اليمن: حدث وحادثتان
مصطفى أحمد النعمان
مصطفى أحمد النعمان
حدث وحادثتان جرت وقائعها الأسبوع الماضي، ولا بد أن تترك آثارها على الواقع السياسي اليمني لفترة مقبلة.
الحدث هو اللقاء الذي جرى في صعدة بين «السيد» عبد الملك الحوثي وممثلين عن حزب التجمع اليمني للإصلاح، وأهمية اللقاء ليست بنتائجه التي لا أتوقع خروجها عن نطاق تواصل الضرورة بعد البيان الذي أصدره الحزب، وأظهر نصه ضعف موقفه وعدم قدرته على القيام بدراسة نقدية داخلية جادة تكشف قصور قياداته وتمسكها بالارتباط بالحاكم - أي حاكم - واستمرار خلطه بين السياسة كفعل متغير والدعوة الدينية باعتبارها عملا يجب النأي به عن ألاعيب السياسة وحيلها وتحولاتها.
الحوار بين حزب الإصلاح وأنصار الله مطلوب ومهم وحيوي في كل الظروف، ولكنه في الظرف الراهن ليس إلا قفزا على الواقع الذي أفرزه نهم الحوثيين، وصارت تصرفاتهم تعكس رغبة انتقام وتصفية حسابات وإزاحة كل القوى التي يمكن أن تشكل عائقا أمام مشاريعهم المبهمة، وقد كررت أن هذا الغموض سيظل عقبة أمام اقتناع من يقفون خارج كتلتهم المذهبية، وربما داخلها أيضا، بأنهم يرغبون (أي أنصار الله) في إقامة دولة مدنية قوامها العدل والمساواة بعيدا عن دعاوى الحرص على استعادة حقوق تاريخية ورفع راية الحق الإلهي، وفي كل الأحوال فإن (السيد) عبد الملك الحوثي يتحمل وحده مسؤولية كل الأخطاء والخطايا التي يرتكبها أنصاره وأتباعه.
الحادثة الأولى هي اقتحام منزل الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر وتسريب مقطع قصير صوره أحد المقتحمين، وظهر فيه الشيخ صادق الأحمر في وضع ما كان يجوز إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا أن يتعرض له.
أنا أعرف الشيخ صادق منذ الصغر؛ هو أنبل وأصدق أبناء الراحل عبد الله بن حسين، وبحسب ما أعلم فقد كان يقيم هادئا في سكنه بـ«وجه السيد»، وما حدث له هو انتهاك لهذا العهد بالأمان الذي قطعه «السيد» بعدم التعرض له، والواقع أن الحادثة تشير إلى خلل في كيفية تصرف أنصار «السيد»، وبدا الأمر بأنهم صاروا خارج إطار السيطرة، وتعكس نفسية انتقامية لم يردعها «وجه السيد» فكيف يمكن لهم أن يحترموا قانونا مكتوبا أو اتفاقا مهره بتوقيعاتهم ممثلو «السيد»؟! إن عددا من أنصار «السيد» تحت شعارات «اللجان الشعبية» صاروا يتصرفون بمعزل عن بقايا المؤسسات الرسمية، فيحاصرون منازل ويقتحمون أخرى، ويطالبون باستعادة ممتلكات الدولة من البعض فقط، ويغضون البصر عن البعض الآخر، ويمنحون صكوك الغفران لمن يريد، ويحجبون ويعاقبون من يعترض على أسلوب عملهم، وهذا يخدش السمعة التي يحاولون ترويجها بأنهم يحاربون الفساد، وهو عمل سيكون مقبولا ومرحبا به في الظروف الاستثنائية شريطة تطبيقه على الجميع دون انتقائية.
إنني أخشى أن يغدو شعار المرحلة المقبلة الانتقام وإزاحة الخصوم بالمزيد من الأخطاء التي لا بد أن تولد حالة احتقان سيتم التنفيس عنها بالعنف المتبادل وسفك الدماء، وتحطيم كل أمل عند القلة المتبقية من المواطنين، الذين يتمسكون به كالغريق متعلقا بقشة.
الحادثة الثانية هي التفجير الذي وقع أمام السفارة الإيرانية في صنعاء، وهو ما عنيته بأن الحرب التي ستجري قريبا سيكون محورها تبادل العنف والتقتيل والاغتيالات، وسيجري كل هذا تحت شعارات مذهبية، وإن اكتست بعبارات جذابة تنطلي على البسطاء، ولكن ساحتها ستمتد في كل موقع يستطيع كل طرف الوصول إليه، وقد بادر «أنصار الله» بإعادة الحياة إلى إحدى السيئات التاريخية في اليمن: تدمير منازل الخصوم، فمارس هؤلاء الصنيع ذاته حيث تمكنوا.
يقع استهداف السفارة الإيرانية ضمن الأعمال المقيتة والمرفوضة في كل الأعراف والقوانين، ولكن كل هذا لا قيمة له أمام الذين يدوسون عليه ليل نهار بالدعاوى والمبررات البلهاء، وهكذا سيكون وقود المعارك المقبلة أبرياء لا يدركون ما يجري ولا أسبابه ولا نتائجه.
إن مسؤولية ما حصل ويجري، ولا بد أنه سيستمر، هو نتيجة حتمية للتباطؤ الذي أصاب العملية السياسية والاقتناع بالأوهام التي باعها سفراء الدول الغربية والابتهاج بشهاداتهم ومديحهم، لكن المآل الذي بلغه اليمن حاليا أجبر بعضهم، وعلى وجه الخصوص السفيرة البريطانية، على إطلاق سيل من التصريحات خلال الأيام الماضية تحولوا فيها إلى وعاظ وموجهين، وتخلوا عما عُرف عن سابقيهم من لباقة، فزاد غرورهم وتعاليهم، فصاروا يلقون الدروس العلنية والخاصة على مستمعيهم من مسؤولين وشخصيات اجتماعية، رغم أن الممارسات التي يقوم بها بعضهم جاءت لضعف وربما فزع بعض المسؤولين الجدد الذين لا يمتلكون خبرة كافية تجعلهم قادرين على القيام بواجباتهم، وأولها الحفاظ على مكانتهم الشخصية، إذا كانوا قد تخلوا عن حرصهم على كرامة وطنهم.
لقد استمر إرباك المسار السياسي من 21 فبراير (شباط) 2012 وفاقم الأمر عمليات الاستعجال المتتالية للإنجاز، وتسبب هذا في خلق فراغات كثيرة استغلتها قوى كثيرة لوضع العراقيل، ولكن «أنصار الله» هم الذين تمكنوا من تحقيق مكاسب متتالية زاد من تأثيرها حالة التفكك التي يعانيها الجيش اليمني واختلاف الولاءات داخله، كما أن الأجهزة الأمنية تجمدت أنشطتها، وتعرض الكثير من منتسبيها إلى عمليات اغتيالات لا بد أنها تصيبها بخوف وقلق يحدان من حركتها وقيامها بواجبها، ويأمل كثيرون أن يكون تعيين اللواء الصبيحي وزيرا للدفاع مساهما في إعادة الثقة بقدرة الجيش ورفع معنويات أفراده، بعد سلسلة الانتكاسات التي تعرضت لها والتخوين الذي نالها، وفي الوقت نفسه، فإن تعيين أول مدني على رأس الجهاز السياسي (حمود الصوفي) قد يعيد للجهاز قيمته المعنوية كي يمارس المهام الأصيلة المنوطة به، بعد أن حاد عنها لفترة طويلة.
إن حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الرئيس هادي وقصر المدة الزمنية المتبقية حتى فبراير 2015 يحتمان عليه اتخاذ العديد من القرارات الصعبة والمؤلمة للحد من تفكك قيم الدولة، وانشغال القادرين على انتزاع ما تبقى من نزر يسير من مواردها، ومهما كانت نية الرئيس وقدراته فلن يتمكن من اجتراح المعجزات في ظل هذا الشتات الوطني والانغماس في حصد الغنائم، ولا بد أن الجميع يعلم أن النفط، وهو المورد الوحيد المتبقي للبلاد، قد تهاوت قيمته في الأسواق، ولا أظنه يكفي لتدبير احتياجات المواطنين خلال العام المقبل، ولن يكون بمقدور الحكومة الحالية التعويل على المدد الخارجي، لأن سمعة اليمن المالية والفساد المتراكم في كل مفاصل الحكم يجعلان من العسير الحصول على متبرعين، لأن هؤلاء لا يثقون بداية بالقدرة الاستيعابية المحلية، وأيضا أفزعهم حجم التكالب على استنزاف أي مساعدة مقبلة.. ومن المؤسف أن رئيس الوزراء بحاح قد تولى المسؤولية في هذا الظرف الاستثنائي، ولكن توليفة الحكومة بتشكيلتها الحالية قليلة التجربة والحيلة لا يمكن لها أن تواجه هذا الإعصار المدمر لمفهوم الدولة والوطن، وسيكون من غير الإنصاف تحميلهم عبء السنوات الماضية وسوء الحال.

في الأحد 07 ديسمبر-كانون الأول 2014 04:11:02 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=40750