خط النار
سامي نعمان
سامي نعمان

تعيش حرية الصحافة في اليمن هذه الايام أسوأ مراحلها منذ أعوام، بل إن ما وصلت اليه خلال الشهر المنصرم تحديدا كفيل بالقضاء على الصورة الديمقراطية التي سوّقت بها السلطة نفسها كراعية لحرية الصحافة وملتزمة بتعزيزها امام المجتمع الدولي الذي يشترط وجود صحافة حرة حتى يضع بيضه في سلة الحكومة.

في الاونة الاخيرة تلقت ثلاث صحف يمنية تهديدات بسحب التراخيص مباشرة من السلطة التنفيذية، غير ان ما لم يكن متوقعا هو ان تلجأ وزارة الاعلام الى سحب ترخيص صحيفة الوسط في بادرة توحي بتوجه جديد لقمع حرية الصحافة مباشرة دون الحاجة لروتين القضاء المتعاطف في الغالب مع السلطة التنفيذية.

 

كرة الثلج التي بدأت بدحرجتها صحيفة الشورى عام 2004، واخذ حجمها يتعاظم مع كل اصدار فتي تجاوز طابوهات القداسة الرسمية التي فُرضت لسنوات كإرث لعهد الشمولية، لم يعد من السهل ايقاف هرولتها باتجاه افق اكثر رحابة، فملفات التوريث التي أعلنت بها الشورى نيابة عن الصحافة اليمنية عن وجودها في الساحة السياسية متجاوزة خطوط التماس التي رسمها صاحب القرار، والملفات والتناولات الجدية التي تبناها جيل جديد من الصحافيين المتمرد على طابوهات القداسة التي لم تكن الصحافة ولا الاحزاب تتجرأ على الخوض فيها، كل ذلك يشير الى رؤية جديدة للعمل الصحافي لا يمكن صده الا بثمن باهض.

 

لعل وزير الاعلام لا يتذكر، بحكم انه لم يكن مسؤولاً أو مهتما حينها، أن قرار حبس عبدالكريم الخيواني وتعليق صدور صحيفة الشورى عام 2004 كلف اليمن قرابة مئتي مليون دولار رغم ان الحبس وتعليق الصحيفة مر عبر بوابة القضاء، اياً كانت فصول المحاكمة، وما اعتراها من مهزلة قانونية، ولم تكن المبررات التي ساقتها نيابة الصحافة والمطبوعات كافية لإقناع اغبى صندوق دولي مانح بما يسمى اثارة النعرات ودعم التمرد، لأنها غير معنية بتفهم الخصوصية اليمنية وما يحاك ضدها من مؤامرات، لكنها تعتمد في ذلك على منظمات متخصصة معنية بتقييم ومراقبة حرية الصحافة ومدى التزام الحكومات بهذا الحق.

 

ما يثير التساؤل اليوم، كيف ستقرأ تلك المنظمات والصناديق والحكومات قرار وزارة اللوزي، التي تتحفظ على وجودها اصلاً، بسحب ترخيص صحيفة الوسط المستقلة التي يقول ملفها لدى الجهات المعنية في تلك المنظمات أنها كانت محل استهداف رسمي متواصل لم يُعلن يوما التصالح معها من قبل الجهات الرسمية، بل ما هو اقرب الى التفهم ان وزير الاعلام نفذ تهديدات سابقة اطلقها في 17 ديسمبر من عام 2006 في محاضرة امام طلبة كلية الاعلام بسحب ترخيص الصحيفة ذاتها، بحجة أن الصحيفة "تخرب ضد مصلحة اليمن، وتنشر مواضيع ضد الأمراء بالإسم، نحن نعرف هذه الصحيفة من تخدم! والشخص من يخدم! هل لصالح المليار الذي مُنح من السعودية لليمن؟!».

 

اضيف على تلك التهمة ما يتناسب مع ما يدور في الساحة من احتقانات، فهي متهمة بنشر موضوعات ضد الوحدة الوطنية والترويج للانفصال والاضرار بالمصلحة العليا للبلاد من خلال الاساءة للعلاقات "الحميمة"، اضافة الى "خبر جديد" يتمثل في عدم ترتيب الاوضاع القانونية وتفضلت صحيفة الثورة بتوضيحه بعدم وجود محاسب قانوني وميزانية ختامية وربما خطة خمسية وغياب استراتيجية واضحة للانسجام مع صحافة دول الخليج.

 

وأيا كانت التهم العمومية، فالوزارة غير مخولة البتة بسحب تراخيص الصحف، ويبدو ان الوزارة لم تستفد من تجربة الوزير العواضي مع صحيفة النداء، التي سُحب ترخيصها بعد صدور العدد البكر، وانتصر القضاء لنفسه بعد أن شاكى الصحفي سامي غالب وزارة الاعلام، وقضت المحكمة بإعادة اصدار الصحيفة بعد جلسات لم يحضرها محام عن الوزارة.

 

ما سيفهم اليوم هو أن السلطة التي تعيش ازمات حقيقية متأججة في شمال الشمال وفي الجنوب وأمام عجزها عن معالجة تلك الاحتقانات فإنها تلجأ الى الحلقة الاضعف، فتصفي حساباتها مع الصحافة، لتفتح جبهة اخرى هي في غنى عنها، بل هي احوج ما تكون اليوم الى صحافة حرة كورقة رابحة سهلة البلوغ تروّج بها ديمقراطية باتت منقوصة في كثير من مفرداتها.

 

سيضاف الى الانتهاك المقترف بحق صحيفة الوسط رصيد حافل بالانتهاكات ضد الصحافة المستقلة، آخرها توجيه وزارة الاعلام بايقاف طباعة صحيفة الصباح، والتهديد بايقاف الشارع والمصدر في تهم عمومية لا تختلف عن تهم الوسط، ومنع اصدار الصحف المحترمة والترخيص لصحف صفراء باتت تتكاثر كنبتة خبيثة، وبأسلوب رعوي متعجرف يوحي ان الدولة لم تعد تتذكر أن هناك سلطة قضائية يقال انها مستقلة انيط بها الفصل في تجاوزات الصحافة، رغم ما يؤخذ على تلك السلطة من تبعية تعتري الكثير من أحكامها، كما أن منع وسائل الاعلام من تغطية الاحتجاجات والتفجيرات التي شهدتها البلاد، وحُرمت من حق الحصول على المعلومة ذلك يضاف اليه تحوير محاكمة الصحفيين واتهامهم بالارهاب، في فبركة خبيثة لفنون القمع التي تُبتكر مع كل فشل ينتاب السياسات الرسمية، كما هو وضع الاستاذ عبدالكريم الخيواني وطاقم صحيفة الشارع الذين يحاكمون امام محكمة امن الدولة، اذ ليس مُلمعا لصورة النظام ان يلجأ الى العفو او ايجاد المخارج للاحكام الجائرة بعد صدورها، فهو بذلك يجني على نفسه مرتين حين يقضي على حرية الصحافة ويجهز على مقولة استقلال القضاء ايضاً، كل ذلك يسوق الدولة امام العالم بأنها دولة بوليسية ايا كانت مبرراتها..

 

أمَا وقد اصبحت الصحافة واقعة على خط النار، فيجب على الصحف ان تتخذ وقفة جادة بعيداً عن كل الحسابات الضيقة، لعل اقلها ان تعلن الصحف اليومية والاسبوعية المعارضة والمستقلة الاحتجاب –اجتجاجا- طوعا اليوم، لئلا تحجب غدا خارج القانون، فيما ينبغي على نقابة الصحفيين ان تفيق من جمالة المبنى الذي حصلت عليه، وأن تقود حملة جدية للمطالبة بإلغاء وزارة الاعلام نهائياً، باعتبارها الجهة التي اصبحت أكثر انتهاكا لحرية الصحافة، وأكثر تدخلا في شؤونها، وكونها من سمات دول العالم المتخلف، وأن تتحمل مسؤوليتها وتقدم قانون ظل للقانون او القانونين الحكوميين المقترحين للصحافة مستعينة بنقابة المحامين، ومنظمات المجتمع المدني، يما يحفظ على اليمن الهامش الذي دفع كثير من الصحافيين ثمنا باهضاً لتوسيعه، وتسعى السلطة ان تعيد رسمه لكن على حافة الهاوية..

 

  saminsw@gmail.com

   
في الثلاثاء 29 إبريل-نيسان 2008 06:23:33 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=3667