الحوار الوطني وكعكة الرئيس
علوي الباشا بن زبع
علوي الباشا بن زبع

صورة توقيع محضر الاتفاق بين قادة أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام وبينهما الأخ الرئيس بدت في مشهد يبعث على التفاؤل كما لو أننا دولة ديمقراطية بالفعل حتى الخلطة المتنوعة للحضور وطغيان البدلات الرسمية وربطات العنق على الصورة توحيان بشيء من الجدية واحترام الموقف وان كانت أغلب الوجوه تعكس ملامح التوتر والشعور بالمرارة فيما بدا وكأنه اتفاق على مالابد منه بضغوط داخلية نسبية وخارجية بشكل أكبر لم تسعف أياً من الفريقين أن يدرس جيداً ما جرى التوقيع عليه أو حتى يقنع شركائه بقبول الفكرة من حيث المبدأ - وما بدا بدينا عليه كما يقال – هكذا يبدو الانطباع للوهلة الأولى جسدته فيما بعد لقطة سريعة تظهر الارياني محاطاً بالأنسي (معارضة) وأبو راس (سلطة) وثلاثتهم على مقعد مكشوف في حديقة القصر يراجعون على عجل الصيغة النهائية للمحضر قبل التوقيع.

حضور الرئيس في المنتصف أطفى قدراً من الجدية في الخطوة هذا إذا كان يعني بالفعل ما تقتضيه رعاية رئيس الدولة لاتفاقات سياسية من هذا النوع ففخامته عودنا أن الاتفاقات يجري التوقيع عليها في الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي ما قبل صفارة الحكم وهو ممكن أن يمسح بها الأرض في أي لحظة.. تحدث عن هذا باحث أمريكي في دراسة نشرت منذ شهرين عن "الحالة اليمنية والرئيس صالح" واصفاً إياه أنه عنيد ومن الصعب أن تقنعه بما تحمله إليه من أفكار – الباحث كأنه يوجه خطابه للمفاوض الأمريكي – ويضيف ستكون محظوظاً لو جاءت أفكارك موافقة لهواه عندها يمكن أن تصل وإياه إلى نقطة اتفاق من نوع ما.

هذه الصورة قياساً بالصور المؤلمة التي شاهدناها من قبل على قنوات الفضائيات لأحداث دامية في "صعدة والضالع ومأرب" تجعلنا نميل إلى التفاؤل والتشبث بالأمل في الحوار والوفاق الوطني لمنع حدوث الكارثة إن أمكن فبمجرد أن يقف عدد من فرقاء العمل السياسي في السلطة والمعارضة على طاولة واحدة بعد كل هذا الاحتقان والسجال الحواري الماراثوني هذه خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح على الرغم من أن الصورة لا تزال ناقصة وبحاجة إلى أن تكتمل.

الصورة بالتأكيد ينقصها حضور أطراف أخرى تحكم قبضتها على أجزاء مهمة في جنوب البلاد وشمالها (الحراك الجنوبي وجماعة الحوثي) وينقصها قبل ذلك التمثيل اللازم لزعماء الجنوب في الخارج والداخل ولكن رغم كل هذا النقص الكبير في اكتمال مشهد الاتفاق على حوار وطني عام بالمعنى المتعارف عليه دعونا نتفائل دعونا نعتبره اتفاق تمهيدي سيليه اتفاقات أخرى بينية أو عامة للوصول الى اكتمال المشهد.. دعونا نتنفس الصعداء ولو ليوم واحد من هذا الضغط النفسي الذي يجثم على صدور المواطنين علاوة على ما يلاقونه من ضغوط الحياة المعيشية وغلاء الأسعار مع تضاؤل مستوى دخل الفرد وقيمة العملة.

للأمانة هذا البلد بحاجة إلى أن يستريح قليلاً من التعريض به على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف والمواقع وأخبارها التي احرجتنا أمام العالم بل فضحت بنا أكثر مما جلبت لنا المنافع أو تعاطف الآخرين.

أخشى أن يصبح إصرارنا على الشكى والبكى واستعطاف الآخرين عقيدة يمنية جديدة في علم السياسة كوسيلة مثلى للتمسك بكراسي الحكم أو التطلع إليها.. أخشى أن نستمري هذه الحالة حتى نصل إلى اليوم الذي نبكي فيه معاً على اليمن ولكن بعد فوات الأوان تماماً كما بكي أمراء طوائف الأندلس فلم يورث بكائهم إلا لعنت التاريخ (أبكي مثل النساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال) وهذا هو مربط الفرس.

تحليل الصورة كمشاهد متحركة لا يعني تسطيح الأزمة أو محاولة لنبش بارقة أمل في ركام الزيف والفشل ولا يقلل ايضاً من أهمية بعض النقاط التي جرى الاتفاق عليها في محضر النوايا فهي جيدة إلى حد كبير بالنسبة لأحزاب المؤتمر والمشترك على وجه التحديد ولكن اللجوء إلى تحليل الصورة هو محاولة للتنبيه إلى ما ينقص المشهد لتفادي تكراره في المستقبل على افتراض أن هناك من يقرأ بشكل جيد بعيداً عن العنجهية والتخبط والاستخفاف بالحالة الراهنة التي تدمر الوحدة والبلد.

أهم ملامح المشهد:

-الاتفاق في حد ذاته يبعث على التفاؤل على الأقل لأننا بحاجة إلى أن نهدأ قليلاً من التوتر ربما في الأجواء الهادئة يمكن أن يفكر الناس بشكل جيد لإنقاذ السفينة من الغرق.

-غياب الأطراف الأخرى من المشهد لا يقلل من أهمية قضاياهم أو مكانتهم في المعادلة فالموجود على الأرض هو من يملي شروطه في نهاية المطاف وغياب أطراف فاعلة يضيف عبء كبير على الموقعين وهو إقناع هؤلاء بهكذا حوار فلا يكفي أن يقتنعوا هم بل عليهم أن يقنعوا الآخرين قبل السير في خطوات التنفيذ المتفق عليها بالمناسبة تذكرنا الصورة بحكاية الذي فكر أن يتوسط بأحد الوجهاء ليخطب لأبنه بنت السلطان فقال له نحتاج أن تتوسط لنا في موضوع قطعنا فيه 50% نريدك أن تكمل الـ50% الباقية قال له كيف قال له أنا وأبني موافقين أن نزوجه بنت السلطان وهذه 50% باقي عليك إقناع السلطان وبنته ونكون أنجزنا الـ50% الباقية.

-صورة تحلق قيادة الدولة والحزب الحاكم لوحدهم حول (الكيكة) للاحتفال بيوم 17/7 ذكرى تولي الرئيس الحكم في 1978م التي أعقبت صورة التوقيع بثواني على شاشة أحد القنوات الإخبارية أعطت انطباعاً سلبياً عن نوايا المؤتمر تجاه نصيب المعارضة في البرلمان القادم هذا إن لم يتم التأجيل ليدخل برلمان العميد يحيي الراعي موسوعة جينز في التمديد والعبث بالدستور.

-دائماً يبدو الدكتور الإرياني لاعباً محترفاً في مطبخ الرئيس لإدارة الأزمات تماماً كما وصفه أحد الأصدقاء قال "الإرياني كأنه لاعب في فرقة المقابيل" يقصد فرقة تراث شعبي في الإمارات اللاعب فيها يرمي ببندقيته إلى أعلا ثم يدعها تهوي ويلتقطها قبل أن ترتطم بالأرض ثم يرميها إلى أعلا ثانية ثم يمسك بها قبل أن تتحطم على الأرض بسنتي مترات قليلة وهكذا هو الإرياني يرمي بالأزمة إلى أعلى ثم يلتقطها قبل أن تنفجر على سطح الأرض بالمناسبة توقيعات الإرياني لا تذهب سدى بدليل أن اتفاقية الدوحة عادت إلى الحياة من جديد.

-ذهاب أحزاب اللقاء المشترك للاتفاق مع الحاكم دون اشتراط حضور لجنة الحوار الوطني ممثلة برئيس اللجنة والأمين العام أمر لا يبعث على الثقة فيما بين المشترك وحلفائه في المستقبل لكن شرح الظروف التي دفعتهم إلى هناك ستقلل بالتأكيد من حجم التذمر الذي أعقب الاتفاق كذلك كان من الأفضل للمؤتمر أن يعزز الموقف – إن كان ذاهباً للحوار- باستمالة حزب الرابطة وفاعليات أخرى إلى جانبه لأن الكثير من حلفائه الموجودين ارتبطت أحزابهم بظاهرة تفريخ الأحزاب وهذه مشكلة تفقد السياسي الكثير من الكارزمة المطلوبة والقبول الشعبي.

الخلاصة:

*التفاؤل مطلوب في كل الأحوال والموجودين على الأرض هم من يستطيعون إنجاح الحوار أو إفشاله وفي مقدمتهم الرئيس.

*قطار الجنوب انطلق ومهمة إيقافه تحتاج إلى عملية انقاذ ضخمة والذي مش عاجبة يوقفه بطريقته.

*مارد صعدة خرج معافا ومشاريع إعادته إلى مطرة مهمة صعبة والذي ما هو مصدق يثبت لنا العكس.

*القبيلة رقم صعب لا يمكن تجاهله في معادلة القوى ولا أحد يملك أن يجري صفقات باسمها نيابة عن الآخرين ومن يراهن على كارت معين يفضل الآن أن يحتفظ به في جيبه لظروف أخرى فمرحلة المشائخ الجوكر توارت ماتوا أو كبروا - يرحم الله الميت ويتولى الحي- هذه مرحلة توازن القدرات بين مشائخ القبائل "من يمتلك شيء يفتقد أشياء" ورحم الله شيخاً عرف قدر ربعه والذي مش معترف يقع جوكر ويروينا شطارته.


في الإثنين 26 يوليو-تموز 2010 11:08:04 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=7600