|
أصبحت مهنة المحاماة من المهن الجليلة والرفيعة فالمحاماة مهنة من أهم المهن وأشرفها وليس من بين المهن ما يسمو على المحاماة شرفاً وجلالاً فهي مهنة الجبابرة والعظماء ذات الشأن التي لا يمارسها إلا الوطنيون من ذوي العلم بها أو من في حكمهم من أي دولة أخرى على أساس المعاملة بالمثل وكأن إعمال مفهوم أن المحاماة مهنة يشترط لها العلم قبل وعند العمل وليست عملا بلا علم, حلماً طالما راود المحامين المهنيين على أرض هذا الوطن الحبيب ولما كانت المحاماة أجل مهنة في العالم، فهي أيضاً من أشق المهن؛ لأن فيها الخلق والإبداع؛ ولأنها تفرض على المحامي أن يحيا مثلها ويتحلى بقيمها، أن يعطيها كل وقته، فهي لا تدع له وقتا للراحة، فهو رسول الحق، قال عنها روجيسيو- رئيس القضاة الأعلى في فرنسا في عهد لويس الخامس عشر: إن المحاماة عريقة كالقضاء، مجيدة كالفضيلة، ضرورية كالعدالة، هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان، المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبداً له، ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة، غنياً بلا مال.. رفيعاً دون حاجة إلى لقب سيدٍ بغير ثروة وإذا كانت المحاماة كذلك، فمن هو المحامي ومن سيحمي المحامي؟ فالسؤال الذي سأطرحه هنا: من يحمي المحامي؟؟ قد يتعجب منه البعض وقد يستغرب منه البعض الآخر لأسباب مختلفة ومتعددة، فقد يقول البعض: المحامي أستاذ القانون وأبو العارفين بمجال القانون وهو يحتمي باسم الحق وهو دائما الطرف الأقوى في المعادلة القضائية لأن القانون يعتمد عليه في التطبيق وفي إظهار الحق, فهل يحتاج إلى حماية وهل طرح هذا السؤال في محله؟؟ لقد طرحت هذا السؤال ليس لأن المحامي تعرض لهجوم أو أنه يحتاج إلى حماية أكثر ضد من يعارضون عمله أو يعتدون عليه، إنما طرحت السؤال؛ لأن المحامي يتقمص دور القاضي في عمله عندما يقدم استشارة قانونية لأحد العملاء أو يصدر فتوى قانونية في مسألة ما ويعطي فيها حكمه القانوني بالاستناد إلى الفهم والمعرفة الواسعة في شتى علوم القانون وفهم الأسس التي تنبني عليها الأحكام القضائية حيث نظمت مهنة المحاماة باعتبارها قضاء واقفاً يقوم على العلم قبل العمل، وباعتبار المحامي يعمل جنبا إلى جنب مع القضاء الجالس، بل حرصت كل الحرص على إبعاد وكلاء الشريعة عن هذه المهنة، وبالتالي فإن المحامي الذي لا يتعامل بضمير حي ولا يتعامل بمسؤولية في عمله يحتاج إلى حماية من نفسه حتى لا يسيء استعمال صفته واستغلال القضايا من أجل الربح المادي فقط هذا النقد ليس موجه للمحامي من أجل الإساءة إليه أو تهجماً عليه لكن موجه من أجل تنزيه مهنة المحاماة عما قد يترسب فيها من شوائب نتيجة التصرفات الفردية لبعض المحامين ضعاف النفوس والذين يستغلون حاجة الناس وجهلهم بالقانون من أجل الحصول على الربح المادي دون وازع أو ضمير, وقد يهاجمني البعض في طرح هذا الموضوع؛ لأنني أتحدث عن حالات قليلة في نظر البعض أو حالات لا يقاس عليها، وقد يقول البعض إن المجتمع أصبح على درجة من الوعي والفهم لإدراك المسائل القانونية ولو كانت بسيطة مما يمنع المحامي من أن يقدم على مثل تلك, ولكن أقول إن طرح هذا الموضوع له أهميته في تقديري خصوصا في هذه المرحلة, فمهنة المحاماة في اليمن شهدت تطورا كبيرا وشهدت تحولا كبيرا من حيث دخول أعداد كبيرة من المحامين الشباب والخريجين من كليات القانون ساحة العمل في المهنة ونعود إلى السؤال المهم، في ظل غياب الجهة التي تضع الأسس والضوابط التي تحكم سلوك المحامين وتتكلم بصوتهم وترعى شؤونهم، فأطالب نقابة المحامين اليمنيين أن تقوم بذلك الدور من أجل الارتقاء بالمهنة، وأعيد السؤال من يحمي المحامي من نفسه إذا كانت الرقابة على تصرفات المحامي وسلوكه ليست بالمستوى المطلوب أو المأمول؟ حيث نرى بعضا من المحامين - باختلاف درجاتهم - لا يعطي الاهتمام المفروض عليه بموجب قانون المحاماة في أدائه لعمله وكثيرا ما ينتج عن تلك التصرفات أو الممارسات اهتزاز ثقة الناس بالمحامي بل قد يؤدي إلى الإساءة للمهنة العريقة – المحاماة.
ونظرا لكل ما ذكرته, أرى أنه من الواجب على نقابة المحامين اليمنيين أن تعمل بشكل أفضل على تنظيم المهنة ومراعاة شؤون المحامين وضبط سلوكهم ومراقبتهم في إطار تنظيمي مناسب للمحافظة على مكانة المهنة ودروها الهام في المجتمع.
وفي الأخير علينا التكاتف والتعاون من أجل تضافر الجهود وتوحيد الصف من أجل المحافظة على سمو ورقي مهنة المحاماة ورفعتها، وحتى نصل إلى تحقيق هذا الهدف وننأى بهذه المهنة السامية عما يُوجّه إليها من سهام تنال من مكانة المحامي وقدره.
وأخيراً يجب على الدولة أيضاً أن توفر للمحامين أداء وظيفتهم المهنية دون عائق أو تدخل وعدم تعريضهم للاعتداء أو الملاحقة أو المضايقة جراء ما يجرونه من مهام الدفاع عن موكليهم، وتوفير ضمانات حمايتهم من كل اعتداء واحترام علاقتهم بموكليهم وسرية مكاتبهم وأوراقهم وأعمالهم واتصالاتهم.
*رئيس مؤسسة العدالة للمحاماة والاستشارات والتدريب.
في الخميس 01 إبريل-نيسان 2010 10:59:04 م