عن واحدية ثورتي سبتمبر وأكتوبر
همدان العليي
همدان العليي

كثيراً ما نقرأ على شبكة الانترنت لمن يسمونهم (كُتّاب الحراك المُناضلين) العديد من الأكاذيب على تاريخ اليمن .. ولا أدري هل هو الجهل بالتاريخ أو الإفتراء المقصود بُغية قطع أواصر الصلة والقُربى بين أبناء الوطن الواحد والذي مزقه في السابق الاستعمار وأطماع بعض الأنظمة المحلية ..!

كما أن هناك مُراهقون سياسيون يهرفون بما لا يعرفون، أو أنهم يعرفون الحق ويكذبون..فنجدهم يُنكرون ويَستنكرون أفعال رجال الأمس وهم المُنكر ذاته وهم أشباه الرجال.. نجدهم يتغنون بالوطن وأصواتهم نشاز وأفعالهم تجاه الوطن قبيحة.

من الأقوال التي تدل على جهل أصحابها ولؤمهم بعضهم: هو إنكار الصلة الوثيقة بين ثورتي اليمن سبتمبر وأكتوبر، حيث أن بعضهم يذهب في القول إلى أنه ليس هناك ثمة أدنى دعم حدث من أبناء شمال اليمن لجنوب اليمن أيام الاستعمار البريطاني وصولاً إلى الاستقلال، وهناك من ينفي دور أبناء جنوب اليمن في حماية الجمهورية في الشمال، بل هناك من يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين ينفي واحدية التراب اليمني..!

بينما لو رجعوا إلى التاريخ الذي لا يكذب، لوجدوا ما يُخيب أمانيهم هم وشياطينهم.. وهنا سأضع –موجِزاً- بعض المعلومات والحقائق التي استقيتها من بعض الكتب والمراجع القديمة المُحايدة، وصياغتها بشكل مختصر كي أُسهّل على القارئ والباحث الحصول على المعلومات والتواريخ وأسماء الشخصيات والكيانات اليمنية التي شاركت في صنع سبتمبر وأكتوبر، مُتجنباً الأسلوب الإنشائي الذي يكتب به هواة الانفصال والذي يستندون فيه على الأماني والتخيلات والرغبات الآنية... والتالي سرد مُختصر لمحطات في تاريخ اليمن منذ عام 1800م، وهو العام الذي بدأ فيه الاستعمار البريطاني مد نفوذه في جنوب اليمن.. وماذا كان دور شمال اليمن في محاربة هذا الاستعمار، كما سيتضمن هذا السرد مواقف تتحدث عن مدى الدعم الكبير الذي قدمه أبناء جنوب اليمن للحفاظ على ثورة 26سبتمبر في الشمال.

""بالرغم من سلبيات الأئمة الكثيرة، لكنهم كانوا حريصين على وحدة الأرض اليمنية وخلوها من الأجانب سواء كان هذا التواجد سياسياً أو عسكرياً أو تجارياً، ففي عام 1801م وبعدما عينت المملكة البريطانية أول سفير بريطاني في اليمن؛ طلبت بريطانيا من "الإمام" إبرام مُعاهدة تجارية تضمن امتيازات خاصة لبريطانيا في الاستثمار في ميناء عدن- وذلك خوفاً على طرقهم التجارية البحرية من الفرنسيين بعد ما سيطرت الإمبراطورية الفرنسية على منفذ البحر الأحمر من جهة مصر سنة 1879م- إلا أن ملك اليمن حينها رفض العرض، بيد أنه طمأن الانكليز بأنه لن يسمح للسفن الفرنسية باستخدام المرافئ اليمنية.

لم تُثني تلك الوعود -التي طرحها عاهل اليمن- عزم البريطانيين على السيطرة على ميناء عدن، فتوجهوا إلى سلطان لحج بهدف الحصول على موافقته دون الرجوع إلى ملك اليمن.. فرفض سلطان لحج العرض كما رفضه الإمام لكنه، رضخ بعد جولات من الضغط والترهيب سنة 1802م، وتم حينها إعلان عدن ميناءاً حراً لدخول البضائع البريطانية، مع وضع الحماية لرعايا ملكة بريطانيا وهذا الأمر كان بمثابة الخطوة الأولى للاحتلال البريطاني لجنوب اليمن كما وصفها المؤرخين.

تتالت الأحداث ما بين سنة 1802م وحتى 1918م، فتوسعت بريطانيا في جنوب اليمن حتى وصلت الشعيب ومفلح غربا وحضرموت شرقا سنة 1888م، كما احتل العثمانيون شمال اليمن في هذه الفترة وعند هزيمتهم أمام الحلفاء اُجبروا على الانسحاب من الأراضي اليمنية وتسليم السلطة للإمام "يحيى" سنة 1918م، وفي عام 1919م أعلن الإمام "يحيى" عزمه على تحرير أراضي اليمن من المستعمر البريطاني، ووجد تأييداً كبيراً من أبناء القبائل الجنوبية اليمنية، ومن ثم أرسل المُقاتلين من أبناء المناطق الشمالية إلى محميات عدن، وقدم مختلف أنواع الدعم للمناطق المحتلة حتى تم تخليص مساحات كبيرة من السيطرة البريطانية من جهة الغرب مثل الشعيب ومفلح وغيرها وذلك سنة 1926م، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلاً، فقد ردت بريطانيا بشراسة سنة 1928م حيث ألَّبت بعض القبائل من اليمن الجنوبي على المقاتلين الذين أرسلهم الإمام وعلى القبائل اليمنية الجنوبية الموالية لهم وقامت بالقصف بالطائرات عليهم حتى تم جلاء وخروج فصائل الإمام يحيى من المناطق المحررة وإعادة السيطرة البريطانية، وفي الحادي عشر من فبراير 1932م تم توقيع معاهدة بين الإمام والبريطانيين مفادها اعتراف بريطانيا بسلطة الإمام على اليمن الشمالي مع احتفاظ بريطانيا بالجزء الجنوبي من اليمن لأجل لا يزيد عن 40 عاماً واعتبرت هذه المُعاهدة غلطةً تاريخيةً ارتكبها الإمام يحيى.

وحين انضم اليمن الشمالي إلى الجامعة العربية سنة 1945وإلى الأمم المُتحدة سنة 1947م؛ انفتح سياسياً بشكل نسبي وسعى النظام الامامي إلى الضغط على بريطانيا للخروج من الأراضي اليمنية عندما قام بإجراء اتصالات دبلوماسية بهدف الحصول على دعم دول العالم الثالث والدول الاشتراكية وغير الاشتراكية المُعادية لبريطانيا لترغمها على الجلاء من الأراضي اليمنية.

أما عندما بدأ الثوار في المناطق الشمالية بالقيام بخطوات عملية للقيام بالثورة ضد الحكم الأمامي الذي اتخذ سياسة تجهيل الشعب بُغية الحفاظ على النظام الأمامي؛ وقف أبناء جنوب اليمن إلى جانب الثوار الفارين من بطش الإمامة في عدن واحتضنوهم ولعل أبيات(صيحة البعث) للشهيد "محمد محمود الزبيري" لازالت شاهدةً على تلك الحفاوة التي تم بها استقبال ثوّار الشمال في الجنوب.

وكما أشار المؤرخون ..فقد أدت ثورة 26سبتمبر سنة 1962م دوراً مُهماً في تصعيد الاندفاع الوطني لدى أبناء جنوب اليمن بهدف التخلص من الاستعمار البريطاني، كما وقفت معظم الأطياف السياسية والأحزاب الوطنية في الجنوب إلى جانب الثورة في الشمال، وهذا ما أشعر البريطانيين أن رياح التغيير القادمة من الشمال باتت تُعرِّض مصالح بريطانيا الإستراتيجية في جنوب اليمن للخطر، وبالتالي قامت بريطانيا في أواخر عام 1962م بإنشاء قواعد عسكرية في جنوب اليمن لإيواء وجمع المُقاتلين(الملكيين)الذين هزموا في بعض المواقع في شمال اليمن وإرسالهم على شكل فرق مُخربة في المناطق الخاضعة للجمهوريين، كما قدمت الدعم العسكري واللوجستي لهذه القوات المُحاربة ضد الجمهورية..

وعندما أحس الثوار من أبناء جنوب اليمن بالمكيدة البريطانية ضد ثورة 26سبتمبر في الشمال، قاموا في الجنوب بدعم إخوانهم في الشمال ودعم الجمهورية عن طريق إشغال البريطانيين في جنوب اليمن بهدف عدم إتاحة الفرصة للبريطانيين ضرب الجمهوريين في شمال اليمن(ولعل إسقاط هذا الحدث التاريخي البطولي الذي قام به الأحرار اليمنيين الجنوبيين على ما يفعله علي سالم البيض وطارق الفضلي اليوم لدعم الحوثي في الشمال عندما يقومون بفتح جبهات ضغط على الحكومة اليمنية في المحافظات الجنوبية؛ ليظهر مدى عبث البيض والفضلي ومدى بُعد ما ينادي به هؤلاء -أرباب الحراك اليوم- عن مبادئ وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين).

  وقد وضع الأحرار في جنوب اليمن مهمة الدفاع عن ثورة سبتمبر في الشمال على عاتقهم كون أن الأرض واحدة إضافةً إلى أن الثورة المُسلحة في الجنوب دون تغيير الأوضاع في الشمال عبارة عن مُغامرة.. فتتالى الدعم من المُنظمات والأحزاب السياسية الجنوبية للثورة السبتمبرية حيث دُوِّن حول هذا الصدد –على سبيل المثال لا الحصر – أن الاتحاد الشعبي الديمقراطي في جنوب اليمن أرسل أعداداً من المُتطوعين لدعم الثورة في الشمال، فقد اعتبروا صيانة الجمهورية العربية اليمنية الفتية هي المُهمة الأساسية المطروحة كما جاء في( كتابات مُختارة لعبد الله باذيب الصادر عن بيروت الجزء الثاني).

كما أنه في 14 فبراير سنة1963م اجتمع عدد كبير من أبناء جنوب اليمن في دار السعادة بصنعاء، وخرج هذا اللقاء بقرار ينادي بتجميع القوى الوطنية الجنوبية المُختلفة في جبهة وطنية موحدة تقوم بالدفاع عن ثورة 26سبتمبر في الشمال ودحر الاستعمار البريطاني في الجنوب..وعلى إثر هذا الاجتماع شُكِّلت لجنة تحضيرية مكونة من (قحطان الشعبي، وعبد الله المجعلي، وعلي الكاطمي، وعبدالله الصلاحي، ومحمد الصوماتي، وثابت المنصوري، ومحمد الدقم، وبخيت مليط، وأحمد العولقي، وعيدروس قاضي) ثم قدمت هذه اللجنة ميثاقا جاء فيه(الوضع الثوري في الجمهورية العربية اليمنية هي ثمرة تجارب الشعب اليمني شمالا وجنوبا، ولذلك يجب التفاعل مع الثورة وقادتها ويجب أن تكون الجمهورية العربية اليمنية قاعدة للنضال في الجزيرة العربية، وحماية هذه الثورة من أي نكسة قد تقوم بها الرجعية أو الاستعمار أو الانتهازية).

وقد قال على ناصر محمد حول هذا الصدد في مُقابلة معه في مجلة النهج ص83 بأن:

(الثورة المُسلحة في جنوب اليمن بدون تغيير الأوضاع في الشمال تُعد مُجرد مُغامرة، وأنه لكي تنتصر ثورة تحريرية في الجنوب لابد أن تنتصر ثورة وطنية في الشمال)

من جانب ميداني فقد أرسل رئيس حزب الشعب الاشتراكي "عبد الله الأصنج" في حدود 12 ألف مُقاتل لدعم ثورة سبتمبر في الشمال (عادل رضا- كتاب تطور مسار الحركة الوطنية في اليمن الديمقراطي ص348).

كما التحق كثير من العسكريين الجنوبيين بالحرس الوطني في الشمال وخاضوا حروبا ضد الملكيين ومن هؤلاء (صالح مصلح، وعوض الحامد، ومحمد ناصر الجوي، وسعيد صالح، ومحمد علي الصماتي، وقاسم الزومحي، وثابت عبده حسين، والشيخ راجح لبوزة الذي أطلق شرار الثورة المسلحة في جنوب اليمن).

أما عن مُشاركة أبناء شمال اليمن في صنع ثورة أكتوبر على المستعمر البريطاني في الجنوب، فقد تجلت في كثير من الأشكال السياسية والعسكرية حيث أن المناطق الشمالية كانت تحتضن لقاءات الأحزاب والنقابات والاتحادات الثورية في كل من صنعاء وتعز وجبلة وغيرها من المناطق..

كما تجلى هذا الدعم في إدخال السلاح والمعونات الغذائية من المناطق الشمالية إلى الجبال في جنوب اليمن والتي كان يرابط فيها الثوار (كان الشيخ راجح لبوزه وبعض رفاقه من الأشخاص الذين كانوا يُهرّبون هذه الأسلحة والمعونات من الشمال إلى الجنوب وقد استشهد في نقطة تفتيش حدودية للمستعمر بين الشمال والجنوب).

إضافة إلى أن الثوار الجنوبيين لم يجدوا في أيام نضالهم أفضل من الأراضي اليمنية الشمالية كمأوى لهم من بطش المستعمر، بينما كان الجنوبيون الموالون للمستعمر عندما يفرون من الثوار كانوا يدخلون المملكة السعودية.

وعلى سبيل التمثيل لا الحصر.. فقد فر "عبد لله باذيب" إلى تعز في أواخر سنة 1958م بعد مُحاولة اغتياله، ثم فتح مكتب باسم( مكتب تحرير الجنوب اليمني المُحتل) واصدر صحيفة "الطليعة" وتعاون مع "محمد عبده نعمان" بإشراف من السلال في تقديم برنامج إذاعي موجه من "تعز" وكانت مهمة هذا البرنامج: دعوة أبناء جنوب اليمن إلى مُحاربة الاستعمار.

ومن الذين فروا من بطش الاستعمار البريطاني عندما انقلبوا عليه بعد مولاتهم له إلى اليمن الشمالي السلطان الفضلي احمد بن عبد الله، وعامل سلطنة العواذل الأمير صالح بن حيسن، كما فر بعض السياسيين الجنوبيين إلى الشمال مثل رئيس حزب رابطة أبناء الجنوب العربي "محمد علي الجفري" وأخويه سنة1956م.

على الصعيد العسكري.. في سنة 1963م أُنشأت مُعسكرات في شمال اليمن تخصصت لاستقبال الفدائيين اليمنيين الجنوبيين وتدريبهم على استخدام الأسلحة الخفيفة والألغام والتفجير، ومن هؤلاء الفدائيين الذي ذهبوا إلى الشمال لأخذ هذه الدورات (عبد الرب علي مصطفى، وعلي غالب عبود، وأحمد محمد عبده، وفضل محسن، وخالد هندي، وعبد الكافي عثمان، وصالح الجابري، وسالم باجبع، وعوض سعيدي)"".

حاولت أن أوجز قدر الاستطاعة وذكرت آنفاً بعض المواقف التاريخية التي تُثبت تداخل العمليات النضالية والثورية لسبتمبر وأكتوبر وتعاون أبناء اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه في الوصول للتحرر من الحكم الكهنوتي في الشمال والاستقلال من الاستعمار البريطاني في الجنوب، وهذا ما ينكره بعض من يُطالب اليوم بدولة الجنوب العربي دون اليمن.

hamdan_alaly@hotmail.com


في الجمعة 16 أكتوبر-تشرين الأول 2009 06:45:52 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=5915