التعصب المذهبي مرض..أوجدتهُ السياسة
مجاهد قطران
مجاهد قطران

ما كان الإسلام في صدره الأول يعرف هذه الدسيسه الممقوته التي جعلت المسلمين فرقاً وأحزاباً كُلاً بما لديه فرحون ، وما كان أحد من السلف الصالح يناقض مذهباً أو يفاضل بين المذاهب ، ما دام يضم الجميع لواء واحد هو كتاب الله وسنة نبيه {ص} لأنهم يرون التقوى في المقصد ويرون العلم وسيلة اليها والى أداء العباده صحيحه .

وكان رائدهم { أي العلماء } الوصول الى الحقيقه والحصول على مرضاة الله تعالى لإعتقادهم أن من إجتهد في سبيل الحق بما لا نص فيه من الشارع وأصاب كان لهُ أجران { أجر الإصابه وأجر الإجتهاد } ومن أخطاء على حسن نيه وصفاء طويه وأخلص للإسلام والمسلمين كان لهُ أجر واحد { أجر الإجتهاد } .

ثم خلفهم { أي العلماء } خلف غرس المفسدون منهم بذرة الإختلافات المذهبيه وإختلاق الفساد في قواعد الدين الأساسيه فنبتت وأورقت تلك البذره بمرور الأيام وتعهدها الضالون بالسقي من مياه الشُبه والتزوير والإفتراء والغلو ، فأثمرت الإحزاب المذهبيه التي يكفر بعضها بعضاً ، ويرى الغُلاه منهم أن اليهود والنصارى أقرب اليهم من المسلمين الذين هم على خلاف مذهبهم ، في حين أن الإختلاف في الأراء التي ليس لها علاقه بأساس الدين كانت واقعه بين كبار الصحابه والتابعين ، ولم يتكلم أحد منهم في حق مخالفه إلا بالخير والإحترام .

أما الإختلاف المناقض لتعاليم الدين الاساسيه فإنهُ مردود على قائله ويستحق النكال إن أصر على رأيه الفاسد ، فقد روى البخاري عن عائشه رضي الله عنها قالت قال رسول الله (ص) { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } صدق رسول الله ، وليس معنى ذلك تحريم التفاريع وتصانيف الفنون والعلوم الكثيره كما قالت بهِ الظاهريه الجامدون الذين يرون أن الدين عباره عن الفاظ توجب التوقف عندها ، فهؤلاء إيمانهم لا يتجاوز حناجرهم وهو محرومون من لذة إستعمال العقل لوقوفهم على الألفاظ وهم لا يفرقون بين العالم والجاهل ، فلا يعرفون من قال الله فيه { لعلمه الذين يستنبطونه منهم }.

نعم إن المُحرم هو الإجتهاد الذي خالف النص ، وأما ما أحله الشرع فلا يحرمه إلا منافق ، وما حرمه الشرع فلا يقول بحله إلا ملحد كافر ، وما كان قريباً لأحد القسمين يُعطى حكمه وفي هذا يكون الإجتهاد ، وأما ما كان بمعزول عنهما فهو الذي لا نزاع فيه وهو معنى الحديث الذي رواه الدار قطني وغيره عن ابي ثعالبه الخشني جرثوم بن ناشر عن رسول الله (ص) { إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها }، وأيضاً ما رواه الشيخان عن النعمان بن بشر عن رسولنا الأكرم (ص) قال { إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فمن إستبرى الشبهات فقد إستبرى لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتاع ، الا وأن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه } صدق رسول الله .

ومعلوم أن كل ما ليس فيه نص احاله الشارع الى قواعد الدين العامه ومصالح المسلمين من حل النافع وحرمة الضار ، وهذا هو الذي بذل فيه المسلمون من الإئمه والفقهاء جهدهم في تبيانه ومنه حصل الإختلاف المشروع ، وهذا الإختلاف هو الذي تذرع به أعداء الإسلام كوسيله لمحاربته ، لإتخاذهم منه سبباً للعداوة والبغضاء بين المسلمين وفرقوهم شيعاً وأحزاباً يلعن بعضهم بعضا ، ومن ما نماه وجود أنصار لهم من دعاة الملك العضوض وولاة السوء الغاشمين ، وذلك جعل السياسه تلعب دوراً في شد أزر الفتنه والشقاق الى أن صار التألب على أتباع المذهب الأخر المخالف ضمن الشرع الإسلامي أشد من التألب على أعداء الدين الذين أمرنا بمناجزتهم ومحاربتهم قولاً وعملا ، وليس ذلك فحسب بل تجاوز الغلو الى إنقسام المذهب الواحد جماعات ومسالك لكل واحد رأيه في بعض المسائل ولهُ أتباع ينصرونه وأخرون يفتخرون بالإنتساب اليه ومعاداة المخالفين .

لذلك يجب أن يعلم ويتيقن كل إنسان رضي الله رباً ومحمد نبياً والإسلام ديناً أن إنقسام المسلمين الى سنه وشيعه سببه سياسياً محضاً ولا يوجد في نصوص الشريعه ما يغلب فئة على أخرى ، فلا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى ، وأن الناس سواسيه كاسنان المشط ، ومن ما يؤكد أن إنقسام الامه الى سنه وشيعه كان سببه سياسياً محضاً وأن الأمراء هم من جعلوا الفقهاء والمحدثين يقوون النزاع ويمكنوا جرثومته في جسد الامه الواحد هو الاتي :-

بدأت هذه الجرثومه المسببه للفساد في العصر الأموي ضد الهاشميين بعد أن راوا أن ما حصل في كربلاء وحرة المدينه غير كاف لمحوهم فألزموا الفقهاء في كتبهم والخطباء في منابرهم بلعنهم وإعتبار كل من يحبهم عدو للدين بعد أن اقنعوهم بأن الدين تابع للسلطه وإن كان القائم بها أظلم خلق الله ، وبعدهم جاء بنو العباس فأطاحوا ببني أميه عند جعلهم هذا النزاع أقوى دعائم ملكهم .

وما كان سقوط بغداد بيد هولاكو إلا لشدة النزاع بين السنه والشيعه حيث أن الأتراك قد أوهنوا الخلافه العباسيه بأعمالهم واليك المراسله التي جرت بين إبن العلقمي وزير المستعصم وهولاكو حيث أرسل الأخير برساله الى إبن العلقمي قائلاً فيها:-

إن عساكر بغداد كثيره فإن كنت صادقاً فيما قلته داخلاً في طاعتنا ففرق جند بغداد ونحن نحضر ، فدخل إبن العلقمي على المستعصم قائلاً لهُ : {إن جنودك كثيره وعليك كلفة كبيره والعدو قد رجع بلده والصواب أن تعطي دستور الخمسة عشر الفاً من جندك } ، فناوله فمحى اسمائهم من ديوان العسكر ومنعهم من الإقامه في بغداد ولم يكتف بذلك بل حطم جسر بغداد فمات الجنود غرقاً وعندها سلم للعدو دينه وأمته بسبب العداوه المذهبيه المشؤمه .

وإشتد النزاع ايضاً بين المسلمين الأخوه من سنه وشيعه بعد وقعة السلطان سليم التركي مع إسماعيل الشاه الصفوي الى درجة أن وصل الأمر بالحكومه التركيه الى أن تشترط في إذن النكاح الا يكون الخاطب من التبعه الإيرانيه بحجة أن إيران شيعيه ، ولكل ذلك أصبحت العامه من المسلمين بسبب دسيسة السياسه تعتقد أن النزاع المذهبي قربة الى الله تعالى

إذاً لكل ما ذكر نجد أن من أحدث ذلك النزاع إنما أحدثه لتثبيت ملكه ودولته وتوسيع نفوذه ، وهو عند فعله ذلك لم يهمه الإسلام فضلاً عن مسالة سنى وشيعي ، وعند فعله ذلك إستعان بكل صوره وجد فيهاً نفعاً ، وما إن سرت تلك الدسائس الى العامه صارت لهم راياً عاماً من الطرفين ، وإستعان كل فريق لتاييد حزبه بالشريعه لانها القوة العظمى ، فشرع فقهاء كل مذهب يفتون بأن من خالف مذهبهم ضال ملعون .

والعجب أن كل فرقه منهم تكره الاخرى وتستحل دمها بإسم الدين ، وكلاهما يدعوان الى كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) مع إعتقادهم الجازم والقاطع أن القرآن كتاب الله تعالى وإن فيه قوله تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شي } صدق الله العظيم ، و يعتقدون إعتقاداً جازماً أن محمد هو النبي الاخر وأنه قال في خطبة حجة الوداع { أن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا } صدق رسول الله ، ومع ذلك جعلوا التفرقه من ضرورات الدين فإنا لله وإنا اليه لراجعون .

عليه فإن أساس العله في ذلك قد إنتهى – التنازع في الحكم – ولكن آثاره في التفرقه باقيه وجاء الطامعون من غير المسلمين فايدوا تلك العقيده الزائفه وبعثوها من مرقدها ، فاشتد النزاع ، وقوية التفرقه لمصلحة أعداء الإسلام وأهله .

ولكن بما أن أساس العله قد إنتهى فأني على ثقه كبيره بسهولة إزالة الخلاف إذا تولى الصلح أُناساً يعبدون الله وحده ويدعون الى ما أنزل لا يشركون معه مذهباً أو طائفه ، ليستهل المسلمون عهداً جديداً غير الملوث ، ويعرضون عن الماضي ويسدلون عليه ستاراً كثيفاً حتى يكون نسياً منسيا .

لان الخلاف بعد فحصه ونحن متجردين من عاطفة التقليد الاعمى سنراه تافهاً لا يستحق عُشر معشار هذه العنايه لأنه ومن أجله وفي سبيله { لا في سبيل لله } سفكت دماء الوف المسلمين ، وتفرقت كلمة الامه الى حد أن أصبحت ملكاً للأعداء ، وابناؤها عبيداً لهم .

كيف لا وأنصار المذاهب الإسلاميه ترى التقليد واجب للمذهب الذي يناصره ، وفي حالة وجود مقلد من أتباع مذهبه أخذ من مذهب أخر وعرف أصحابه من أتباع مذهبه فإنهم يؤلبون عليه المشائخ ويهيجون عليه العامه إن كان من أهل العم قائلين لهم أن هذا يتلاعب في الدين لا مذهب لهُ إمقتوه وابغضوه وإياكم والإصغاء اليه أو مخالطته فأنه ضار مضر ، هذا إن لم يكفروه ، وليس ما قلنا طعناً في مذهب أو إعتراض على من يعملون على وفقه ما دام لا يناقض القران أو السنه المتواتره قولاً وعملاً .

إنما الطعن والإعتراض على الذين فرقوا دينهم وأصبحوا شيعاً ، وهذه أحاديث عن المصطفى صلوات ربي عليه واله وصحابة وسلم تبين أن من دعى الى مذهبيه أو عصبيه لا يعتبر مسلماً بل هو عدو للإسلام واهله :-

1-ما رواه إبن عدي عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) { أخوف ما أخاف على على أمتى كل منافق عليم اللسان } .

2-ما رواه الديلمي عن إبن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله (ص) { أفة الدين ثلاث ، فقيه فاجر ، وإمام جائر ، ومجتهد جاهل } .

3-ما روي عن الإمام على كرم الله وجهه قال قال رسول الله (ص) {إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً ، أما المؤمن فيحجزه إيمانه ، وأما المشرك فيقمعه كفره ، ولكني اتخوف عليكم منافقاً عالم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون } .

تلك احاديث تحرم وتجرم كل ما يدعو الى تفرقت المسلمين ، لأن في التفرقه الضعف والمهانه والجبن وهي أمور جعلت أمتنا لقمة سائغه في فم العدو ، عليه فإن الواجب على كل مسلم رضي الله رباً والإسلام ديناً ومحمداً نبياً ، على المسلم أن لا ينجر وراء الدعوات الضاله المظله التي تدعو الى بث الفرقه في صفوف المسلمين ، لأنه إن فعل ذلك يكون قد خالف ما جاء به القران الكريم ، وناقض ما قالت به السنه المشرفه ، وسار على نهج غير النهج الذي سار عليه خلفاء رسول الله عليه واله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم ، وهذه أيات وأحاديث تدل على أن المؤمنون إخوه :-

1-قال تعالى { محمد رسول الله والذيم معه أشدا على الكفار رجماء بينهم } .

2-قال تعالى { إن هذه أمتكم أمة واحده وأنا ربكم فأعبدون } .

3-قال تعالى { إنما المؤمنون إخوه } .

4-قال رسول الله {ص} { المؤمنون في توادهم وتراحهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } .

5-قال رسول الله {ص} { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } .

*المقال عباره عن بحث من عدة مراجع أهمها كتاب { سر إنحلال الامه الإسلاميه لسماحة الشيخ محمد سعيد العُرفي } .


في الإثنين 01 مارس - آذار 2010 06:13:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=6603