محاكمة النضال السلمي في اليمن
عادل امين
عادل امين

مأرب برس - خاص

حزمة من التهم الجاهزة والمعدة سلفاً والتي يتم استدعائها دائماً عند الطلب وجهت للفنان المبدع فهد القرني من حكومة المؤتمر ممثلة بمكتب الثقافة في محافظة تعز, تلك التهم كفيلة وحدها بأن تذهب بالرجل بعيداً خلف أسوار جوانتانامو, أو على الأقل ترمي به في أعماق دهاليز السجن المركزي بصنعاء أو تعز , لقد أهان الرئيس والبرلمان ومجلس الوزراء والهيئات القضائية والأمنية , ونعت الجميع بالفاسدين والسرق , ووصفهم بالعصابة التي استحلت عدن وقتلت الشعب, وليس هذا فحسب بل لقد عمل القرني على إثارة عصيان مسلح ضد السلطات, وحرض علناً على مقاومة الدولة,والأكثر من ذلك أنه دعا إلى القيام بثورة ضد النظام !!... وتحويجة ذلك كله إثارته للنعرات الطائفية والمناطقية وبثه روح الشقاق والتفرقة بين أفراد المجتمع. كل هذه التهم اُدين بها القرني من قبل الحزب الحاكم قبل أن تبدأ محاكمته, فالقرني ـ في نظر المؤتمرـ لم يكن يناضل سلمياً أو يمارس حقه الشرعي والقانوني في التعبير عن الرأي عبر المهرجانات الفنية التي أقامها بل كان يمهد لقيام ثورة ! الآن فقط عرفنا أن الثورات والانقلابات ضد أنظمة الحكم خرجت من مسرح الفن ! المسرحية والأنشودة وحتى النكتة غدت وسائل الإعداد والتحضير للثورات!! الفن بات قوة يهز الأنظمة والعروش, ويُفزع الحكام, ويهدد مستقبل الحكومات, ويُعد الأجيال للثورات, هذه خلاصة تجربة الحزب الحاكم في اليمن مع الفنان المناضل فهد القرني.

ولأن المؤتمر لايرى في النضال السلمي غير الثورة والانقلاب والتآمر على نظام الحكم فقد صار الجميع في عُرفه متهماً يجب محاكمته! الأحزاب السياسية, المنظمات الجماهيرية والإبداعية, النقابات المهنية, الكُتاب والصحافيين, الفنانين والمبدعين, وغيرهم كثيرين, حتى المواطن الذي أرهقته حياة الكد والنكد بحثاً عن لقمة العيش المغموسة بالماء المالح لم يسلم هو الآخر من أن يُوضع في خانة الأعداء ! كلهم باتوا شركاء في تهمة واحدة هي عداوتهم السلطة وتآمرهم عليها, المشكلة أن المؤتمر لم يعد يُفرق بين المعارضة بالكلمة والمعارضة بالبندقية,الكل في نظره سواء, بل ربما تعامل مع الثاني بطريقة أكثر أدباً واحتراماً,فيفتح باب الحوار والتفاوض معه, ويتنازل له, ويُبرم معه الصفقات, ويوٌسط لدية الأشقاء والأصدقاء,ويقدم التعويضات, ويعلق الأحكام, ويجمد الدستور, ويقبل بالقليل في مقابل أن يكف ذاك سلاحه ويعود إلى بيته معززاً مكرما,فيما هو يحشد الدولة بقضها وقضيضها وأنسها وجنها لمواجهة كلمة عابرة أجاز لها الدستور أن تمر وتنطلق , لكنه وبكل غرور وعنجهية يضع الدستور جانباً ويصنع لنفسه نصوصاً خاصة به علها تحميه من تلك الكلمة, أليس هذا غريباً؟!

وعلى هذا الأساس فقد تشابهت التهم الموجهة للقرني مع تلك التهم الموجهة لبعض الصحافيين وقادة الرأي والحراك السياسي السلمي وأحزاب المشترك وهي: المساس بالوحدة الوطنية, وإثارة العصيان لدى الناس ضد السلطات القائمة, والتحريض على ارتكاب الجرائم والعنف,وهذا مؤشر واضح على واحدية المطبخ الأمني الذي تُطبخ فيه تلك التُرهات ومن ثم تُصَدر بحسب الحاجة وعند الطلب.

* محاكمة النضال السلمي

محاكمة القرني باختصار هي محاكمة للنضال السلمي الذي عبرت عنه مهرجاناته وسلكته أحزاب اللقاء المشترك,وهي مقدمة بل وتهديد لتلك الأحزاب بأنها ستواجه المصير نفسه في حال استمرت بتبني ذات النهج,وعلى مايبدوا فإن السلطة عازمة على تضييق الخيارات أمام المشترك في محاولة لجرها إلى ساحة المصادمات كخيار أخير يفتح للسلطات شهيتها في أن ُتشهر سيف القوانين الجديدة سيئة السمعة فوق رقاب المشترك , علينا أن نعي جيداً أن معركة السلطة اليوم هي مع النضال السياسي السلمي الذي بات يؤرقها أكثر من كل ساحات وميادين العمل الأخرى بما في ذلك ساحة الحياة المعيشية للمواطن , السلطة تجهد نفسها وتضع كل ثقلها وإمكاناتها في مواجهه مباشرة مع حركة النضال السلمي لقمعها وكسرها وإخماد صوتها, وهي تظن أنها بذلك تحمي نفسها من سنة التغيير التي تجري على كل شئ , وهي مخطئة في ذلك كون قوانين الخالق عز وجل وسننه تسري على كل خلقه بلا استثناء, ولن يجدِ نفعاً تلغيم الحياة السياسة ومحاولة تفجيرها في وجه الخصوم, إذ أن الانفجار في حال وقوعه سيدمر الجميع, ومع الأسف الشديد فقد تركت حكومة المؤتمر ساحات العمل والبناء وميادين الارتقاء بأبناء الوطن تعليمياً وصحياً ومعيشياً واتجهت صوب العمل الأمني وملاحقة الناس ومصادرة حرياتهم وعسكرة مدنهم وتنغيص حياتهم لإسكات صوت الحق وإرهاب الكلمة الحرة الشريفة.

* برنامج المؤتمر.

لا مبادرات من قبل الحزب الحاكم لرأب الصدع الداخلي وحلحلة الأزمة وإيجاد نوع من الوفاق والشراكة السياسية التي تلتقي على قواسم مشتركة, وجهات النظر مازالت متباعدة , وفرص الالتقاء على كلمة سواء تبدوا بعيدة المنال في ظل أوضاع تزداد احتقاناً يجري تأزيمها بمزيد من قوانين الطوارئ التي تحاصر الديمقراطية وتسعى لتكبيلها.

قوانين المؤتمر سيئة السمعة اُعدت على عجل لمواجهة منشقين لامعارضين سياسيين يعترف بهم الدستور ويعتبرهم شركاء الحياة السياسية والديمقراطية, تلك القوانين التي أقرها الحاكم ولم تقر بعد من قبل الهيئات الدستورية, والتي على ضوئها يتم محاكمة القرني وبعض قادة الحراك السلمي, أعادت عجلة الديمقراطية إلى الوراء من خلال محاكمة التعددية السياسية والحزبية ونضالها السلمي الذي ضاق به النظام ذرعاً وصار غصة في حلقه, إنها مقدمة لعملية انقلابية ارتدادية على التجربة الديمقراطية التي مازلت تسير حبواً.

لابأس أن تأنوا وتضجوا وتُنفسوا عن مكنوناتكم وتعبروا عن سخطكم وغيظكم وحنقكم من الأوضاع المزرية, قولوا مابدى لكم, تحدثوا بمطلق الحرية والصراحة,لاتخافوا سجناً ولاقيوداً ولاقوانين طوارئ , إفعلوا كل ذلك ولكن بعيداً عن أعين الناس وساحاتهم ومنتدياتهم , لأنكم إن فعلتم ذلك فستكونون ساعتها محرضين ومتآمرين لامناضلين وطنيين, هذا مايرد المؤتمر قوله لمعارضيه, أما حين تنزلون الى الشارع وتخاطبون الناس فأنتم حينها تنغمسون في التخريب والنهب والسلب, وتناهضون برنامج الرئيس الانتخابي وتعطلون حركته,وأنتم بذلك تفتحون جبهة للاشتباك مع الحاكم, وتُفسدون قنوات الحوار معه وتنقلبون على كل الاتفاقات الموقعة,هذا ما تقوله صحيفة الثورة الرسمية الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام . خطاب رسمي مأزوم يصادر حقوق معارضيه ويعتبرهم عبئ على الحياة السياسية, وبوده لوا تتسع سجونه ومعتقلاته لهم جميعاً.

وفي الوقت الذي يحاصر فيه الحزب الحاكم أية فعليات جماهيرية وحزبية ويرفض السماح لها بالنزول الى الشارع دون موافقته فقد ذهب هوي يُنضم المهرجانات والاحتفالات الشعبية ويمارس عملية غسيل مخ مع الجماهير في محاولة منه لإقناعها بأن سبب بلائها وشقائها المعارضة التي عطلت برنامج الرئيس وحركة التنمية في البلد , لقد تعلم الحزب الحاكم كيف يقارع أحزاب المشترك وبنفس طريقتها. فهو يمتلك جماهيره الخاصة التي يقوم بإخراجها قسراً من المعسكرات والمدارس ومقار العمل الحكومية, وليس هذا فحسب بل صار يمتلك أيضاً مجموعات من فرق العمل ذات المهام الخاصة (يُطلق عليها في بعض الدول تسمية البلطجية),وهؤلاء عادة ما تكون مهمتهم إفشال فعاليات المعارضة وقمعها إذا لزم الأمر, وقد بدأت تلك الفرق في ممارسة مهامها الموكلة إليها في الضالع وفي ساحة الحرية بالعاصمة.

هذا هو باختصار برنامج الحزب الحاكم للنهوض بالبلاد والتعامل مع المعارضة السلمية فيها, يبدأ بتمييع الحوار, وقمع الحراك السياسي السلمي , وسن قوانين سيئة السمعة لإرهاب المجتمع , وتضليل الجماهير وخداعها,وفوق ذلك كله إستقواء بالجيش لإرهاب الخصوم.

* برنامج المشترك

لا خيار أمام المشترك في مواجهة كل هذا الاستكبار والغرور سوى استمرار النضال السلمي , لأن كل الخيارات الأخرى نتائجها كارثية بالنسبة للوطن, وإذا كان للمؤتمر برنامجه الخاص فللمشترك مشروعه الذي لايمكن أن يقبل التراجع عنه أو العودة به الى الوراء, ويعلم المؤتمر جيداً طبيعة المشروع الوطني للمشترك, ولذا يسعى جاهداً لعرقلته وتأخيره , ومن المتوقع أن يرفض مشروع الإنقاذ الوطني الذي يعمل المشترك حالياً على إعداده مثلما رفض من قبل مشروع الإصلاح السياسي الوطني الشامل الذي تقدم به المشترك أواخر العام 2005م, وفي هذه الحالة لن يكون من خيار أمام المشترك سوى تصعيد وتيرة النضال السلمي والالتحام بالجماهير وحشدها لانتزاع حقوقها المنهوبة.

• مدير تحرير صحيفة (العاصمة)

adelameen@maktoob.com


في الإثنين 05 مايو 2008 12:35:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=3696