نحو إصلاح .. إصلاح الإصلاح
خالد زوبل
خالد زوبل

اعلم وفقني الله وإياك أن من رفعوا شعار إصلاح الإصلاح من المحبين وغيرهم أصنافٌ أربعة :

أولهم : مؤمنٌ صادقٌ مُسّدَد ، فهذا يتكلّم بحرقة وألم، وتجد في كلماته بريق الإخلاص، ونور العمل، وصدق التضحية وعرق وغبار الميادين، وشوارع الساحات، وجدران الجلسات كلها شاهدة تدّل عليه، فهو من إذا قال فعل ، وإذا انتقد انتقد سياسة ومنهج وأسلوب لا أشخاص ومواقف. لذلك دائما ما ينقد نقدا بناءا ويبحث عن حلول جذرية، وإذا طُلب منه التنفيذ، بادر، بل إنه إيجابي مبادر لا ينتظر تكليفا ، بل يعتبر التصحيح والنصح والتوجيه: عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، فيبادر إليها دوما، وعمله تصحيحي على الدوام، ويظل يتدرج في منازل العبودية، بجهاده وتضحياته وعظيم إخلاصه إلى أعلى أعليين .. في محاقظة على الصف، وحسن أدب مع القيادة، وجميلِ نصح، ودقة تسديد وتوجيه. فهذا يجاهد على بصيرة . ويحمي المؤسسة، بل هو حارس المعبد، وأستاذ الفقه الدعوي.

وهذا تعرفه بسهولة، فهو يحضر عند الفزع والجد، ويغيب عند الطمع، ودائما ما يبحث عن العمل والجد والاجتهاد، مع مراعاة الأدب والاعتراف بالفضل لأهل الفضل. لا يسأل الناس أجرا من ذلك، بل هو عاملٌ أبدا، ناصح أبدا، حارس أبدا، ( لا يسأل الناس أجرا ) إنما هو عبدٌ لله يتقلب في عبوديته وخدمة دعوته.

فهذا احتضنوه .

وثانيهم : صادقٌ مخرّب : وهذا صادق في إخلاصه، ولا أحد يشك في ذلك، بل ربما كان أكثر حرقة من الأول، لكنه مخطئ في التسديد، فيأتي النصيحة من النوافذ، ويضرب في الأساسات بمعاول الهدم يحسبها بناءًا ، فإذا نصح كشف الأوراق، وأضر الصف، وانتقد القيادة نقدا لاذعا، في الملأ وبين الجمهور، على الواتس وعلى الفيس وعلى التويتر، وفي المقوات، وفي الأسواق، ثم يقسم : ( والله ما أردت إلا خيرا ) !!

 و ( كم من مريدٍ للخير لم يصبه )!

ولمثل هذا يُقال: إن تشريح القيادة والفت في كيان الأفراد، أقل أضراره أنه يسقط هيبة المؤسسة التي أنت وهو تسعون للف الناس تحت رايتها، فيقتل الشعبية بيده ولسانه ثم يطالب المؤسسة بتوسيع الشعبية !!

فليس من حقك (( أن تجادل رؤساءك أمام الناس فتطعن في قدراتهم وكفاءاتهم وسلطتهم المعنوية..وقد تُجرَّئ السفهاء عليهم فتسقط هيبة المؤسسات التي يمثلونها، فرئيسك، الذي هو أعلى منك مرتبة تنظيمية، له "صفة" معنوية تمثل جزءا من هيبة المؤسسة..)) والقدح فيه قدح في المؤسسة، وهذا من أبجديات النصح التي فقهها السلف الصالح والصحابة خصوصا ، بعد أن تجرعوا الدم ندما على سوء استخدامهم للنصح في حق القائد عثمان رضي الله عنه-على ضعفه وأخطاء حدثت في خلافته- إلا أنهم أغروا السفهاء بطريقة غير مباشرة ولم يأخذوا على أيديهم، فكثر اللغط، والانتقاد من الرعاع، حتى ما استطاعوا ردهم، فكان أن قُتل عثمان على المصحف! وكل هذا بسبب الخلط بين شخص عثمان ومقام الخلافة ( المؤسسة )، فعثمان شخص بشري يخطئ ويصيب ، والخلافة مقامها دين تحفظ للمسلمين حرماتهم، فالحقاظ عليها واجب بكل شيء، فأخطأؤوا في التفرقة فوقع ما وقع، وأعانوا الرعاع على تشريح القائد عثمان، فسقطت هيبة الخلافة، وما زلنا نتجرّع آلامها إلى اليوم!

وقد جسّد هذا الندم الخليفة بعده علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله : ( رُبّ قول يسيل منه دمُ ) ، وقال الآخر : ( لا أعين بعد اليوم على دم أحد بعد عثمان ).. والمقصود أن التشريح أمام الجمهور يغري السفهاء والمتربصين والرعاع بخنق القيادة والدعوة ككل ، فيكون هذا الصادق الأعوج والمخلص المسيء يسفك دم الدعوة بيديه. ويعين على إخوانه ودعوته بفكيه ... والله المستعان .

فهذا وجهوه واحقنوه بعلاجات تربوية سريعة في الصباح وفي المساء.

والثالث : نرجسي كلامولوجي :

وهذا تجده من أكثر الناس كلاما، وانتقادا، ومثالية، فلا يرى إلا بالمسطرة والمنقلة، ويملأ الدنيا ضجيجا ، ولا طحين ، وغالبا لا يعجبه عمل، ولا يروق له جهد وتضحية، بل كل ما لم يكن من تحت يده وبعد إذن مشورته فهو لغو وباطل ومن الكبائر السياسية والدعوية ! وكأنه حارس المعبد، وإمام الدعوة، وحاميها وحراميها .... فإذا حان وقت الجد، ودقت ساعة الصفر، ونزل الناس إلى الميدان، أغلق هاتفه، وقدّم الأعذار، وتوارى عن الأنظار ... وغالبا ما يكون هذا شخص مريض بـ ( حب الظهور ) و ( الزعامة ) فيحب أن يتصدر وأن يُلتفت إليه، في المجالس، والخطط، مع أنه ربما يشهد الله عليه من فوق سبع سماوات أنه لم يقدم شيئا لدعوته ودينه يستحق حتى إفشاءالسلام ..

وهذا من صنف المثبطين، الذين يرون كل عمل أعوج، وكل بضاعة رديئة، فيكثرون اللغو والجدل الماحق للعمل ، فيكثرون في المقاوت ومجالس عرقوب، ولهم مع كل حزب سهم، ومع كل قاعدة وقاعدة جلسة ومؤانسة..

وهؤلاء نقول لهم -كما يقول أبوجرّة سلطاني-: ابلعوا ألسنتكم، فلسنا بحاجة إلى نصائحكم..

- فليس من حق العاطل أن ينصح العامل، فهذا إختلال في المفاهيم.

- ومن لا ينتفع بتجاربه لا يليق به نقد تجارب الآخرين.

- ومن لا يحب تعريض صدره للرصاص يسعه بيته، ويدعو للمجاهدين بالنصر..فالدعاء للعاملين عبادة.

- ومن لم يحضّر نفسه للخروج لا يعطل الصف بلغو الكلام فأعذار : "بيوتنا عورة"، وتبريرات : "لا تنفروا في الحر" كشف الله أستار أصحابها.

وهذا اختبروه في الميادين، واستئصلوا الأورام المعشعشة، والأمراض، فإن يصلح فاقذفوه في اليم، وسيظهر بعد ذلك إن يصلح أو لا .

والرابع: حاقدٌ متحاملٌ :

وهذا وجد بغيته، وتهيئت له بيئة حاضنة للتشريح والطعن بلباس الدعوة، وأحاطت به شبهاته ووساوسه ، فركب الموجة، واستغل الفرصة، لإسقاط ما تبقى، وحضرته المصالح الشخصية ومشاكل قديمة، ربما وجد الفرصة مواتية للانتقام، وسلق الدعوة بألسنة حداد، فتراه يردد ويرعد، ويسفه أحلام الناس، ويستخف بالقيادة، وبالإيمان، وبالمستقبل، ولو شق الله لنا قلبه، ربما لرأينا استخفافا بالله كذلك!!!

فيسب هذا ويطعن في نية هذا، ويثبط هذا، ويشكك في جهد هذا ...

فهذا أخرجوه من بينكم، وطهروا منه صفكم، فإن اجتمع مع الثالث سحبوا الثاني، ولحقهم بسذاجة، فلم يبق إلا الأول حارس المبادئ وهو على خطر عظيم.

فالله الله في العمل ، وكشف مداخل إبليس، وأعذار المفاليس...

والجد والاجتهاد، وتحري الجهاد الصائب، لا الجهاد الخاطئ...

والبناء لا الهدم ...

واللملمة لا البعثرة ...

فإخوانكم بكم ينتصرون ويجولون ويحولون بعد الله تعالى، فلا تؤتى الدعوة من قِبَلكم، ولا تهدم الأساسات بمعاولكم... بل كونوا حرّاس المبادئ وأساتذة التصحيح والتقويم والتوجيه ...

والله ينفعني وإياكم ويغفر لي ولكم ذنوبكم


في الخميس 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:35:11 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=40647