جامعة مفتوحة .. لا بد أن تُغلق
بسام بن علي الحامد
بسام بن علي الحامد

هي جامعة كبيرة فسيحة لا حدود لها ، يقضي الطلاب فيها سحابة النهار ومعظم الليل ، ليس لهم وقت معين أو فترة دراسية معلومة ، ومع ذلك فهم يدرسون ويستمتعون حتى في قيظ الظهيرة وحر الهاجرة وأشعة الشمس اللاهبة وظلمة الليالي الدامسة .. فترى الطالب يخرج من بيته - لايلوي على شيء- يأوي إلى فصل من فصولها أو قاعة من قاعاتها ، حتى لكأنها وكأنهم روحين في جسد واحد ، أو كأنها وكأنهم بيت وأسرة واحدة !!

 ولكن استمرارها بات يؤرق كل عاقل صبور ذي مروءة غيور .. بل لست أبالغ إن قلت: بات يؤرق المجتمع بأسره ويهدد قيمه ومبادئه وكيانه .

إنني أعني بذلك " ظاهرة الجلوس على الطرقات" التي يصح لي أن أسميها بـ" الجامعة المفتوحة" بكل مايعنيه هذا المسمى من معنى ، والأركان والزوايا والأرصفة هي القاعات والفصول الدراسية فيها .

ولست هنا أعني أحدا بعينه ، ولا الحديث عن هذه الظاهرة يعني احتقار أصحابها أو الحط من شأنهم ؛ كلا والله ولكني هنا أعالج قضية وأناقش ظاهرة وماأريد لي ولهم ولمجتمعنا إلا الخير والصلاح والتوفيق والنجاح { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }( هود 88)

وتأصيلاً لهذه المعالجة أقول:

ثبت عند البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إِيَّاكُم والجلوسَ في الطُّرُقات، فقالوا : يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بُدّ ، نتحدَّث فيها ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : فإِذا أَبيتُم إِلا المجلسَ فَأعْطُوا الطريقَ حقَّهُ ، قالوا: وَمَا حَقُّ الطريق يا رسولَ الله ؟ قال : غَضُّ البصرِ ، وكَفُّ الأَذَى ، وردُّ السلامِ، والأمرُ بالمعروفِ ، والنهي عن المنكرِ». ، ،

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- شارحاً : "وقد تبين من سياق الحديث أن النهي عن ذلك للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء الحق الذي عليه , وأشار بغض البصر إلى السلامة من التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن , وبكف الأذى إلى السلامة من الاحتقار والغيبة ونحوها , وبرد السلام إلى إكرام المار , وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع مالا يشرع"  ( فتح الباري 6/286 )

وأضع بين يدي القارئ شيئا آخر مما يتعلمه الدارس في "الجامعة المفتوحة" مما يؤكد الغاية والمقصد من قوله صلى عليه وسلم :{ إياكم والجلوس في الطرقات...} ، من ذلك :

1.  عشق البطالة: فهذه الجامعة تعود طلابها البطالة والبعد عن تحمل المسؤولية فترى يوم الطالب يمضي وهو أبداً من رصيف إلى رصيف ومن ركن إلى آخر ليس عنده إلا الكلام و"القات" و"الشمة" و"الدخان" واللعب واللهو .. أما أن يتحمل مسؤوليةً في بيته أو يقضي حوائج أهله، أو يعاون أباه أو يساعد أخاه فلا ولا وألف لا .. فذاك من سابع المستحيلات كما يقولون !!.

2.  قبائح الألفاظ : قاموس طويل من السباب والشتائم والتجريح ؛ هو ما يصافح سمع الداخل إلى وسط تلاميذ الشارع .

ولذا كان هذا الدرس أول الدروس وأسهلها في الجامعة ، ومن عجيب الأمر أنك ترى الواحد منهم لا يحيي صاحبه إلا بسبة أو لعنة فهو يقول له : "وينك ياحيوان ؟! " و"تأخرت يا حمار ؟!" ووو إلخ .... !!

فإذا كان الذي يحييك يسبك .. فكيف بالذي يعاديك ؟!! اللهم رحماك .

وأسوأ من ذلك ؛ أنك تسمع سب الوالدين وشتمهما ، وكأنهما قيد للحرية وكبت للرغبات الشخصية ، بل ربما تجرأ بعض أشقيائهم على سب الله أو سب الدين أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ردة عن الإسلام وخروج منه من أوسع الأبواب والعياذ بالله {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) } التوبة .

3.  رذائل العادات : يتعلم الطالب- منذ صغره- : "الدخان" و "القات" و "الشمة" و"السوكة" و"الزردة" و"التمبل" ووو... ، ويعتاد لبس الشاذ من اللباس الذي لا يتنافى مع الذوق والمروءة فحسب ؛ بل يتنافى مع الرجولة أحياناً ، وما سراويل :( طيحهم !! ) عنا ببعيد .. ناهيك عن (عجائب الدهر في قصات الشعر) ، وغير ذلك من العادات التي لايرضاها دين ، ولايقبلها عقل ، ولا تستسيغها المروءة ..

4.  إلف المعصية والمجاهرة بها : لكثرة ما يرى الشابُ من المعاصي والخطايا فإنه يألفها ويتعود عليها، وتصبح بالنسبة له أمراً مالوفاً عادياً ، فيتحول المنكرُ الى معروف والمعروفُ إلى منكر ، بل ماهو أشدُّ من ذلك وأنكى ؛ أن ترى الواحدَ منهم يُجاهر ويفتخر بمعصيته وجرائمه التي سترها الله عليه فيقول لجلسائه : بالأمس فعلتُ كذا ، وذهبتُ إلى كذا ، و"لطشتُ" كذا !! ، و رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « كل أمتي معافى إِلا المجاهرون، وإن من المجاهرة – وفي رواية أخرى وإن من الإجهار - أن يعمل الرجل بالليل عملاً ، ثم يُصبح وقد ستره الله. فيقول: يا فلان، عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا . وقد بات يستره ربه فَيُصْبِحُ يَكْشِف سِتْر الله عنه». البخاري ومسلم.

5.  إهانة الوقت : فما أكثر ما تسمع من طلاب هذه الجامعة قولهم : " نريد أن يمر الوقت " ، و "فارغون ما عندنا شيء" ، و"نواسي بعضنا" ... إلخ .. والحقيقة أنها ساعات تهدر ، وأيام تضيع ، وأعمار تزهق, وإذا ضاع وقت المرء ضاع عمره واذا ضاع العمر فقد خسر الدنيا والاخرة

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع

6.  عصيان المجتمع  :  تقول الجامعة للطالب : إنك إذا أردت أن تكون رجلاً فعليك بالآتي:                    

"لاتهتم بأحد وافرض رأيك على كل أحد" , "ارفع صوتك على أبويك ولا دخل لجارك فيك" , "لا تحترم ذا الشيبة الكبير ولا تأخذ بنصيحة المشفق الخبير" , "لاتبالي بإزعاج الآخرين -وإن كانوا أقرب الجوار- وتمرد على قيمك و مجتمعك فأنت الفارس المغوار" ، "لاتستح من النظر إلى النساء وغازل منهن من تشاء" , "لاتتردد أن تجلس أمام الدكاكين تناظر الغادين والرائحين ، أو أمام بيوت الساكنين تراقب الداخلين والخارجين أو تحت نوافذ الآمنين لتضايق المسنين وتوقظ النائمين" !!.

7.  الاستعداد للجريمة : يتعلم الطالب فيها فن الجريمة ، ولكن رويداً رويداً ( حبة حبة ) !!

يبدأ الأمر باحتيال على صاحب دكان أو باص أجرة أو طفل صغير ، وينتهي به الحال إلى السرقة المنظمة

يبدأ الأمر بشرب دخان ومضغ قات وأكل شمة ، مروراً بالحبوب المشؤومة (دايزبم وأخواتها) ، وينتهي إلى المسكرات والمخدرات ..

يبدأ الأمر بمغازلات فاتصالات مروراً بمقاطع النت والجوالات وينتهي إلى الزنا والمحرمات ..

 وهذه ليست مبالغات كما قد يظن البعض - لبعدهم عن الواقع أو لتساهلهم- ولكنها الحقيقة و الواقع بل قد يقول قائل ممن يراقب ويتابع : إن ماخفي كان أعظم !!

وإذا كان الأمر كذلك -وهو كذلك- ؛ فما تقولون ياكرام في هذه الجامعة ؟! وماترون فيها ؟!

أليس من الواجب أن نخرج أبناءنا وشبابنا منها ؟ وأن نسعى لإنقاذهم بإغلاقها ؟!

ولكن السؤال الكبير الذي ينبغي أن يطرح : ما الذي دفع بشبابنا للجلوس في الشوارع والطرقات والأركان والزوايا كأن لا بيت لهم ولا مأوى ؟ .. إن الجواب أيضا كبير كبير ، وليس بعسير ، بل والله يسير يسير ، وأكتفي منه بإيماء عميق ، وتساؤل دقيق ، ورسالة من شفيق .

 فأما الإيماءفهو لأن واقعنا بعيد كل البعد عن قوله صلى الله عليه وسلم : (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكمْ رَاعٍ وَكُلُّكمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) البخاري ومسلم ، وعن قول الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : (لو أن بغلة عثرت في العراق ؛ لسألني الله : لِمَ لَم تمهد لها الطريق ياعمر ؟) !!

وأما التساؤلفهو : ما الدور الحقيقي لوزارة التربية والتعليم ووزارة الشباب والرياضة ووزارة العمل ؟

  البطالةالتي تتصدر بها اليمن القوائم العالمية سبب أساس في استمرار وبقاء "الجامعة المفتوحة" !!

وخلق فرص للعمل جزء أكيد من الحل .. فأين هي وزارة العمل ؟!

البرامج الجادة والهادفة التي تحفظ أوقات الشباب وأعمارهم وتحفظ قيمهم ودينهم وتطورهم وتنميهم هي جزء آخر من الحل الصواب .. فأين هي وزارة الشباب ؟!

أما وزارة التربية والتعليم فحدث عن غياب دورها ولا حرج !! ، فماذا يستفيد الطلاب من مدارسها التي لم تعد تؤدي دورها بالشكل المطلوب إلا فيما ندر ؟!-والنادر لا حكم له- ، وماهو مستقبل الجيل والواقع أن لا تعليم ولا تأهيل ؟! ، ولماذا لا يرسل ""علية القوم"" أبناءهم إليها إن كانت صالحة ؟! ، وكيف يمكن أن تكون صالحة و (90000) مدرس غير مؤهل من الناحية التربوية والتعليمية بحسب تصريح الوزير نفسه الذي نشر قبل أيام قلائل في صحيفة أخبار اليوم ؟!!، ولعل الواقع يشهد من خلال النتائج النهائية والمخرجات الأخلاقية والعلمية أن هذا الرقم أقل من الحقيقة (مع احترامي لكل الأُطُر والهامات الشريفة في الوزارة رجالاً ونساءً الذين يحاولون ويحاولون -لكن دون جدوى- ليرضوا ربهم وضمائرهم ولا عتب عليهم لأن حالهم كمن :

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له : *** إيـاك إيـاك أن تبتل بالماء !! .. )

وأما الرسالةفهي :

إن الواجب على الجميع أباءً وأمهات ، أقارب وجيران ، علماء ووجهاء ،كتّاباً ومثقفين ، أئمة وخطباء ، تجاراً ومسؤولين -كل في مكانه ومجاله وموقعه-؛ أن يتحملوا مسؤوليتهم المباشرة تجاه هذه الظاهرة : "الجامعة المفتوحة" ، وأن يسعوا وبكل مايملكون ويستطيعون –وهم يملكون الكثير- إلى إيجاد الحلول السريعة والكفيلة بإغلاقها ، والقضاء على شرها ، والحد من تأثيرها على أبنائنا وشبابنا ، لأنهم أغلى ما عندنا فهم الحاضر والمستقبل ، وكما قيل : أنبئني عن شباب أمة أنبئك عن مستقبلها ..

أسعد الله أوقاتكم !

Abuhamed1000@hotmail.com

 
في الإثنين 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 07:40:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=8227