الأغا خان في العمارة الدولية في العاصمة الماليزية كوالالمبور.

مدينة شبام :

جمعت بين كل فنون الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعمرانية.. مدينة تفوقت في فن العمارة وأظهرت لنا نمطاً معمارياً لا مثيل له في وادي حضرموت بل في اليمن كله .

عصارة الفن المعماري تجسد في تلك المنازل الدالة على عمق الفهم في خصائص العمارة اليمنية بصفة خاصة والإسلامية عموماً .

مباني شبام :

جاءت متوافقة معمارياً وبيئياً واجتماعياً وفقهياً أيضاً .. فعندما تتمعن في تخطيطها كمدينة إسلامية تجدها راعت الجوانب الشرعية في تصميمها وعندما تدخل بيوتها تجدها أيضاً قد حافظت على الجوانب العرفية والفقهية في التصميم الداخلي للبيت الشبامي بحيث لا يدرك ذلك إلا الاختصاصيين منهم في فن العمارة والبيئة العمرانية .

شبام حضرموت :

ليست كأي مدينة شبامية وجدت في أماكن متفرقة من اليمن، ليست كشبام كوكبان في محافظة المحويت وليست كشبام حراز ولا شبام غراس القريبة من صنعاء فالتسمية واحدة والموقع الجغرافي والبيئة مختلفة .. مواد متنوعة حجرية وطينية.. مدينة في بطن الوادي وأخرى على قمم الجبال .

ما قيل عن شبام :

شبام كتب عنها المؤرخون وعرفها الأوائل من الرحالة من المستشرقين وسطروا لهذه المدينة أعذب العبارات ووصفوها بعدة صفات فهذا الرحالة الهولندي ( فان دير مولين ) قال عنها إنها تشبه الكعكة عندما ير ش عليها السكر وذلك لبياض سطوحها ووصفها الألماني ( هانس هافرتين ) بأنها شيكاغو الصحراء لموقعها المتميز وسط الصحراء في تلك الفترة ووصفوها بأنها ناطحات السحاب لعلو مبانيها وهي تكاد تناطح السحاب.

أما الهمداني فقال إن شبام حضرموت مدينة الجميع أي أنها مقعد الجميع من عالم وتاجر وسياسي وضيف .. فيها بيت خاص كان قديماً يطلق عليه (بيت الغريب ) ومن يتوغل في أعماق مدينة شبام يجدها مدينة عريقة بعراقة القدم والسجل التاريخي الذي حفلت به منذ عصور قديمة لما قبل الإسلام وجاء ذكرها في النقوش اليمنية القديمة المعروفة بخط المسند بأنها مدينة وجدت منذ قرون سابقة للإسلام .

إقرأ عن شبام قبل أن تلج بوابتها :

إذا أردت أن تزور مدينة شبام عليك أن تقرأ عنها قبل أن تصل بوابتها الوحيدة والمصادر المطبوعة في ذلك كثيرة حتى تستوعب ما تزوره من معلم يتواجد فيها وعليك أن تسلك خطاً سياحياً يكون فقط معروفاً عند بعض المرشدين السياحيين الذين ارتبطوا بالمدينة .. لك أن تبدأ من أي زاوية وهنا يمكن أن تخرج بفكرة بسيطة لزيارة المدينة .

مدينة شبام لها بوابة واحدة فقط تقع على الخط الرئيسي من الجهة الجنوبية يقال أنها كانت قديماً تقفل ليلاً وتفتح صباحاً كغيرها من المدن الإسلامية هذه البوابة التي تتكون من جزئين بوابة كبيرة كانت تستخدم لدخول الجمال والقوافل التي كانت محملة بالبضائع من تمور وبخور ولبان وغيرها واليوم تستخدم لمرور السيارات وجزء آخر على جانب البوابة الكبيرة عبارة عن مدخل صغير كان يستخدم للجنائز ومرور النساء والبوابة تفضي إلى ساحة كبيرة تسمى ساحة القصر -علماً أن للمدينة ثلاث ساحات أخرى وهي ( ساحة القصر وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مقر السلاطين الكثيرين والقعيطيين الذين توالوا على الحكم في المدينة حتى عام 1967م ، أما الساحات الأخرى هي ساحة الجامع ، وساحة با ذيب ).

ويذكر أن عمر بن مهدي الوالي الأيوبي قد حفر خندقاً حول القصر الجنوبي مما يدل على وجود القصر أثناء حكم الأيوبيين في القرن الرابع الهجري ، وقد مرت عليه عدة تجديدات وإضافات فيما بعد .. وعندما تزور مدينة شبام يمكن لك أن تدخل القصرين لأنهما مفتوحان وهما مقر لمؤسسات حكومية حيث يمكن أن تتعرف على التصميم والتخطيط العام لنظام القصور في وادي حضرموت .

يتوسط مدينة شبام أشهر الجوامع التاريخية في وادي حضرموت وهو جامع هارون الرشيد نسبة إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد حيث بني هذا الجامع بأمر منه وقد مرت بهذا الجامع عدة إضافات وتوسعات كان من أهمها عمارة الوالي الزيادي .

 

الأمير الحسين بن سلامة خر أمراء دولة بني زياد في القرن الثالث الهجري ثم توالت عليه الإضافات المتلاحقة حتى ظهر بوضعه الحالي وكذا حافظ على نظام المسجد، حيث وجود المعنى (الغناء ) وكذلك الأروقة وكذلك الأثر المميز لهذا الجامع المنبر القديم الذي رمم أخيراً والذي يعود لفترة الحكم الرسولي وكذلك المأذنة المتميزة .. وعندما تدخل أزقة وساحات المدينة تتشوق لأن تزور البيت من الداخل حتى تتعرف أكثر على خصوصيات البيت الشبامي الذي تميز بعدة طوابقه التي قد تصل إلى (7، 8) بحيث لا بد أن تتعرف على وظيفة كل طابق في البيت الشبامي، لأن المعمار في شبام حاول أن يوفق بين الجانبين التجاري والسكني وأيضاً التوافق البيئي للمنزل.. وهنا تكمن خصوصية البيت الشبامي في التخطيط المعماري والمعالجات المناخية لكل مبنى وأيضاً تخصص الطوابق التي جمعت بين المخازن التجارية والمخازن المنزلية وغرف للضيوف من الرجال والنساء وغرف البيت للأسرة نفسها .

كل هذا يجعل الباحثين والمهتمين بالعمارة الطينية في شبام الوقوف حائرين في كيفية هذا التوزيع المتناسق والموحد في أغلبية المنازل في شبام والتي لا تزال تمثل رمز حضارة الطين المعمارية .

ترابط البيوت في شبام كان لها هدفها الاجتماعي والأمني فتم تحقيق ذلك الهدف من خلال إيجاد مداخل بين البيوت في شبام وكل ذلك جاء نتاج حاجة أوجدتها الظروف.

جامع الخوفة في شبام

يقع في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، هذا الجامع الذي ارتبط بالمذهب الأباضي الخارجي الذي جاء من سلطنة عمان وكان نقطة إنطلاق هذا المذهب مدينة شبام ومن مسجد الخوفة بالذات .

دخلت مدينة شبام ضمن التراث الإنساني العالمي إلى جانب مدينة ( صنعاء القديمة ) بالحملة الوطنية والدولية لصيانتها التي تنفذها منظمة اليونيسكو عام 1984م .

أقدم المنازل في شبام التي لا تزال قائمة ( بيت جرهوم ) وعمره أكثر من (750) سنة ، ( حصن شبام ) الذي بناه أبن مهدي عام 1221م .

واختيرت مدينة شبام عدة مرات لتكون مسرحاً طبيعياً حياً لعدد من الأفلام العالمية الكثيرة لما تمنحه هيئتها النادرة من جبال خصبة لزوارها تعيدهم من زمن ألف ليلة وليلة إلى عصر ( مانهاتن الصحراء ) كما يحلو لبعض الغربيين أن يسموها .

توجد بمدينة شبام مطاعم شعبية ومحلات لبيع المصنوعات والتحف كما يوجد بها مستشفى وبعض الأسواق الشعبية .
 

* المؤتمر نت


في السبت 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 10:39:15 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=2793