فتحي أبو النصر..شاعر متمرد تاه في سياسة يصنعها الأغبياء
نجيب غلاب
نجيب غلاب

غادر هوية القرية فاخترع هوية جديدة، هو أكبر من الحيز المخنوق بالعصبية، أنه صوت وطن مخنوق بالجنبية واللحى الفاسدة، أبو النصر ضياء وطن لم يولد بعد، فتح أنساني يتفجر كمطر مقدس، غاص في صراعات اللحظة السياسية فنسي مشروعه المسكون بالمستقبل المختلف، هرب إلى من يشبهه، لم يجد نفسه في وطن يقدس الزامل والبرع، فضاء العصر الالكتروني عالم من خيال شاعر، بناء مدينته الفاضلة بلغة لا يفقهها الأغبياء، نسج الحب أنشودة لها لغة مستحيلة، متصوف في مادية لها روح الثورة، عقلاني مسكون بالتمرد.

صراحته دبلوماسية متهورة، وقلمه سيف معجون بالثورة أن غضب، قلم يعشق الفقراء، يبحث عن زمن لم يحن موعده، يطارد نفسه في أفق مجهول، براءة الشعراء ذكاء مصبوغ بالدمع والقلق الأبدي، هادئ يشتت قلقه بالصراخ المهووس بالموقف الصارم، لا تدرك انتمائه، لا يمكن تصنيفة في خانة، حداثي تائه في ما بعدها.

في قبيلة المثقفين يبدو كزعيم مسكون بالضياع، حقائق الأيام أفسدت حلم الطهارة، متوحدا بروح وطن يبحث عن ذاته بلا أمل، متواضع بغرور قديس متعاطف مع عدوه ان ألمح فيه ضعف، فوضوي في خياله، أنه طائر نورس له روح صقر، ربما يغدو المثقف في صراع الساسة متوحش، أليس الشعر وحش بلا أنياب، طفرة نورانية في باطنها غموض من سواد، رصاص من كلام، زهور من عشق، زهو فارس يقاتل بالحروف، فجر من ظلمة الليل، هذيان يموج كبحر في فضاء بلا جاذبية، أليس الشاعر عاصفة لها ألف لون، نسمة لها مليون صوت، روح تنسج الحياة بإرادة الانفعال، حافز يبعث في الموتى صورة الحقيقة، صلاة كل يوم لها رائحة جديدة.

فتحي شاعر من عصر جديد، لغته تصبغ المعاني بضوء قمر قادم من خارج فضاءنا المألوف، أنها تسابيح عبقرية قادمة من محراب اليأس والأمل، أي شيء يمكن أن يشفى صمت بركان مكبوت، أنه حر يقول ما يشاء لا يهتم كثيرا لشيطان الخوف، يصعد وحيدا بلا رفاق، الشعر حرية لا تغتصب.

يساري مصبوغ بالقهر، لا شيء يوحي بالتفاؤل، ليبرالي مسجون بفتاح ذي يزن، وعي شقي يسرح في بلد تقليدي لم يتذوق طعم النور، فتحي مهاجر في سجنه المفتوح، جدران التخلف تحاصره كلعنة أبدية، يبدو لي أنه لم يعدّ يهتم كثيرا بم ستؤول إليها الاحداث، لا فرق فالوحش واحد وان اختلف الوارث، ربما يراهن على أمل مفقود.

مستقبل اليسار مقيد بماضيه، بأوهام التنظير، لا فكر يعمل في سوق نخاسة، أي أفق يمكن ان تخلقها صفقات الساسة التجار، لا يمتلك الحزب تاجر محترف، اليسار يأكل نفسه في فسحة الحلم الباحث عن ثورة تولدها تناقضات الوحوش، صبرا آل اليسار المذبوح، الجنة الموعودة وهم، السياسة فن يدار بكرامة مفقودة، مبدأ يحكمه واقع الحال، ربما يتخلق الزمن بحلم جديد.

يبدو لي في بلد بلا مشروع أن مجد السياسة حقير، ومجد الشعراء أبدي، ليذكرني أحدكم كما قال نزار بوزير المالية في عهد شكسبير، الخلود يصنعه مثقف حر أما ساسة الفيد والغنيمة فاوباش بلا هوية وغدهم سراب، لن يغادر فتحي سراديب السياسة، نقي في مسرح عبثي، كارثة لا مفر منها، أنه شاعر غارق بأحلام حزب له حلم نهضوي كبير، يبدو لي في مساراته الأخيرة مع الاعتذار لأحلام الكبار كديكور في عسيب شيخ وحناء في لحية أصولي، أقولها صريحة أن سلطة القهر الفكري والاجتماعي أشد نكاية ووطأة من سلطة عسكري احترف السياسة، ربما يتولد الخير من أهون الشرين.


في السبت 19 فبراير-شباط 2011 11:14:58 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=9176