الكراهية وأحقاد السياسة
نجيب غلاب
نجيب غلاب

عندما يُهزم السياسي المحترف صاحب المبدأ في المعركة فإنه لا يفقد البوصلة ويظل يبحث عن الطريق الصحيح وفق القيم والمبادئ والآليات التي تعيد الأمور إلى نصابها، أعظم آفات السياسي عندما تسيطر عليه الأنانية والحقد والكراهية لأنها تعميه عن فهم الواقع وترديه في تناقضات مفضوحة فإذا خسر يهيمن على فكره وقوله وسلوكه الرغبة في الانتقام لمجرد الانتقام، وإذا قاوم السياسي المحتقن بالحقد والكراهية الآخر فإنه يسعى لإشباع رغبة الانتقام ويفقد حصافته ولا يهتم بنتائج أفعاله وتصبح لغته لغة عاطفية غاضبة، والأخطر أن بعضهم يغدو دمويا ولا يهتم بالدمار والخراب الذي قد ينتج عن أفعاله المهم أن ينتصر لنفسه ويؤذي من يكره.

والسياسي الحاقد من فقد هيبته في صراعات المصالح من جانب آخر لا يكره من غلبه فحسب بل يعاني من عقدة كراهية عميقة يخفيها في اللاوعي لأبناء بلده حتى على من يعمل على تحريكهم لتحقيق رغبته، والجماهير التي يحاول دفعها في معركته هم في أجندته أدوات غبية وساذجة وإذا عجزت عن تلبية مطالبه فإن كراهيته لها تتعاظم خصوصا إذا زادت قوة خصومه بفعل تأييد الجماهير له، لكنه لا ييأس ويستغل كل متاح أمامه حتى لو تناقض مع القيم النبيلة، ويحاول جاهدا وبشكل دائم تعبئة الجماهير بالكراهية والحقد ولا يهم أن تحترق في معاركه التي يخطط لها طويلا.

المصيبة أن بعض السياسيين يريد تدمير خصمه القوي بدفعه لقتل من يحرضهم حتى يشوه صورته ويتمكن من إشعال نار الانتقام بينهم حتى يحترق الجميع في الصراعات العبثية، وعادة ما يعمل البعض بذكاء شديد وباسم القيم الإنسانية على بث القيم التي تبعث في الجماهير الشر، وكلما توقد مرجل الصراع وسفكت الدماء يدفع الحاقد من يستجيب لصوته نحو التضحية وبذل النفس، فالضحايا هم وقوده لقهر عدوه.

وليس مهما أن تنتصر القيم التي يخفي السياسي المنتقم صورته الحقيقية وراءاها، فهدفه الأساسي أن تُحرق الأرض من تحت أقدام الجميع حتى الأرض التي تحميه، فمن يسيطر على وعيه الثأر فإنه يصبح جندي في معركة النصر فيها تعني خسارة العدو وخسارة الذات بشرط ان يرى النار تشتعل في الأرجاء من حوله فيشبع رغبته ويشفي غليله.

السياسي الحاقد يفقد مبادئه وشرفه الوطني وتحركه غريزة بدائية متوحشة لا تؤمن بالنظام بل بالفوضى، فالسياسي المنتقم عندما يندفع في الثأر يشبه إلى حد بعيد رجل القبيلة الذي يفقد صوابه عندما يُقتل قريبة، فيصبح الثأر محور حياته ويصبح الشرف وقيم العدالة كلها تدور حول فكرة محورية هي القضاء على الآخر والانتقام منه حتى لو أدى الأمر إلى قتل نفسه في معركة الثأر وذلك في وعي المنتقم قمة الشرف والشهامة. ولأن السياسي أكثر حذقا من الرجل العادي لذا فإنه يلجأ للخداع ويتغنى بالقيم الإنسانية ليخدع نفسه ومن يجنده في معركته.

خطاب بعض السياسيين الساعين في صراع المصالح في اليمن خطاب هزيل ممقوت ومهووس بالمؤامرة، وأفكارهم ينتجها عقل مافوي مخدر بأفيون البلاهة والغباء فالحقد والكراهية قد بلغت الحد الذي جعلت البعض يهذي بالخرافات ويرغي ويزبد كالمخبول الذي به مس من الجن، ولم يعد يفرق بين العصابة والدولة ولا بين الجاسوس والوطني ولا بين الموساد وحب اليمن، فالوطنيون من أفنوا حياتهم في خدمة الدولة والمجتمع يمثلوا في مخيلته المريضة جواسيس مأجورين ويهود أتوا من تل أبيب الموساد ومن يهود العراق.

السياسي الفاشل يقرأ كل شيء بالمقلوب أما عندما يكون مأجورا وفاسدا وكاره لوطنه فإنه يحشد كل أنواع الشتائم ضد من يراهم صور ناصعة للوطنية والعطاء، والملوث بالخيانة والفساد عندما يغرق في وحله فإنه يحاول أن يعالج معاناته النفسية باتهام من يكره بكل عيب وهذه المحاولة الفاشلة لمعالجة النفس حتى لا ينهار صاحبها أمام روحه التي تحمل ذكريات نضالية والتي يقتلها يوميا في معاركه من أجل الباطل.

السياسي الذي يقتات من المال الحرام ويذبح ضميره من أجل مصالحه الأنانية يتحول إلى أداة قذرة لتدمير المجتمع والدولة، ويمارس الكذب والخداع، باتهام الغير بما هو غارق فيه كمحاولة للتطهر من رجسه وخبثه، ويقوم بلصق عيوب الذات بالآخر الذي يكرهه ويمنح الذات صورة نبيلة كل ذلك أشبه بمعالجة نفسية لإعادة التوازن إلى ذاته المضطربة إلا أنه يفشل ومع كل محاولة لتشويه صورة وطنه وذبح مصالحه ومستقبله يزداد اضطرابا وغرقا في أوحال الفساد.

السياسي الحاقد المنتقم أشبه بفيروس خبيث يستخدم وقت الحاجة لقهر الأوطان، وعندما تتغير الاستراتيجيات فإن الخائن في لحظات التغير عادة ما يكون ورقة مساندة لقهر وطنه. لذا قد تجد بعضهم يرغي ويزبد باسم الوطن والجماهير وهو على يقين تام أنه يخدم أعداء اليمن والأمة العربية وحلمه أن يدمر ويذل وطنه.

الخائن عاجز عن الإبداع وعن التفكير بما ينفع الناس، لأنه يفكر بعقل مادي ويساوم على شرفه الوطني ليشبع رغباته الدنيئة، وهنا أسأل ما الفائدة المرجوة عندما يحاول البعض حشر اليمن في ماضي مزور، والحديث عن نظرية التآمر التي برزت في حرب الخليج، وهي نظرية من صناعة المخابرات وكانت جزء من المعركة الإعلامية لزعزعت الثقة بين العرب وقد أقتنع بها البعض في لحظة فقدوا فيها العقل والمنطق، ومن صنع الكذبة يدرك أنها كذبة انتهت بمجرد انتهى المعركة، المصيبة والمضحك أن يتحدث سياسي يمني عن المؤامرة ويجزم ان المؤامرة كانت موجودة وهو يحاول بذلك الإضرار بالمصالح اليمنية، ومن شدة غبائه أن يقنع من أصبح مقتنعا بأن تلك المؤامرة كانت كذبة وانتهى مفعولها، أما السذج ممن مازال مقتنع بتلك المؤامرة فإن التجربة جعلتهم أذكياء والتغيرات قد قلبت الموازين، وعلى الحاقدين أن يدركوا أن اليمن الموحد أصبح جزء لا يتجزأ من أمن دول الخليج العربي وأن أحلام البعض بزرع الفتن وتفكيك اليمن تتناقض مع الشرع والعقل والواقع كما أن نشر الفوضى في اليمن أصبح يهدد أمن الخليج قبل غيرهم بل ويهدد أمن العالم كله فمتى يفقه هؤلاء أن العالم قد تغير وأن الوحدة حتمية تاريخية ومصلحة يمنية وإقليمية وعالمية..

صحيح أن هناك مجموعة من الأغبياء من يعيشوا في الماضي وعاجزون عن استيعاب الحاضر، ومن المؤكد أن ذاكرتهم أصابها الضعف ولم تعد قادرة على فهم ما يجري من حولهم، بعضهم يغيظهم الدولة اليمنية أصبحت قوية مقارنة بالماضي بل هو في أقوى مراحلها والتدخلات الخارجية عبر الانتهازية المحلية التي تعمل وفق مسارات تخريبية باسم حماية اليمن أصبحت عاجزة عن فرض إرادتها.

ويمكن القول أن من يهدد بإعلان الحرب على اليمن ويطالب بالكفاح المسلح لفك عرى الوحدة من خلال حرب شماليه تقودها الحوثية باعتبارها أحق بالحكم وحرب جنوبية تقودها أبين باعتبارها الحق بحكم الجنوب لا يخدم إلا الاستعمار القادم من البحر. كما أن تهديد اليمن بوحدته وتجربته السياسية وبعث الرسائل للنخبة السياسية بإمكانية تفجير الحرب في كل اليمن هي رسائل غبية وقذرة تمرر عبر الأغبياء لإجبار اليمن على قبول استراتيجيات الاستعمار الذي يسعى للهيمنة على البحر والبر.

لا يخفى الأمر على المتابع الحاذق أن الخطاب السياسي الحالم بفصم عرى الوحدة والمنادي بالحرب الشاملة على اليمن ومستقبله في ظل التحولات الراهنة في القرن الإفريقي وبحر العرب والبحر الأحمر أنما يخدم مصالح الهيمنة الدولية، وخطاب المعارضة المكثف القادم من الخارج يحمل رسالة مختصرة فحواها يا أبناء اليمن حكومة وشعبا أما أن تقبلوا بما يفرض عليكم أو أن يكون الدمار نتاج رفضكم لمصالح الكبار، وسنجعل بأسكم بينكم شديد أن لم ترضخوا لإرادتنا.

سؤال أخير:

أيمكن للمستعمر أن ينجح في هذا الزمن الرديء في قهر اليمنيين ويتمكن من فرض مصالحه باستغلال التناقضات الداخلية؟

كل شيء ممكن، فالأغبياء ينعقون بما يخدم المستعمر وباسم مصالح الناس يقودوهم إلى الاستعباد، أنها أعظم لعبة في التاريخ يديرها الاستعمار المعولم، نجحوا في العراق وجعلوا شعبه فرقا شتى، لعبتهم في اليمن مازالت في مراحلها الأولى، أن خطاب الكراهية والحقد هو التمهيد لإحراق اليمن وإجباره على الركوع، مع ملاحظة أن الوحدة مصلحة ثابتة لدى الخارج والهدف هو إجبار اليمن على الخضوع لمصالح المستعمر ليس إلا.

 


في الإثنين 15 ديسمبر-كانون الأول 2008 04:13:13 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=4566