من خلف قضبان السجن.. عبدالكريم الخيواني
متابعات
متابعات

العرب القطرية - حوار وهيب النصاري

لا يزال الصحافي اليمني المعارض عبدالكريم الخيواني خلف قضبان السجن بالعاصمة صنعاء بتهمة التخطيط مع مجموعة أطلق عليها «خلية صنعاء الثانية» لأعمال إجرامية إرهابية وتفجير منشآت عسكرية وتصفية قادة عسكريين، وغيرها من التهم، وتعرض الخيواني لسلسلة اعتداءات واعتقالات منذ كان رئيس صحيفة الشورى عام 2004م حينما تبنى نشر ملفات عن توريث الحكم في اليمن وجانب من الفساد في ممارسة المسؤولين للتجارة بينهم أقارب الرئيس اليمني صالح..

حُكم على الخيواني بالسجن لمدة عام في محاكمة مستعجلة وقضى من الفترة 7 أشهر خلف القضبان تعرض أثناءها لاعتداءات جسدية داخل السجن.

اتهمته النيابة المتخصصة بقضايا الإرهاب بـ «التخطيط لقلب نظام الحكم» قبل أن تقرر تقديمه للمحاكمة بتهمة الانتماء لجماعة مسلحة للقيام بأعمال تخريبية.. ثلاثة تجارب تعرض لها الخيواني في السجن منذ قرر «تشخيص الفساد» محاولاً الاقتراب مما كان يعرف بالخطوط الحمراء، لكن التجربة الأخيرة تختلف كونه بحالة صحية لا تساعده على البقاء داخل السجن لفترة طويلة.

وقبل سجنه الأخير تم اختطافه من وسط العاصمة صنعاء من قبل مجهولين إثر تحقيق صحافي بعد خروجه من السجن تحت عنوان «ما قبل الدولة.. وطن وراء القضبان.. إذ يستنزف أرواح وعقول وجيوب المسجونين» كشف فيه انتهاكات واسعة للسجناء.

وبعدها سجل وصية لمنظمة العفو الدولية في العاصمة صنعاء وقال: «حمّلت الرئيس اليمني صالح المسؤولية المباشرة إزاء أي مكروه قد أتعرض له أو أحد أفراد أسرتي»، ومن ثم قضت المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا أمن الدولة في تاريخ 9 يونيو الماضي بالسجن 6 سنوات بتهمة الاشتراك في عصابة مسلحة وتوزيع منشورات تؤيد الحوثيين، والتحريض ضد الدولة.

من خلف قضبان السجن بالعاصمة صنعاء تحدث الخيواني أشهر سجين رأي في اليمن عن خلفيات سجنه وتجربته خلال أربع سنوات مع القضاء وعن الممارسات التي يتعرض لها داخل السجن..

¶ في البداية.. هل يمكن أن نعرف خلفيات سجن الصحافي عبدالكريم الخيواني؟

- وجودي في السجن رغبة عليا وتعليمات فوقية أُخرجت عن طريق القضاء بشكل مكشوف، فمن تهمة ملفقة إلى أدلة غير محرمة (صور وسيديهات ومقالات لم تنشر إلى حكم بلا حيثيات) وكل ذلك تُوج بتحوير منطوق الحكم بإضافة فقرة كاملة (للتنفيذ) المعجل وهو ما لم يورده القاضي وسجلته كاميرات 13 فضائية ووكالات أنباء.

¶ هل كنت تتوقع صدور حكم ضدك بـ 6 سنوات في السجن؟

- تجربني مع القضاء تجعلني أتوقع ذلك وما هو أسوأ منه عندما يكون القضاء غير مستقل والمحكمة استثنائية (محكمة أمن دولة)، معروف أنها محكمة إدانة لا يهمها النظر حتى في ملف القضية أو الدفوع التي تقدم أمامها أو المحامون مهما كانت قدراتهم وحججهم.

عضو اللجنة الرئاسية السابقة المشرفة على إنهاء الحرب في صعدة عبده الجندي كان قد تحدث في قناة الجزيرة مباشرة قبل عدة أشهر وقال إنه سيصدر حكما ضدي، وأبدى استغرابه للتهمة الموجهة لي (الإرهاب)، لكن كلامه يؤكد أن الحكم الصادر قرار من جهة رسمية ما وليس من قضاء مستقل ونزيه، كنت أتمنى أن يسعى القضاء لكسب ثقة الناس في إصدار حكم عادل خاصة والقضية قضية رأي عام، لكن يبدو أن أحدا لا يبالي بذلك، فقط يستاؤون من قول ذلك وكشفه أو التعليق عليه.

¶ ظهرت صورة الخيواني في وسائل الإعلام أثناء نطق الحكم مندهشاً وكأنك كنت لا تتوقع هذا الحكم، هل كانت لديك معلومات مغايرة تجاه الحكم؟

- ربما كنتُ مندهشا من قوة الحكم ضد الجميع الذين اتهموا معي وليس ضدي فقط، فشخص باع علاجا يسجن خمس سنوات والذي اشترى العلاج 8 سنوات و.. أين الجريمة؟!.

والاندهاش ليس مرده التوقعات وإنما المعلومات، فالقاضي محسن علوان الذي أصدر الحكم كان قد تحدث أمام الزملاء الأستاذ عبدالباري طاهر وبلقيس اللهبي وعبدالرشيد الفقيه، وقال بالحرف لا توجد عصابة ولا صفات عصابة، وقال لي اطمئن، وأضاف أنه لم يتلق اتصالات بشأن القضية، كان هذا مثل الحكم بأسبوعين، فكيف لا اندهش من هذه الجرأة والاستهانة بالعدل ومكانة القضاء إلى هذا الحد.

¶ البعض يعتبر الحكم سياسيا، أي نقمة شخصية ضدك، فما الطريق لخروج الخيواني من السجن؟

- هذا صحيح، فالحكم لا يمثل سوى نقمة وتنكيل لشخص مغضوب عليه من رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح حسب التصنيف السائد.

الطريق للخروج من السجن هو احترام القانون ونزاهة القضاء واستقلاله كما يفترض، والمفروض أن يصحح الخطأ القائم أولا بالإفراج عني ابتداءً باعتبار أن فقرة التنفيذ أضيفت بعد النطق بالحكم وهو ما يسقط الحكم في حالة رفعنا قضية مخاصمة ضدا القاضي.

رئيس الجمهورية معني بالتدخل أيضا انتصارا للعدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء، والمحاكمة والحكم فضيحة كبيرة تستدعي سرعة المعالجة وليس تهديد الصحافيين لغرض الهيبة وإلغاء ضمائرهم كما يفعل بعض مسؤولي القضاء، وإن غياب العدل جعل المحاكم ساحة لتصفية الحسابات.


¶ هناك أحاديث في الأوساط السياسية والصحافية عن مطالب منك بتوجيه اعتذار شخصي للرئيس صالح؟

- لا يوجد بيني وبين الرئيس صالح موضوع شخصي حتى أعتذر، وإذا كان خطأ يستحق الاعتذار فلست ممن تأخذهم العزة بالإثم إنما لا يوجد مسألة شخصية هذا ما أعلنه تماماً، والذين يتحدثون عن ذلك عليهم أن يقولوا ما هو المطلوب الاعتذار عنه للرئيس أو لأي مواطن وسأكون شاكرا للتوضيح.

ثم ما معنى الحكم والسجن من أجل اعتذار، هذا الكلام يؤكد أن الحكم الصادر له أسباب أخرى لم أحاكم عليها وتهمة أخرى لم توجه في المحكمة.

عموما لا أعتقد أنه من اللائق في حق فخامة الرئيس التعاطي مع الموضوع هكذا، خاصة وأنه لا توجد خصومه شخصية لي تجاه الرئيس صالح كشخص إطلاقاً أو كمواطن تجاه شخص الرئيس، الخلاف في الرأي لا يعني كراهية شخصية حتى وإن كان انتقادا لبعض ممارساته ويجب علينا التفريق جيداً وعدم الخلط..

¶ الأحزاب السياسية أين موقفها من قضية الحريات واعتقال الخيواني؟

- الأحزاب السياسية موقفها من قضية حقوق الإنسان وحرية التعبير عموماٍ ليس واضحا وتختلف من حزب إلى آخر، حقوق الإنسان تعني للبعض حق الناس، والبعض ينظر إليها حسب جدول أولوياته ولا يعول عليهم كثيراً، لو كان لهم جهد حقيقي ومغاير لما آلت حقوق الإنسان والحريات إلى هذا الوضع المتردي.. لا أبالغ إذا قلت إن البعض ينظر للحريات نظرة لا تختلف عن السلطة والحزب الحاكم (الكل نتاج فرز اجتماعي واحد في الأول والأخير).

¶ أنت تدفع ثمن انتمائك لخلية تابعة للحوثيين المتمردين حسب أدلة الاتهامات ضدك.. ما رأيك؟

– في الحقيقة أدفع ثمن رفع سقف الحرية منذ 2004م واستمرار التنكيل يؤكد ذلك فقط، لأن النطاق الواسع وتأثر سمعة اليمن خارجيا بسبب قضية سجن صحافي جعل السلطة تحول التهمة إلى إرهاب لمنع التضامن الدولي، لكن ذلك لم يحدث وكانت المنضمات الدولية وقبلها المحلية رافضة للتهمة منذ اللحظة الأولى، ثم إن طبيعة الأدلة وقرار الاتهام يؤكد أن العمل الصحافي هو أساس الاتهام وما يحدث هو جزء من حالة القمع الرسمي للصحافة والصحافيين.. لماذا صحيفة الشورى مصادرة وموقع الشورى على الإنترنت محجوب؟..

¶ كيف يتم معاملتك داخل السجن؟

– يتم التعامل معي كمعتقل سياسي، والصحافي المغضوب عليه من الرئيس والسلطة وهكذا، تصور كيف يكون الوضع والتعاطي معك والرئيس هو غريمك.

¶ كيف كان السجن للخيواني عام 2008م قياساً في سبتمبر 2004م، وما الفرق بين التجربتين؟

- السجن لم يختلف كثيرا، لكنه أشد قسوة ليس بسبب التنكيل المستمر أو تجربة مرض السكر، لكن لأن كل شيء يتراجع بالبلد.

هل تعتقد أن السجن سيكون أفضل حالا؟ هو يتراجع أيضاً، والقانون المفقود خارجا هو معدوم أكثر في السجن، وهذا الكلام سأدفع ثمنه عندما ينشر، التجربة الأخيرة أسوأ بكثير، إنها عملية قتل بطيء مقصودة.

¶ جائزة منظمة العفو الدولية التي منحت لك مؤخراً هل خففت من صدمة الحكم؟، وما هي القيمة المعنوية والمادية بالنسبة للخيواني؟

- جائزة العفو الدولية كنت على علم بها من وقت سابق للحكم حتى إن القاضي محسن علوان قال لي قبل الحكم: جهّز نفسك للسفر إلى لندن عندما سألته هل هناك مانع من سفري؟؟

وفعلا الجائزة مهمة، رائع أن يكون هناك من يقدّرك وسط هذا التعسف والتنكيل، وجميل أن تحظى بهذا التضامن الدولي والسلطة لا توفر جهدا للتنكيل بك.

السلطة تتصرف بهذه الحماقة والرعونة وبهذا الشكل المكشوف لكني سعيد بالجائزة وممتن للعفو الدولية في لندن على منحي هذه الجائزة.

أعرف قيمتها المعنوية، فهي جائزة سنوية تمنح لصحافي واحد معرّض للخطر تقدم في حفل يحضره كبار الصحافيين، ويسلط الضوء على هذا الصحافي وقضية الحريات في بلده، أما الجانب المادي فلم يتسن لي بعد أن أعرف ذلك.

أود هنا أن أحيي السيد جيم بوملحة الذي تسلم الجائزة نيابة عني، وأقدم التحية أيضا للسيد اكلان جوتسون على تقديمه الرائع، وأشكر السيدة ناتاليا سميث على متابعتها المستمرة.

¶ عندما كنت رئيس تحرير صحيفة الشورى تبنيت بعض ملفاتٍ اعتبرها البعض محظورة وشائكة وخطرة كالتوريث في اليمن.. ماذا ترتب عملياً عن النشر في الواقع؟

- ملفات التوريث، الفساد، النفط، انتهاكات الحقوق، حرب صعدة.. كلها كانت ملفات في إطار نقاش قضية كيف يحكم الحاكم، أردنا أن نشخص الاختلالات، كمقدمة للمطالبة بالإصلاحات، ولتوضيح ضرورتها.

لكن القضية تحولت من كيف تحكم إلى من يحكم، وتحولت إلى مسألة نقمة شخصية، أنا موجود في السجن على ذمتها للمرة الثالثة الآن ومنعت من السفر، وتم اختطافي جهارا نهارا، وصنفت كصحافي مغضوب عليه من رئيس الجمهورية، وتحولت حياتي إلى جحيم.. فتارة يقولون عني إنني انقلبت على السلطة، ومرة إرهابي.. يا لطيف هكذا مرة واحدة، ولاحظ أن السلطة العسكرية هنا تتهم مواطنا مدنيا يملك القلم فقط بعمل انقلاب.

والآن يكيف القانون لكي يحمي ويقدس كل المسؤولين ويضعهم في مكان العصمة ويبعدهم عن الحساب، ويعتبر انتقاد موظف عام على ممارسته العملية جريمة تستحق السجن 15 عاماً.. في الماضي كان مسموحا بذكر الفساد دون تسمية المفسدين، وعندما بدأت الصحافة تسميهم بدأ النقاش حول مشروع قانون في مجلس النواب يضع المسؤولين في مكانه مقدسة بعيدة عن السؤال والمحاسبة وليس العقاب.

¶ لنفترض أن أطفالك آيات ومجد الدين ومحمد جاؤوا لزيارتك في السجن، ووجدتهم أمامك فجأة ماذا ستقول لهم من خلف قضبان السجن؟

- لا يعجبني أن يراني أطفالي من وراء تلك القضبان حفاظا على نفسيتهم، مع ذلك اضطر فعلاً لرؤيتهم أحياناً..

حاولت أن يحفظ أبنائي -كجزء من التهيئة- في أوقات سابقة، أبيات لشاعر فلسطيني:

لو يقصرون الذي في السجن من غرف

على اللصوص لهدت نفسها الغرف

لكن لها أملاً أن يستضاف بها حراً

فيعبق في أنحائها الشرف

ومؤخراً كنت أردد أمامهم.. أيضاً كتهيئة:

لا يأخذ الموت من نفس لمنفرد

شيئاً سواها إذا ما اغتال واحتشدا

¶ هل تحب أن تزورك زوجتك وأطفالك في السجن؟

– لا أحب ذلك.. وعموما في الثلاث التجارب السابقة وحتى عندما بقيت 7 أشهر (سجن في سبتمبر 2004م بحكم على خلفية اتهامات أبرزها إهانة رئيس الدولة) لم تزورني زوجتي إطلاقا، وزارني أطفالي ثلاث مرات فقط.. أفضّل أن أجنبهم الواقع المأساوي المفروض علينا.

¶ ماذا عن واقع حرية الصحافة في اليمن؟

– واقع حرية الصحافة في اليمن سيئ جدا.. انظر إلى مرتبة اليمن في التقارير الدولية الصادرة عن منظمات الحقوق أو الصحافة ستجدها في مرتبة متأخرة جدا.

وإذا نظرنا للواقع سنجد أن حالة القمع صارت ممنهجة ومخططا لها جيداً، ضرب، اختطاف، محاكمات، أحكام جائرة، إغلاق صحف، حجب مواقع إخبارية إلكترونية.. كلها بلغت العام الماضي حوالي 250 حالة وهذا كثير جداَ.

وحالة القمع مرشحة للزيادة، فهناك مشروع قانون صحافة يعد نموذجاً للتخلف ولا ينتمي للعصر، الصحافي يجرم في قانون العقوبات وتشدد على الحرية مما يناقض الدستور وما كان يعد مكسباً لليمن.

وعْد الرئيس صالح بعدم سجن الصحافيين مند أربعة أعوام كلام وانتهى، والدليل على ذلك أن اليمن لم تعد بيئة آمنة للعمل الصحافي، قمع الصحافيين موكل اليوم إلى ما يسمى هيئة الفضيلة التي بدأت بتفكير الصحافيين وتقديس الظلمة.

ما زلت أعتقد أن القادم أسوأ للصحافة والصحافيين والبلد، ولا أحتاج لصدور أحكام ضد زملائي نائف حسان، ونبيل سبيع، ومحمود طه من صحيفة الشارع لكي أتأكد من ذلك.

¶ كلمة أخيرة للخيواني..

– ما أبشع الحياة عندما يكون الحكم والخصم واحد.. ما أقبح الوطن عندما يضيق صدر الحاكم والوطن في البلاد العربية.. ما أقبح الكذب والادعاء والفشل والعجز، والتناقض عندما يكون بحجم دولة.

يمكن أن يستمر الظلم لفترة ولكن في الأخير لا بد أن يزول، والتضحية ما لم نبذلها نكون كاذبين.. لا بد من التضحية من أجل التغيير، لنعلّم الناس التضحية إذا وجدنا أن لا سبيل للتعبير إلا بالتضحية وكما كانت حياتنا شوكة في عين الظلمة فليكن موتنا وصمة عار في حياة الظالمين.


في السبت 16 أغسطس-آب 2008 07:14:29 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=4065