ما فيش فائدة .. عندما يحنث الرئيس بالقسم
كاتب/لطفي شطاره
كاتب/لطفي شطاره

 مأرب برس / خاص

ما فيش فائدة والحالة في بلادكم ميئوس منها والوضع على المدى القريب وليس البعيد لا يبشر بخير ، وآسف أن أقولك هذا .. هكذا بدأ صديقا لي يعمل في منظمة دولية حديثه معي عندما أتصل بي ليلة أمس مستعرضا اهتماماته بالوضع في اليمن ، ومتابعاته الدقيقة لما يجري على الأرض سواء قبل او بعد الانتخابات ، وصديقي هذا وبحكم عمله المرتبط بتقديم المساعدات لليمن بدا أكثر تشاؤما هذه المرة أكثر عن بقية أحاديثه السابقة معي ، فالرجل ملم بكل صغيرة وكبيرة تجري في اليمن من خلال اتصالاته ، بل تستغرب متابعته الدقيقة للمواقع الإخبارية الاليكترونية او الصحف الورقية التي لها مواقع على الشبكة العنكبوتية . وما يلفت انتباهي أن صديقي هذا الذي لا أمل من الحديث معه ، يفاجئني عند بداية كل اتصال بقفشه ساخرة يكون التقطها من موقع ما او بحكم اتصالاته مع الجهات التي يتعامل معها ، ففي حديثه أمس بدأ ساخرا من الإكرامية التي منحها الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية وجه بصرف نحو مليونين ونصف المليون ريال إكرامية خاصة للمشاركين في مهرجان الإنشاد الثاني والبالغ عددهم قرابة (250) منشداً من نحو (16) فرقة إنشادية من مختلف محافظات الجمهورية ، وسألني كيف هذا يا لطفي ؟ أجبته : عادي جدا ، الرئيس صرف مرتب شهر إكرامية لكل الموظفين في القطاعين الحكومي والمختلط قبل الانتخابات ليقول لكم أنني أشتري أصوات الناخبين ، وايش يعني المنشدين ما لهم نصيب من المال السائب الذي يتحكم به الرئيس؟ رد صديق ضاحك.. انا متفق معاك ، بس الرئيس صالح هذه المرة يكررها بعد الانتخابات التي نحن مطلعين كيف فاز بها ، ولكنه أقسم اليمين في البرلمان وتعهد ببناء الدولة ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات السياسية والصحافية وهنا المشكلة أنه يخالف وعده ؟ .. أجبته : تعهد لمن ؟ للشعب ؟ فهو يعرف – أي الرئيس - أن الشعب لن يسأله على تصرفاته ؟ ، من تتوقع أن يتجرأ ويسأل ويحاسب الرئيس صالح على ضرورة الالتزام بتعهداته؟ ، هل البرلمان ؟ ، لن يحدث هذا ، لان الأغلبية محجوزة لأعضاء حزبه الذي يسير راكعا ومنفذا أوامر علي رئيس الدولة ورئيس حزب الأغلبية ، فمن تتوقع في اليمن أن يحاسب الرئيس ؟ ، هل أنت تعول على أحزاب المعارضة ؟ النتيجة تعرفها أنت أكثر مني بحكم إطلاعك ، معارضة صوتها مقموع وتأثيرها ضعيف في الشارع لان الرئيس تقع تحت سيطرته كل وسائل الإعلام ولا يسمح بتجاوز سقف حرية التعبير في اليمن إلا إلى المستوى الذي يقنعكم كصناديق وهيئات ودول مانحة أن الديمقراطية في اليمن تترسخ يوميا من أجل الحصول على مساعدات إضافية لن يستفيذ منها الشعب في الين . رد صديقي : نحن أيضا نعلم هذا ، ولكن الالتزامات التي أعطتها الحكومة للعالم كانت واضحة وجادة ، بأن كل شيء سيتغير بعد فوز الرئيس بالانتخابات ، ولكن متابعتي لما يجري في بلادكم منذ إعلان فوز الرئيس صالح وحتى الليلة أحبطتني كثيرا ، ولا ادري كيف سيكون موقف ممثلي السلطة في مؤتمر لندن للمانحين ؟ .. وواصل صديقي حديثه : إنني مستغرب من خلال قرأتي للوضع أن الأمور لا تزال كما كانت ، وربما تتدهور .. فهل معقول أن الرئيس لا يزال يتصرف بدون العودة الى المؤسسات ؟ وصحف حزبه تشن حملة انتقامية ضد مرشح الرئاسة فيصل بن شملان وأعضاء ائتلاف المشترك وكل هذا لا يخدم خطط الرئيس التي وعد العالم بتنفيذها .. أجبته : هذه هي اليمن والمشكلة أن العالم يصدق من أوصل البلاد الى حافة الهاوية وبعد 28 عاما من الإخفاقات .. أوعدك يا صديقي بأنك ستسمع من ألان عن ممارسات جديدة من قبل النظام عكس الوعود التي قطعها على نفسه بتحقيقها بعد فوز الرئيس ، فهذا النظام لا يصدق ، ويوعد ولا يفي بوعوده ، بل أن تسخين الأجواء ستبدأ ألان ، وحملات الانتقام ستشمل كل من وقف مع منافس الرئيس للانتخابات الماضية ، ستسمع عن ملاحقات واعتقالات ومضايقات لن تنتهي وسترى . 

 

 

 

 

رد ضاحكا : بالفعل فهو قد أوصل رسائل واضحة لكل من أعتقد أن الرئيس قد تغير ، وعد بإطلاق الحريات وألقي القبض على علي الديلمي رئيس اللجنة اليمنية لحقوق الإنسان في مطار صنعاء وهو في طريقه للمشاركة في مؤتمر تتبناه الحكومة الدنمركية .. أليس المؤتمر سيسمع بأسباب غياب الديلمي وسيشجب ممارسات السلطة على مثل هذه التصرفات .. ثم تحدث رئيسكم عن رفع سقف الحريات الإعلامية وبعدها يقبض على الصحافي عابد المهذري وبدون صبغة قانونية كما قرأت ، كيف يستطيع أن يتراجع الرئيس وبهذه السرعة عن تعهداته ؟ ( أجبته ) : المشكلة أن الهيئات والصناديق الدولية لو عملت جرده حساب كم منحت اليمن من قروض وهبات ومساعدات طوال 28 عاما ومطابقته على ما هو موجود على الأرض سيكون محاكمة النظام والمسئولين عن هذا الإهدار للمال وتشريع الفساد أقل مصير يمكن ان يواجهه . سيظل النظام في اليمن كما هو لن يتغير ، سيأكل العالم وعودا وسيزيد الشعب فقرا ، لقد أقام الرئيس وحزبه الدنيا ولم يقعدوها حول الآمال التي يعقدونها على مؤتمر لندن للدول المانحة ، والذي تروج له الحكومة على أنه السبيل الوحيد لإخراج اليمن من الوضع الذي تمر به ، ارتفاع معدلات الفقر ، زيادة سريعة في عدد السكان بدون وجود خطط لمواجهتها ، ارتفاع في عدد العاطلين عن العمل ، إنفاق غير مبرر للتسليح تمرر من تحت صفقات الأسلحة مئات الملايين من الدولارات إلى الخارج ، غياب كامل للاستثمارات الأجنبية والعربية والخليجية بسبب انتشار الفساد ، وغياب الأمن والاستقرار الذي يساعد على توفير مناخ آمن للمستثمرين ، استمرار السلطة في تسميم الأجواء بين التجار باعتمادها سياسة لا علاقة لها باقتصاد السوق وتسهيل الاستثمار لجذب رؤوس الأموال من الخارج .

سأقول لك على حادثة جرت أمس ، لقد حجزت السلطات في مطار صنعاء الدولي منذ قرابة شهر أجهزة ومعدات تعود لشركة «سبأفون» التي يملكها الشيخ حميد الأحمر ، وهو الذي أشعل الشارع حماسة لاقتناص فرصة الانتخابات لبدء عملية تغيير حقيقية ديمقراطية وسلمية ، وتحركه جاء بسبب انتماؤه لحزب الإصلاح احد أحزاب اللقاء المشترك ، ولعلك يا صديقي ستضحك اذا علمت مبرر السلطة لاحتجاز تلك المعدات التي تستخدمها الشركة في تشغيل محطات الاتصالات لديها إلى حين التأكد من أنها لا تستخدم لأغراض تضر بالأمن القومي. .. ولكن لماذا ظهرت مخاوف السلطة على الامن القومي من معدات شركة حميد ألان ، ولم نسمع عن مخاوف كهذه منذ تأسيس شركة سبأفون وحتى ظهور رئيسها الشيخ حميد مطالبا بالتغيير وبشكل علني وجريء إثناء الحملة الانتخابية لمرشح المشترك ، الا تعتقد أنه عمل إنتقامي سمج وواضح وعبر حملة تشنها ضده صحف الحزب الحاكم وتلفق له التهم ، كما أن هذا الإجراء هو رسالة واضحة لكل رجال الأعمال في اليمن ومن سيغامر لاحقا بأن للسلطة في اليمن القدرة على اختلاق الأعذار وتدمير المستثمرين الذين لا يرضخون لما تريد ، وهل تعتقد وأنت في منظمة مانحة أن ممارسة كهذه ومعلنة كيف سيكون تأثيرها على الأشقاء الخليجيين الذين يراهنون على إصلاحات بناء على وعود هي غير موجودة الا على الورق ، والضمانات تحددها السلطة ووفقا لمزاجها ، ثم كيف ستقدم الصناديق الدولية ضمانات للقروض لتورط شركات ومستثمرين عرب وأجانب بأن لا يحدث لهم ما حدث لحميد الأحمر ، او ما حدث لرجل الأعمال العماني الجنسية اليمني الأصل أحمد الصريمة ، الذي أنجز مشروعا لطرقات وبمواصفات دولية من حدود عمان الى حجة وصعده وطريق العبر الوديعة ولم تعطيه الدولة مستحقات المقاولة رغم حكم اللجنة التي شكلتها الدولة ، والقضية ألان مرفوعة في محكمة حماية الاستثمار في باريس التابعة للبنك الدولي . 

قال صديقي : بكل تأكيد هذه المضايقات سخيفة وفي مثل هذا التوقيت سيؤكد للمانحين والدول الضامنة للاستثمار في اليمن أن صورة الاستثمار في اليمن ليست وردية بالطريقة التي تتحدث بها الحكومة اليمنية مع الخارج . أجبته : هذا شيء طبيعي بالنسبة لنا لأننا نعرف أن سلطتنا مريضة بالانفصام ، تتحدث مع الخارج بلغة وتمارس على الأرض لغة أخرى وغير مفهومه ، بل عجزنا على مدى 28 عاما على فهمها بكل الوسائل وما فيش فائدة .

للأسف الشديد الحكومة اليمنية تروج لمؤتمر لندن للمانحين ، ويطوف وزير التخطيط اليمني دولا مانحة لثنيها على المشاركة في هذا المؤتمر ، ومحاولة الانفراد بكل دولة على حدا وتقديم تطمينات من اجل الحصول على المساعدات المتوخى تقديمها ، وكأن المؤتمر هذا سيعقد لاقتسام التكلفة لإنعاش الاقتصاد في اليمن وتأهيله لينضم إلى اقتصاديات دول الخليج بدون أي مقابل ، للأسف الشديد الموضوع ليس بهذا التسطيح الذي تروج له السلطة في اليمن ، وقد استخدمته إثناء الحملة الانتخابية لدغدغة عواطف الناس . أولا يجب أن نسلم جميعا أن اليمن لا توجد لها أية نظرة للمستقبل لا شكل الدولة ولا بناء مؤسسات ، الدولة في اليمن مربوطة بشخص الرئيس علي عبد الله صالح الذي أختزل كل مؤسساتها في يده فقط .. بمعنى أنه لا رئيس وزراء ولا أي مسئول في اليمن لديه القدرة على التفكير يستطيع أن يطبق ما برأسه على الأرض إذا لم يكن هذا متطابقا مع ما يريده الرئيس، فخد مثلا هل اليمن بالفعل بحاجة إلى سكة حديد ؟ أم مشاريع مياه وكهرباء. مؤتمر لندن سيعقد لكي تستمع الدول المانحة والصناديق الدولية والمؤسسات الاقتصادية الخليجية إلى ما ستطرحه اليمن من مشاريع للنهوض بالبلاد وإخراجها من حالة الانفجار بسبب تنامي معدلات الأيادي العاطلة عن العمل.. وسيستمع الى ما تنوي الحكومة اليمنية عمله لتنفيذ هذه المشاريع ، واقصد مصفوفة القوانين والإجراءات التي يجب " تطبيقها " وليس " تبنيها " فقط في محاربة الفساد وتشجيع الاستثمار وإبعاد سيطرة المتنفذين الذين يحتكرون كل المناقصات ويريدون أن يكونوا شركاء مع أي شركة قادمة الى اليمن .. قلت لصديقي الذي ينصت باهتمام عندما نتحدث عن قضايا هو مهتم بها وأنا أعيشها :

في رأيي السلطة لم تقدم على اي عمل حتى ألان يشجع الدول المانحة على ان اليمن يسير في اتجاه طريق التصحيح والتغيير ، وليس كل من فاز بالأغلبية في الانتخابات يعني بلدا ديمقراطيا ، فاليمن لم تقدم مسئولا واحدا إلى المحاكمة بتهم الفساد رغم ان الجميع في اليمن يعرف مواقع الفساد والفاسدين . رد صديقي بعد هذا الحديث الطويل الذي بدأ بضحكة وانتهى بنبرة تشاؤمية منه : الصناديق الدولية وبريطانيا البلد الراعي وصاحب الفكرة سيقدمون الضمانات للمبالغ التي سيحتاجها اليمن حتى 2015 وهي مدة انتهاء الخطة الخماسية المقدمة لمؤتمر لندن ، وفي حال رأت هذه الدول أن الضمانات لا تتطابق مع حجم الأموال المطلوبة والتي ستدفعها دول الخليج ، فستبدأ بمشاريع صغيرة ، وإذا انتهى المؤتمر بمثل هذه العبارة فهذا يعني أن الآمال تبددت وأماني الرئيس تلاشت . لا أريد أن أكون متشائما ولكن العالم يعرف أن اليمن يقدم دائما وعودا وردية ولا يلتزم بها وطموحه اكبر من واقعه السياسي الذي لا يزال بقبضة رجل واحد لم يستوعب بعد عواقب الحنث بالقسم ، وللأسف الشديد أعتقد أنه ما فيش فائدة ، والوضع مفتوح على كل الاحتمالات .


في الأربعاء 11 أكتوبر-تشرين الأول 2006 11:09:32 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=620