|
من الطبيعي أن تختلف كل ذائقة عن أخرى ، فهناك من أثنى على أغنية – وليست أنشودة – الشاب ( عمار جعدان ) المُسماة بـ لا تقول من كم ؟ و هناك من استنكر الألحان المُبالغ فيها كون البعض يُسميها أنشودة تُعنى بالأعراس ، لا اخفي إعجابي الشديد بالألحان و الأداء الذي ينم عن مُبدع ، لكني و من باب أنَّ لكل فعل هدف ، و لكل قول مغزى ، كما لكل عمل فنَّي رسالة ، يهدف أصحابه إيصاله لذهن المُستمع أو القارئ أو حتى المُشاهد ؛ سأقوم بقراءة الأغنية قراءة نقدية بسيطة مُركزاً على الفكرة و الرسالة التي همّ الشاعر و المُغنِّي إرسالها للمستمعين و مُحبين الفن البديل ، مُستنكراً هذه الرسالة التي انضوت تحت الوصف الغزلي تارة ، و ربط الأخلاق و الجمال بالسعر و المادة تارةً أخرى ..!
كانت كلمات الأغنية كالتالي :
لا تقول مِن كَم ؟ .. آلا يا ولد يا ولد لا تقول مِن كَم ؟
سَهل لو يغْرم ... آلا من شاف حالي يشِلِّه سَهل لو يِغْرم
حَالي حَلاه و أجمل .. ألا وَردة تِفتح و عِطره .. حَالي حَلا و أجمل .
يِسحر عِيون الناس .. ألا قُمري خَفيف الدّم يِسحِر عِيون الناس .
أهم شيء الأخلاق .. آلا دوّر عتلقى آمانة ، أهم شيء الأخلاق ..
كُله أدب ذواق .. آلا هذا المَليح أغِنمه .. أهم شيء الأخلاق .
ما عاد تشوف الهَم .. آلا و الصوت جا لك و غنّى ، ما عاد تشوف الهَم .
مِن صِدق ما تِندم .. آلا مَن شَلّ حَالي آمانة ، مِن صِدق ما يندم .
سامي القوام أخيل .. آلا الخِل مالت غصونه سامي القوام أخيل
كُل الخَجل عنده .. آلا يو و الرزانة ، أمانة دُرّي المبسم.
بدا من المفهوم العام للأغنية أنها أشارت بأن الفتاة إذا كانت ذات أخلاق فلا تُقدّر بثمن ، ولكن إذا ما تعمقنا كثيراً في الكلمات لوجدنا أن مُجرد سؤال ( لا تقول من كم ؟ ) يعني أن هناك رقم مُحدد يجب أن يكون ثمناً للفتاة صاحبة الأخلاق الطيبة ، و جملة ( سهل لو يغرم ) أشارت إلى أن القيمة أو الثمن باهظ و ليست كالمفهوم الذي فهمه البعض أن الفتاة صاحبة الأخلاق لا تُقدر بثمن ..! و ما أعنيه هنا أنه ثمة فرق بين ألّا تُقدر الفتاة الجميلة و صاحبة الأخلاق بثمن و بين أن يُحدد لها ثمن غالٍ ..!
زد على ذلك أن جملة ( أهم شيء الأخلاق ) قامت بعملية تمويه على الجزء الأكبر من الأغنية و هو التغزل في الوصف الجسدي ..! فقد بدأت الأغنية بالحث على اختيار صاحبة الأخلاق ، مروراً بالصوت و من ثم القوام ، و انتهت بالمبسم عندما قال ( دُري المبسم )..!
استأثر الوصف الغزلي في الأغنية بأكثر من النصف من كلماتها ، في حين كان الظاهر أن القصد هو أخلاق الفتاة و ليس جمال مفاتنها ..! و هذا ما طغى و شاع فهمه ..!
لا شك أن المرأة تنكح لأربع كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لمالها وحسبها و جمالها و لدينها ، لكن هذا لا يعني أنها إذا كانت جميلة و ذات أخلاق فلا بأس أن يكون سعرها مرتفع ، فقد كان صداق فاطمة الزهراء مُجرد درع وأباها سيد الخلق وهي خير نساء الأرض ..!
فمُجرد تسعير الفتاة يُعتبر إسفاف لشخص حواء و تقليل من شأنها ، لأن هذا الربط بين صفات المرأة و السعر ، يجعلها – المرأة - سلعة تُباع و تشترى ، فكلّما كانت مواصفاتها مُحسنة كانت أغلى و العكس ..!
عندما سمعت الأغنية لأول مره ، تراجعت بمخيلتي للمُسلسلات التاريخية التي تصوّر بعض تجار الجواري وهم يصيحون في الأسواق :
فتاة جميلة مُخلقة ..
تُغنّي لك و ترقص ..
لا تكن بخيلاً ..
ستسعدك ..
صدقني لن تندم ..!
اغنم الفرصة ، ولا تفكر في السعر ..!
انظر إلى جمالها ..
رشيقة القوام ..
جميلة الشفاه ..!
إلخ إلخ ..!
فمن كانت جميلة و هادئة و صاحبة أخلاق ؛ كان سعرها مرتفع ، في المُقابل من كانت غير جميلة ، فسعرها اقل ..! و كأنها جارية أو بقرة ( مع شديد احترامي للحوائيات )
بهذا الشكل كان صاحب الكلمات و المُغني قد اشتركا في التقليل من شأن حوّاء ، كما أهانا آدم- أيضاً – كونه شريك أساسي في هذه الصفقات التجارية .
في الأخير جاءت هذه الأغنية فقط لترسيخ مُعضلة غلاء المهور ( بالرغم من قناع الأخلاق فيها ) ، و في زمن قد هال أهله من كثر الفواحش بسبب عدم قدرة الشباب على الزواج ، بل في زمن ضاقت فيه صدور العوانس من جور وجشع آبائهن ، وهذا يعني أن الرسالة التي قدمتها الأغنية سلبية تماماً ، و الله من وراء القصد .
Hamdan_alaly@hotmail.com
في الثلاثاء 02 ديسمبر-كانون الأول 2008 12:32:46 م