القمرية‏..‏ قمة فن العمارة اليمنية
متابعات
متابعات


تميّزت العمارة اليمنية منذ القدم بلمسات جمالية من فن الزخرفة وهي وحدة فنية تبدو واضحة الأشكال الفنية في العصور الإسلامية من خلال بناء المساجد والقلاع والأدوات الشعبية مثل الأباريق المصنوعة من النحاس الأصفر المرصّع بالفضة والذهب والنوافذ والأبواب والقمريات التي تكسو واجهات المباني.

فالقمريات تدلّ على مهارة المعماري اليمني في فنّ الزخرفة فهي من أهم مميزات العمارة اليمنية وعنصر جمالي لا يخلو منه أي بناء سواء منزل أو مسجد أو مدرسة أو مبانٍ عامة.. وهذا الفن قمة التراث الشعبي اليمني منذ أقدم العصور وقد ظل يتوارثه الأبناء عن الأجداد وتوجد عائلات مشهورة برعت في هذا الفن.

والقمرية ابتدعها المعماري اليمني، وأطلق عليها أهل صنعاء اسم‏ 'القمرية‏'‏ نظرا لشفافيتها وصفائها اللذين يسمحان بدخول ضوء القمر إلى فراغ المبني الداخلي، ويري بعض الباحثين أن سبب التسمية يرجع لبياضها الذي تتميز به لأن النور الذي ينفذ منها يكون أبيض صافيا أشبه بضوء القمر كما أن ألواح بعض النوافذ دائرية أشبه ما يكون شكلها بالقمر ليلة تمامه‏.

وتوضع "القمرية" أعلى النوافذ الخشبية لتأمين الإضاءة الداخلية بعد إغلاق النوافذ الخشبية التي يترتب على إغلاقها ليلا أو نهارا فقدان الإضاءة الطبيعية داخل المنزل، ويعكس ما كان منها يحتوي على عدة ألوان إحساساً فنياً وجمالياً.. واستخدم اليمنيون منذ القدم نوعا من أحجار المرمر شفاف خفيف الوزن يتم تقطيعه بحسب القياسات وتكون لون واحد.

وقد طور المعماري اليمني هذه القمريات باستخدام "الجُص" ورسم النقوش عليه وإضافة قطع الزجاج الملون بما يتلاءم مع ذوقه وإحساسه الفني المرهف فأبرزت القطع الزجاجية الملونة التي ملئت بها الأجزاء المفرغة في نقوش القمريات المختلفة‏.

وتعتبر صناعة العقود -القمريات- عملية فنية تنم عن قدر كبير من الإحساس العقلي والوجداني بتذوق الفن ويتمثل قمة إبداع صانع القمريات إذا عرفنا أنه يستخدم آلات بسيطة وبدائية لا تتعدى السكين وبعض آلات الحفر الأخرى ليخرج أشكالا فنية وزُخرفية رائعة الجمال ومتعددة الأشكال كأنها لوحات فنية رائعة تتزين بها المنازل وتدخل على النفس البهجة والانشراح‏.‏

صناعة العقود

يقول محمد عبد الحميد الباشا أحد العاملين في صناعة العقود:

-القمريات-‏:‏ "نقوم بجلب ‏'الجُص‏'‏ وهو المادة الرئيسية لصناعة العقود‏ من مقالع منتشرة خارج صنعاء، وبعد طحنه نخلطه بالماء ثم نتركه حتى ما قبل التجمّد، ثم نقوم بصبه على لوح خشبي بأبعاد معينة تحوي مساحة القمرية، بعدها نقوم برسم القمرية وتحديد شكلها الخارجي بآلة ‏'الفرجار‏'‏، وتأتي بعد ذلك عملية رسم الزخارف والنقوش باستخدام السكاكين والفرجار الصغير ثم نقوم بعملية الحفر لإظهار الزخارف، ثم تترك القمرية لمدة يومين حتى تجف وبعدها نزيحها عن اللوح الخشبي ونضعها على أرضية ناعمة وتبدأ مرحلة تثبيت الزجاج، والمرحلة الأخيرة هي مرحلة النظافة الكاملة بإزاحة وتنظيف بقايا طبقة الجُص المثبت للزجاج لإظهار زخرفة القمرية في صورتها النهائية"‏.‏

أشكال زخرفية

أما الأشكال الزخرفية فهي كثيرة ومتنوعة‏ -كما يقول عبد الحميد علي الباشا- وتعتمد بالدرجة الأولى على موهبة وخيال صانع القمرية -أو العقود كما يطلق عليها حاليا- ورغبة الزبون الذي يحدد الشكل الزخرفي الذي يريده قبل البدء في صناعة القمرية‏، ومن الأشكال "ياقوتي - روماني - شعاع - زنجيري - مقبب - أبوحوتي "، والأصل في بناء العقود هو رفعها وهذه أصول فن العمارة اليمنية، كما في صنعاء القديمة والقصور القديمة كبيرة مرتفعة ما جعلها تزهو بجمال مغري وتحافظ على البهجة وجمال المنظر في إبداع صانع العقد في التقسيم ورسم الأشكال.

منظر جمالي وإضاءة

والعقود لها منظر جمالي في البناء وأهمية في تأمين الإضاءة الداخلية للمنزل فهي تعكس أشعة الشمس في النهار، وتعكس الإضاءة في الليل مناظر خلابة فتبدو كورود ملوّنة بعدة ألوان مدرجة على أشكال جميلة تبعث البهجة الراحة، منها الأزرق والأخضر والسوسني والأصفر، واختيار الألوان بعناية يعطي ألوانا زاهية عندما تمتزج الألوان في بعضها وتتشابك فتعكس الإضاءة ألوان زاهية رائعة الجمال.

أصول الحرفة

وتعود أصول هذه الحرفة -كما يقول الباشا- لليهود اليمنيين الذين أبدعوا في هذه الحرفة واشتهروا بالدّقة ورسم لوحات فنية وأشكال متميِّزة رائعة الجمال، كما معظم الصناعات الحرفية في اليمن.

الحفاظ على التراث

ويقول عبد الحميد الباشا إن البناء حاليا يتم بدون مراعاة قواعد البناء في العمارة اليمنية وإنها تقضي على التراث. كون البناءين ليس لديهم خبرة والجهات المعنية بالحفاظ على التراث لا تؤدي واجبها على الشكل المطلوب من حيث التعريف بقواعد فن العمارة اليمنية، وعقد دورات للبنائين والحرفيين الذين ليس لديهم خبرة.حيث يتم بناء العقود بطريقة خطأ ويتم وضعه مباشرة فوق كرنيش النافذة والأصل أن يتم رفع صف فوق الكرنيش من جانبي العقد وعلى هذه القياسات يتم تصميم العقد فيكون مرتفعا ذا منظر جميل.

أما وضع العقد مباشرة فوق كرنيش النافذة فيكون صغيرا فاقدا لجمال المنظر ولفائدته في الإضاءة ويكون عبارة عن نصف دائرة أو أقل وحاشية العقد تأخذ مساحة وتقل الفتحات فيه فتقل الإضاءة، فالبناء السليم يوفّر مساحة للإضاءة وجمال المنظر ويعطي مجالا لصانع العقد أن يرسم الأشكال المتعددة والمعاشر والشجر، فالناحية الجمالية هي في العقد وليست في النافذة، وكلما زادت مساحة العقد كان أفضل كما في البناء القديم تجد ارتفاع العقد أكبر من ارتفاع النافذة.

وحاليا كثيرون لا يهتمون بقواعد البناء فبنايات كثيرة مشوهة المنظر لأنها مبنية بدون مراعاة للقواعد العمارة اليمنية، حيث يتم تركيب العقود مباشرة على كرنيش النوافذ وأيضا مقلوبة من حيث الواجهة والخلفية، فيجعل الواجهة في الخلف والعكس.. وهذا يراكم التراب على حروف العقد، وبالتالي لانسداد الفتحات المجال أمام الضوء للمرور، والصحيح أن يتم تركيب العقود الخارجية بجعل واجهتها للداخل والجهة الخلفية من العقد باتجاه الخارج؛ لأن الواجهتين تختلفان من حيث المساحة البارزة بعد وضع الزجاج، فالخلفية تكون أقلّ بروزا من الواجهة، وهذا يجعل الرياح تُساعد في تنظيف العقد باستمرار وتزيل الأتربة المتراكمة وتنظفه تلقائيا.

صحيفة السياسية


في الإثنين 20 سبتمبر-أيلول 2010 05:55:55 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=7937