ثورة فبراير وعودة الهاشمية
موسى عبدالله  قاسم
موسى عبدالله قاسم

حلت علينا الذكرى التاسعة لثورة الـ 11 من فبراير المجيدة وسط حملة ممنهجة لتحميلها وزر عودة المليشيات الهاشمية في العام 2014 والتبعات التي ترتبت على تلك العودة من انقلاب على النظام الجمهوري واحتلال لعاصمة الدولة وتجريف للهُوية الوطنية والحياة السياسية والاجتماعية وإدخال البلد في حرب مدمرة لا تزال طاحونتها مستمرة إلى يومنا هذا، في تجاهل تام لأهداف الثورة السامية ومنطلقاتها الجمهورية وضرورتها الوطنية، وسلْق عجيب للمواقف والأدوات التي استخدمتها السلالة الإرهابية لتنفيذ مخططاتها المرسومة منذ عقود من الزمن،

وليس انتهاءً بجهل المتحاملين عليها بتاريخ الكهانة الهاشمية التي وقفت غير مرة في طريق بناء الدولة اليمنية القوية طيلة فترة تواجدها الدخيل في اليمن.

نعلم جميعاً أن ثورة فبراير المجيدة التي حمل رايتها شباب يمني مخلص لوطنه انطلقت بسلمية خالصة من مدرجات الجامعات وساحات الكليات المهنية مطالبة بالتغيير السياسي المشروع والتصحيح الجوهري لمسار النظام الجمهوري، تلك الانطلاقة النبيلة لا يمكن أن تكون سبباً في عودة سيف الإرهاب السلالي فوق رقاب اليمنيين لولا أن المُثار عليهم تخلوا عن ما تبقى من إيمان بقيم الجمهورية وأهداف الثورة السبتمبرية ومضوا يفرغون أحقادهم خناجراً في قلب الوطن والشعب عبر تحالفهم الإجرامي مع المليشيات الهاشمية الغادرة وكان ما كان من وصول اليمن إلى هذا الواقع المرير والخراب المنتشر.

محاولة ربط ثورة فبراير بعودة الكهنوت الهاشمي محاولة بائسة تنم عن جهل أخرق بتاريخ السلالة الاجرامية، فمن لا يقرأ تاريخ عدوه وسايكلوجيته الإجرامية أفاق على كوارث فنائه وحتوفه، ولذا فإنه السُلاليين -مجلس حكماء آل البيت- لم يظهروا عام 2011 فجأة بل إنهم ماضون وفق مخططهم الذي رسموه بعد مصالحة عام 1970م الكارثية التي مكّنتهم من التغلغل في النظام الجمهوري لإسقاطه من الداخل، وقد كانت شرارة إشعال حروب صعدة الستة البداية الفعلية لتنفيذ المخطط، خاصة عملية التسليح النوعي عبر تسليم المعسكرات، وسبق ذلك تفتيت لحمة المجتمع اليمني وشق عصا قيادات الدولة حينها من خلال الوشايات وتهويل خطر "علي صالح" على "علي محسن" والعكس، فضلاً عن دق إسفين الصراعات بين القبائل من جهة وبينها وبين السلطة وقيادتها من جهة أخرى، حتى أن هناك قول منسوب لأحد قيادات التنظيم السري للسلالة الهاشمية يصف فيه تمرد المليشيات السلالية عام 2004م بالعمل السابق لأوانه، وأن هناك تسرّع في استعادة الحكم السُلالي الكهنوتي - الذي أسقطته ثورة 26 سبتمبر الخالدة دون أن تتمكن من القضاء المبرم عليه - بحجة أن الظروف المناسبة لم تتهيأ بعد، وهذا دون شك يقطع أي صلة لثورة فبراير بالأحداث التي تلتها كونها كانت مرسومة سلفاً ولم تأتِ نتاجاً لها. من جهة أخرى، فإن الفترة الزمنية بين انطلاقة شرارة ثورة 11 فبراير المجيدة وبين عودة الإرهاب السلالي الهاشمي كانت قرابة أربعة أعوام، وخلال تلك الفترة أنجز اليمنيون أهم منجزين في تاريخ اليمن المعاصر، مخرجات الحوار الوطني ومسودة دستور اليمن الاتحادي، هذا الإنجاز الوطني أرعب اللوبي السلالي المنتشر في مفاصل الدولة، لأنه يئد حُلم السلالة باستعادة تحكّمها باليمن وشعبه، وقد ظهر ذلك من خلال الرفض لمخرجات الحوار ومسودة الدستور وتم ترجمته بدفع الجناح العسكري للسلالة للتحرك والانقلاب على تلك المنجزات الوطنية.

، سخّر اللوبي السلالي حينها كل إمكاناته في مختلف مفاصل الدولة لتسهيل قضم الجمهورية والدولة اليمنية، وترافق ذلك بتسويق إعلامي للعملية الإرهابية السلالية قام به السلاليون المتدثرون بالأحزاب والكيانات السياسية والدينية. وبناءً على ما سبق فقد كانت ثورة الـ 11 من فبراير الخالدة السبيل الأمثل لوقف المخططات السلالية في استعادة ما يطلقون عليه "فردوس الهاشمية المفقود في اليمن"، بدءاً بانتهاج السلمية في التغيير والمطالبة بالحقوق، وهذا المنحى المدني يخالف منحى "الثورية الدائمة" الذي تؤمن به وتتبناه السلالة الهاشمية وفق نظرية الحق الإلهي وحصرية البطنين، وانتهاءً بمخرجات الحوار الوطني الشامل ومسودة الدستور التي طوت حلم السلالة الدخيلة إلى الأبد لا سيما شكل الدولة المكوّن من ستة أقاليم ونظام حكمها الجمهوري الاتحادي. إن الأحداث العظام التي تمر بها الأمم مكتوب عليها أن تظل حيّة على ألسن الناس بين قادح ومادح، وذلك قدرها، قدر الكبار، ومهما قيل.

ويُقال عن ثورة فبراير المجيدة فإنها بأهدافها الوطنية النبيلة ونُبل مقصد ثوارها وشهدائها الأبرار، وما تمخض عنها من مخرجات حوار وطني ومسودة دستور اتحادي، كانت ولاتزال وستبقى السبيل الوحيد لهزيمة الكهانة الهاشمية وبناء الدولة الاتحادية، ولو أن الممتعضين منها والمناهضين لها والغادرين بها قرأوا أهدافها بنظرة وطنية فاحصة، بعيدة المدى، لما ساهموا في هذه الحرب المدمرة، وتخندقوا في الضفة المناوئة لها، ومهما يكن الأمر، فليس أمام اليمنيين اليوم إلا التمسك بمنجزاتها الوطنية المتوافق عليها، لاستعادة الدولة ونظامها الجمهوري، وهزيمة الكهنوت السلالي، ووقف عجلة الحروب ومواجهة الأطماع الخارجية.


في الأربعاء 12 فبراير-شباط 2020 05:51:07 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=44758