صالح والحوثي والمعركة المؤجلة لحلف الضرورة 
عبدالناصر المودع
عبدالناصر المودع
 

في احاديثهم الخاصة يرد قادة الحوثيين حين يسألوا عن متى سيتخلصون من الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأن الوقت لم يحن بعد؛ في المقابل يرد صالح على شكاوى أنصاره من إقصاء الحوثيين لهم ومضايقتهم بالصبر والبقاء في أماكنهم. 

تشير تلك الردود إلى أن الصراع والمواجهة بين الحوثيين وصالح هي حتمية، والمسألة لا تعدوا من كونها مسألة وقت، كما أنها تشير إلى مناهج مختلفة لكل طرف في التخلص من الطرف الأخر؛ فبالنسبة للحوثيين فإن منهجهم المتوقع سيستند على العمل العسكري العنيف والذي قد يتخذ صورا عديدة تشمل من بين ما تشمل اغتيال صالح أو تصفيته خلال مواجهات عسكرية لن تعدم الأسباب الموجبة لاندلاعها. من جهته يبدو منهج الرئيس السابق صالح يميل نحو الاحتواء السياسي للحوثيين حين تنضج الظروف لذلك.

وخلال الأيام الماضية بلغ الصراع بين الطرفين الذروة على خلفية دعوة حزب المؤتمر الشعبي، الذي يتزعمه صالح، أنصاره للاحتشاد والتظاهر في العاصمة صنعا بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس الحزب، والتي نظر الحوثيين لهذه الدعوة بعين الريبة والشك، وهو ما تم ترجمته على شكل اتهامات لصالح بتفكيك "الجبهة الداخلية" في مواجهة ما يعتبرونه العدوان الخارجي، وتم تهديد صالح وأنصاره بعواقب وخيمة، وتم اتخاذ خطوات تصعيديه من قبل الحوثيين كان من أهمها الدعوة لأنصارهم بالتجمع والاحتشاد بالسلاح على مداخل مدينة صنعاء. 

وقد نظر البعض إلى هذا الصراع وكأنه نهاية للتحالف بين الطرفين وبداية لمواجهات متوقعه؛ غير أن شيء من ذلك لم يحدث، باستثناء الاشتباكات المحدودة التي جرت في ما بعد بين أنصار الحوثي وصالح وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص من الطرفين. وحتى كتابة هذه المقالة يبدو أن الظروف لم تنضج بعد لحدوث الافتراق المتوقع بين الطرفين، ومن ثم انتهاء ما يمكن اعتباره تحالف "الضرورة" الذي نشأ بينهما. 

ولتفسير وفهم هذا التحالف الهش ينبغي استعراض الظروف والأحداث التاريخية التي أنتجته، وكذلك حجم وقوة كل طرف ومصادر قوته ونفوذه. وقبل القيام بهذا الاستعراض ينبغي التأكيد على أن الكثير من الوقائع التاريخية قد تم تحريفها بشكل مخطط من قبل أكثر من جهة، وأصبحت هذه الوقائع من المسلمات التي يصعب دحضها. ومن أهم الوقائع المحرفة تضخيم دور صالح في تعزيز قوة الحوثيين ومساعدتهم على إسقاط العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014، والتقليل من دور الرئيس هادي في ذلك. والحقيقة التي ينبغي الإشارة لها هنا هي: أن التحالف بين الطرفين لم يكن مخططا له وإنما أتى كردود أفعال لأحداث كثيرة ساهم في صناعتها عدد كبير من الأطراف اليمنية والخارجية. 

يمكن اعتبار لحظة إجبار صالح على الخروج من السلطة في نهاية 2011 الجذر المباشر للأحداث اللاحقة التي أفرزت الحالة التي وصلت إليها اليمن. فعلى أثر خروج صالح سُلمت السلطة لعبدربه منصور هادي المنتمي لمحافظة أبين الجنوبية، والذي تسلمها كحل وسط بين الأطراف المتصارعة حينها، ضمن صيغة الرئيس التوافقي المحايد والحَكَم بين أطراف النزاع، وهي الصيغة التي أُقرت ضمن بنود المبادرة الخليجية. وقد توهمت تلك الأطراف بأن هادي سيلتزم بتلك الصيغة وينفذ الدور المرسوم له؛ غير أن هادي -كما أتضح لأحقا- كشف عن رغبة جامحة في التمسك بالسلطة والبقاء فيها أطول فترة ممكنة. 

ولتحقيق تلك الرغبة كان على هادي البحث عن حلفاء ووسائل تطيل من عمره في السلطة. وكان الحوثيون هم أحد هؤلاء الحلفاء الذي استعان بهم هادي، حيث ألتقى الطرفان على بعض الأهداف المرحلية، ومنها تفكيك الطبقة السياسية التي كانت تحكم اليمن قبل وصول هادي، والتي كانت تتكون من ثلاثة أطراف رئيسية: العسكر وشيوخ القبائل ورجال الدين السني/السلفي، وهؤلاء يمثلون خصما سياسيا وإيديولوجيا واجتماعيا للحوثيين، وعائقا أمام بقاء هادي في السلطة. وينتمي معظم أفراد هذه الطبقة إلى مناطق الهضبة العلياء لشمال اليمن. 

ولتفكيك تلك الطبقة كان على هادي وفريقه، المنتمون إلى المحافظات الجنوبية، إعادة صياغة الدولة اليمنية وتفكيكها عبر النظام الفدرالي، والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى نقل مركز الحكم من منطقة الهضبة في الشمال إلى المناطق الجنوبية، وهو ما اتضحت خطوطه العريضة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وبنود مشروع الدستور للدولة الفدرالية، والتي تعطي الجنوبيين امتيازات كثيرة أهمها نصف وظائف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، رغم أن سكان الجنوب لا يتجاوزون 15% من عدد سكان اليمن.

ولتنفيذ مشروع تفكيك الطبقة السياسية المذكورة، أتبع هادي الخطة التي رسم خطوطها العريضة ونظر لها الحزب الاشتراكي اليمني -وهو الحزب المهزوم في حرب 1994 من قبل نفس الطبقة السياسية- فالحزب الاشتراكي وجد في وصول رئيس جنوبي للسلطة فرصة للانتقام من تلك الطبقة، وتفكيك الجمهورية اليمنية الذي لم يعد مؤمنا بها بعد إخراجه من السلطة خلال تلك الحرب.

وكانت خطة التفكيك تقضي برفع وتيرة الانفصال في الجنوب لوضع المجتمع السياسي اليمني أمام خيارين إما الانفصال أو الفدرالية، وفي الوقت نفسه تشجيع الحوثيين في الشمال على ضرب الطبقة السياسية المستهدفة وإضعافها. 

ووفقا لتلك الخطة حدثت تفاهمات بين الحوثيين والرئيس هادي قضت بالسماح للحوثيين بأن يتمددوا خارج معاقلهم في محافظة صعدة، على حساب الأطراف الأخرى المراد تفكيكها، وكان من نتيجة تلك التفاهمات إبعاد قوات الجيش ومؤسسات الدولة عن مواجهة الحوثيين، وإيقاف تمددهم، وهو الأمر الذي ساعدهم على هزيمة خصومهم والاستيلاء على صنعاء في نهاية المطاف.

من جانبهم اتبع الحوثيين تكتيكات عديدة كان من أهمها مد خطوط اتصال مع جميع الأطراف السياسية واللعب على تناقضاتها، والاستفراد بالخصوم الرئيسيين، وتحييد الخصوم المحتملين والتحالف معهم. وكان من بين من تحالفوا معهم الرئيس السابق صالح، والذي راق له أن يقوم الحوثيين بضرب وإضعاف خصومه اللذين أطاحوا به من الحكم (الجنرال علي محسن الأحمر ، حزب الإصلاح ، أسرة الشيخ عبدالله الأحمر شيخ حاشد) حين بدأ الحوثيون في استهدافهم، ومن المحتمل أن صالح كان يعتقد بأن الامر سيقتصر على إضعافهم، ولم يكن يعتقد بأن الأمر سيصل حد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء. وهو السقوط الذي تم عمليا بمساعدة من الرئيس هادي وليس الرئيس السابق صالح كما يتم ترويجه من قبل هادي وحزب الإصلاح والحزب الاشتراكي وغيرهم، وهو الترويج الذي وقع صالح وأنصاره في فخه حين قاموا يتبجحون بأنهم من أدخل الحوثيين إلى صنعاء وبأنهم القادرون على إخراجهم منها. 

غير أن الحقائق على الأرض خلال مرحلة حصار ودخول صنعاء، تؤكد بأن دخول الحوثيين إلى صنعاء قد تم بجهود حوثية وتواطؤ من قبل هادي ووزير دفاعه، بعد أن تمكن الحوثيون من هزيمة ما تبقى من الفرقة الأولى مدرع، والمجاميع المسلحة التابعة لحزب الإصلاح خلال المواجهات التي تمت في الجزء الشمالي الغربي من مدينة صنعاء واستمرت عدة أيام قبل سقوط المدينة. وليس هناك من أدلة تؤكد الاتهامات التي يسوقها أنصار هادي وحزب الإصلاح وغيرهم والتي تتحدث عن مشاركة قوات من الحرس الجمهوري المحسوبة على صالح في تلك المواجهات. وهذه الاتهامات هدفها رفع المسئولية السياسية والقانونية عن الرئيس هادي ووزير دفاعه، وتبرير الهزيمة السريعة والحاسمة التي مني بها حزب الإصلاح وحلفائه. فخلال تلك الفترة لم تشارك قوات الحرس الجمهوري في القتال وبقت في وضع المحايد والمتفرج ولم تتلقى أي أمر قتالي من قبل الرئيس هادي أو وزير دفاعه لمواجهة الحوثيين وحماية العاصمة صنعاء. 

وبعد دخول الحوثيين صنعاء تمت السيطرة على المعسكرات التي كانت تتبع الفرقة الأولى مدرع، وتم نهب أسلحتها، وتمت السيطرة أيضا على مؤسسات الدولة عبر ما سُمي باللجان الثورية. وكل هذه الأحداث لا يمكن أن يكون صالح راغبا فيها، ناهيك ان يكون قد ساعد الحوثيين عليها بالتخطيط أو التنفيذ، كما هو رائج. فصالح يدرك أكثر من غيره خطورة الحوثيين عليه بشكل شخصي، حيث أن الحوثيين يشكلون خصم وعدو سياسي لصالح، وهناك ثار كبير بينه وبينهم على خلفية الحروب الست التي دارت بينه وبين الحوثيين، والتي قتل في أحداها حسين الحوثي مؤسس الحركة الحوثية وشقيق زعيمها الحالي عبدالملك الحوثي.

ومع ذلك فإن سلوك صالح وتكتيكاته خلال الفترة اللاحقة لسقوط صنعاء قد اوحت بأن هناك شراكة وحلف بينه والحوثيين، حيث بدأ صالح يتقرب من الحوثيين، خوفا منهم على ما يبدو، ورغبة في احتوائهم وتشتيت قواهم، وإيهامهم بأنه مستعد للتعاون معهم. وقد ساهم صالح من خلال هذه التكتيكات في تمدد الحركة إلى بقية مناطق اليمن؛ حيث طلب صالح من أنصاره مساعدة الحوثيين في السيطرة على بقية مناطق اليمن ومؤسسات الدولة، ووفقا لذلك شكل أعضاء المؤتمر الشعبي خلال تلك الفترة ما يشبه الحواضن السياسية للحوثيين.

وفي مقابل الخدمات التي قدمها صالح للحوثيين تمكن صالح وأنصاره من العمل بحرية أكبر مما كان عليه الحال خلال الفترة التي أعقبت خروجه من الحكم، والتي شهدت شكل من أشكال الحصار والتضييق على صالح وأنصاره من قبل الرئيس هادي وحزب الإصلاح. 

غير أن الحوثيين كانوا هم الطرف الأكثر استفادة من العلاقة مع صالح؛ فالحوثيون هم من تمكن من السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وخاصة بعد اندلاع الحرب في 26 مارس 2015. حيث سيطروا على جميع المؤسسات الحيوية كالجيش والأمن والإعلام والقضاء والمؤسسات المالية وغيرها، والتي تمنحهم تفوق نسبي على صالح. كما أنها جعلتهم الطرف المهيمن على المجلس السياسي والحكومة التي شكلاها فيما بعد.

في المقابل لازال لصالح نفوذ داخل الكثير من مؤسسات الدولة إلا أن هذا النفوذ يصعب قياسه وتحديد حجمه بالنظر إلى أن الكثير من أنصار صالح حولوا ولائهم للحوثيين وأصبحوا عمليا ينفذون القرارات التي يتخذها الحوثيون. غير أن الأمر الأكيد أن صالح لا زال لديه شعبية كبيرة في المناطق الخاضعة للحوثيين، وهو ما حاول استعراضه خلال الحشد الذي أقامه قبل أيام. إلا أن هذه الشعبية ليست مترجمة عمليا في شكل قوة مسلحة وتنظيم صارم كما هو حال الحوثيين، والذين يمتلكون تنظيم شمولي متين وقيادة مركزية صارمة، ونواة صلبة قوية ومتماسكة لأعضاء الحركة من الهاشميين والحركيين المؤدلجين.

ولكون الأمر على ما ذكرنا؛ فإن الكفة العسكرية تميل ظاهريا لصالح الحوثيين في حال اندلاع صراع مسلح بينهما في الوقت الحالي أو المستقبل القريب، وهو ما يفسر لغة التهديد والوعيد التي أطلقها الحوثيون تجاه صالح، في الأيام الماضية. ومع ذلك فإن من غير المتوقع أن يقدم الحوثيين على أي عمل عسكري يستهدف صالح وأعوانه على الأقل في المستقبل القريب، لأسباب كثيرة أهمها تبعات هذا العمل على جبهات القتال التي يخوضها الطرفان تجاه القوى التي تحاربهما في أكثر من جبهة. وحاجة الحوثيين لصالح وأنصاره في تعزيز نفوذهم والتغلغل داخل مؤسسات الدولة ومناطق اليمن المختلفة.

ولهذا فإن من المتوقع أن يستمر تحالف الضرورة بين صالح والحوثيين حتى تحدث متغيرات تجعل أحد الأطراف يقدم على خطوات تفكك هذا التحالف الهش، وحينها يحدث الصراع المؤجل.    

 
في السبت 09 سبتمبر-أيلول 2017 02:41:33 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=43176