بالعلم وحده تُصنع المعجزات يا صديقي
ماجد عبده الشعيبي
ماجد عبده الشعيبي
  

ورد في القران الكريم قول الله تعالى (وعلم آدم الاسماء كلها) فكان العلم هو الشرف الاكبر والمقام الاعظم الذي استحق به آدم عليه السلام سجود الملائكة تكريما له لشرف العلم الذي حمله.

 

لقد كان الله تعالى هو المعلم الأول الذي تلقى منه ادم مفاتيح علوم الاستخلاف اللازمة لعمارة الأرض ، و آدم بدوره نقل تلك العلوم والمعارف إلى أبناءه واحفاده والذين جاءوا من بعده طوروا تلك العلوم واضافوا عليها حتى صارت الى ماهي عليه اليوم ولا شك انها ستتقدم اكثر فاكثر في المستقبل القريب والبعيد بسبب اولئك العلماء المخلصين الذين وهبوا حياتهم وجهودهم المباركة للعلم وحده.

 

فالعلم اذا هو عماد النهضة والاساس المتين لاي حضارة بشرية منذ آدم حتى اخر بشري على هذه الأرض 

 

ومن هذا التأسيس نستطيع القول وبكل اطمئنان ان العلم بمفهومه الشامل هو السبيل الوحيد اذا اردنا النهوض من هذه الكبوة التي طالت جدا..

 

العلم والايمان

 

من أعظم ما جاء به الاسلام (ديننا الحنيف) انه قرن بين العلم والايمان بل ان العلم شرط لصحة الايمان قال تعالى (فاعلم أنه لا إله الا الله) و اهم شروط (لا إله إلا الله) هو العلم بمعناها علما ينافي الجهالة.

 

وأما ما حدث في اوربا في عصور ظلامها من الصدام المريع بين العلم وبين الكنيسة (باعتبارها ظل الله في الأرض) ذلكم الصراع لا يعنينا في شيء لان ديننا اكد على اهمية العلم فجعل طلب العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة.

 

و ما خطيئة الكنيسة في اوربا الا انها فسرت الشجرة التي اكل منها ادم - وكانت سبب خروجه من جنة عدْن -انه اكل من شجرة المعرفة وهو تفسير خاطيء تماما فليست المشكلة في النص انما المشكلة في سلطة تفسير النص مما ادى في النهاية الى اعتبار ان السعي لاكتساب العلم و المعرفة خطيئة كبيرة يجب محاربتها هذا التطرف الكنسي ادى الى الكفر بوجود الإله انكارا لسلطة الكنيسة التي ادعت زورا انها تمثل سلطة الرب واحتكرت هذه الصفة على الارض.

 

سحر العلم لا علم السحر:

 

لا يزال السحر يفعل مفعوله في مجتمعاتنا العربية والاسلامية حتى ان اعداد السحرة تضاعف بشكل كبير، ان عدد السحرة يفوق بكثير عدد ائمة المساجد في دولنا هذه.

 

ان اولئك السحرة الذين ينشرون الخرافة والوهم والجهل بين عامة الناس يجب التعامل معهم على انهم ارهابيون ويجب تشديد العقوبة عليهم اكثر من القتلة والمجرمين.

 

ومن الجدير بالذكر ان الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي -في عهده الميمون- جرد حملات امنية كبيرة لملاحقة المشعوذين والدجالين والسحرة وصلت تلك الحملات الى القرى في الارياف وقد اثمرت تلك الحملات في بسط الامان المجتمعي والسلام الاجتماعي على اوسع نطاق.

 

فبينما يتقدم العالم بحقائق العلم وحده تغرق مجتمعاتنا في براثن الجهالة اعمق فأعمق.

 

ان بعض المعجزات التي اجراها الله تعالى على يد انبياءه السابقين تجرى اليوم على يد امهر الاطباء في كل انحاء العالم فقد كان نبي الله عيسى عليه السلام يقوم بشفاء المصابون بالعمى والجذام والبرص وغيرها من الامراض التي كانت مستحيلة التداوي واذا بالعلم الحديث يساعد في الوصول الى علاج فعال لتلك الامراض وغيرها من الامراض الخطيرة .

 

ان بعض ما كان معجزة اختص الله بها الانبياء والرسل صار اليوم بفضل الله ثم بفضل العلم امرا سهلا يسيرا مقدورا عليه وما كان هذا كله ليحدث لولا التقدم العلمي الكبير جدا الذي حدث في حياة الانسانية.

 

ماهو العلم الذي ننشده؟

 

ان العلم الذي نقصده هو العلم بكل فروعه النظرية والتطبيقية في حقول المعرفة كافة بما فيها ميادين العلوم الانسانية بدون استثناء .

 

وانك لتعجب من اولئك الذين جعلوا من العلم علم شرعي وعلم غير شرعي ويقصدون بالعلم الشرعي كما يزعمون علوم التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية وعلوم اللغة العربية وما يتصل بها وما عدا ذلك فهي عندهم علوم لا ينتفع بها من عرفها ولا تضر من جهلها.

 

بل قد سمعنا وعرفنا ان هناك من افتى التلاميذ بجواز الغش في اختبارات اللغة الإنجليزية على اعتبار انها لغة غير شرعية ! انه لجهل مركب وفضيحة منكرة ان تكون هذه هي الثقافة السائدة في أوساط المجتمعات التي نتنفس افكارها التي فسدت وركدت وأسنت منذ زمن بعيد.

 

واذا عدنا الى زمان مجدنا الباكر فقد ارسل هارون الرشيد (القرن الثالث الهجري) إلى الإمبراطور الفرنسي شارلمان الساعة الشهيرة وكانت الأضخم والأندر في العالم والأغرب بجانب أن الساعة لم تكن معروفة وقتذاك بالنسبة للأوروبيين الساعة كانت ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بالقوة المائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد من الكرات المعدنية الكبيرة فوق قاعدة نحاسية مفرغة فيُسمع لها رنين ...وحين رآها ملك الفرنجة خاف منها وحطمها على اعتبار ان الجن هم من يحركونها!

 

ودار الزمان دورته فتقدموا وتأخرنا (او تخلفنا) اذ بزعيم دولة اوربية يرسل بجهاز راديو (في بداية اختراعها) تعمل بالبطاريات الجافة الى احد ملوك العرب وحين قام الوفد بتشغيلها وسماع الصوت منها امر هذا الملك العربي بتحطيمها فوراً على اعتبار ان الجن هم من يصدرون ذلك الصوت الاذاعي!!

 

انها مأساة تدعوا للبكاء لا الى الضحك فأين كان المستوى العلمي في عهد هارون الرشيد(قبل 12 قرن تقريبا) واين وصل الحال في زمننا هذا؟!

 

لماذا لم تقم مدارس للعلوم الطبيعية والتقنية بجوار مدارس الفقه الإسلامي ومدارس النحو وعلوم اللغة؟!

 

ويبقى لهذا السؤال وجاهته واهميته وستبقى الاجابات عليه مفتوحة وليست مغلقة.!

 

العلم والاخلاق :

 

هل ثمة تعارض بين النهضة العلمية المنشودة وبين الاخلاق والقيم والمبادئ ؟! في الحقيقة هناك من يسعى جاهدا الى الربط بين العلم وبين الانحلال والانحراف الاخلاقي والتفسخ القيمي وهو ربط خاطئ تماما فالعلم محايدا تماما بالنسبة لقضايا الاخلاق والقيم ولا يعني ان العلم مغاير تماما للاخلاق ولا بديلا عنها.

 

العلم لا يعني العلمانية:

 

حين تدعوا إلى ضرورة ان تسود ثقافة العلم والمعرفة فإن البعض يتهمك بالعلمانية.

فقد ربطوا بين العلم وبين العلمانية ربطا اهوجا.

مع ان لفظة العلمانية هي ترجمة غير دقيقة للفظة الإنجليزية (secularism) واللفظة الفرنسية (sécularisme)والتي تعني مجازا (اللاديني) اي الامور التي تتعلق بامور الدنيا ولا ترتبط بقضايا الدين .

 

مع ان التفريق بين ماهو ديني وماهو دنيوي واضح وبيّن في ثقافتنا العربية والاسلامية فقد ورد في حديث (تأبير النخل) الشهير على لسان الرسول الكريم (أنتم اعلم بأمور دنياكم) فهل حين وجه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك التوجيه كان يعني بذلك ( العلمانية) ام كان يقصد التفريق الطبيعي بين ماهو من امور وقضايا الدين وبين ماهو من امور الحياة اليومية عموما كعلوم الزراعة وعلوم الصناعة والتجارة والحرف وغيرها من المجالات الحياتية المعلومة..

  

الخلاصة:

 

اننا بحاجة ماسة الى مراجعات عميقة جدا لمفاهيمنا وثقافتنا وافكارنا التي تعتبر عائقا وحاجزا حقيقيا ضد النهضة والتقدم العلمي المنشود.

 

لأننا بغير توطين العلوم والمعارف والتكنولوجيا الحديثة و مالم نوفر لها البيئة والحاضنة الثقافية والاجتماعية فلا أمل لهذه الشعوب في مستقبل افضل وسيبقى الحال على ماهو عليه امة جاهلة متخلفة فبالعلم وحده نصنع التغيير المنشود يا صديقي!


في الثلاثاء 23 يوليو-تموز 2024 05:38:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=47034