دولة عسكرية، قبلية ، دينية ام مدنية‎
بكر احمد
بكر احمد

مربك جدا ما حدث في الأيام الماضية، فقد تسارعت الأحداث بشكل متتالي وأصيب الكثيرون بنوع من الحيرة والقلق جراء انضمام علي محسن الأحمر المفاجئ لثورة الشعب والتي تلتها انضمام عدد كبير من قادة وضباط الجيش اليمني و الحرس الجمهوري وأخرها هي القاعدة الجوية في الحديدة، وجاء انضمام العسكر بعد مشائخ القبائل و مشائخ الدين ، وهذه التكتلات الثلاث تمثل الخطوط العريضة التي حكمت أو تحكمت باليمن بشكل متداول فيما بينهم، وهم و بكل أشكالهم وأن بدت مختلفة تشترك بخاصية النظرة الطبقية والتصنيف بين فئات الشعب، حيث يرى كل فصيل منهم بأنه يتميز عن باقي الفصائل الأخرى وأنه الأفضل سواء كانت هذه الأفضلية مهنية كما هو حادث بالنظام العسكري أو عرقية كما هي نظرة شيخ القبيلة أو دينية كما يراها رجل الدين، وجميعها تمثل أمثلة لأنظمة قروسطية أو ديكتاتورية لم تعد ملائمة لما يتطلع له الشعب اليمني صاحب الثورة الحقيقية في الشارع والتي يقودها الشباب الأكثر وعيا وثقافة وبات يرفض هذا التعالي تحت أي مسوغ كان، إنه وبكل سهولة يطالب بدولة مدنية تقوم على أساس المواطنة ولا شيء آخر غيرها .

والمدنية تعني أنها نظام اجتماعي يقوم على مجموعة من التنظيمات التطوّعيّة الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السّليمة للتنوّع الخّلاق وهي قبل ذلك تعني نظام يقوم على المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة كلها تعمل ضمن أطر ديمقراطية تقوم على التداول السلمي للسلطة، وهذا ما كان معطل منذ بدء الخليقة بالنسبة للشعب اليمني إذ لم يذكر لنا التاريخ ولو لمرة واحد أنه تم تداول السلطة بشكل سلس، وأسوء النماذج المتمثلة أمامنا والتي جمعت العسكر والقبيلة والدين في بوتقة واحده هو النموذج المتمثل في شخص علي عبدالله صالح، لذا نتج وخلال مدة حكمة الطويلة عن أسوء أنواع التركيبة للدولة المعاصرة، فهي لا تشبه أي شيء عدى إنها كتل مركبة وارتجالية مع حرصه الشديد على عدم ظهور شيء مميز ومتسق مع النظام والقانون، وهذا ليس بمستغرب عن إنسان يتسم بالفكر السلطوي المتمركز حول كرسيه وكيف تثبيت أركانه أطول فترة ممكنة .

الدولة المدنية تقوم في أساسها على احترام الإنسان كونه الأداة الأهم والأغلى في الوطن، وعلى هذا المبدء تتعامل معه ويتم سن القوانين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتلبي إحتياجته وتطلعاته ورغباته وتؤمن له ضرورياته مثل التعليم الحقيقي والمتطور والمواكب لكل جديد والصحة التي يعتمد عليها كأحد حقوقه المكتسبة والعدالة الاجتماعية المتمثلة في توفير العمل عن طريق ماكينة اقتصادية تحفظ حقوق العالمين فيها، وهذه الدولة لا تقبل إطلاقا تمايز مذهب على آخر أو تعالي طبقة عرقية أو جهوية على أخرى، هي تضع الجميع تحت خط القانون وتعاملهم من منطق إنساني بحت فارضة إرادتها المدنية على الجميع .

شباب الثورة يعرفون جيدا ما أقوله، بل أنهم هم من يحمل مشروع المدنية وأن أساس ثورتهم هو إنشاء دولة جديدة مختلفة عن كل النماذج السابقة، هم شباب مثقف وواعي ويمثل الصورة الأنصع ليمن طالما حاول الرئيس طمسه وإظهارنا كشعب متخلف أما قبلي يحمل سلاحه حيثما ارتحل أو متطرف أو إمامي ملكي، إلا أن هذه الثورة ومنذ بدايتها القريبة وحتى الآن استطاعت وبشكل مذهل أن تمحي كل المخلفات التي ظل النظام يؤكد عليها لمدة ثلاثة عقود مضت، فأظهر الوجه المدني الراقي والسلمي والمنظم في التعامل السياسي رغم كل الاستفزازات التي كانت تواجههم، إلا أن انضمام فرق عسكرية وقادة على مستوى عالي قد يرسل إشارات وتخوف من أن هذه الثورة قد تنحرف عن مسارها وتتجه إلى مكان آخر لا يقل سوءً عن ما هو كائن الآن، فدائما من يختطف الثورة هي الجهة الأكثر تنظيما ونفوذا وقوة وليست الأكثر ولاءً فالمبادئ والقيم أن لم تكن لها أدواتها لتحميها حتما ستخسر المعركة أمام القوى الأخرى المتربصة .

ونعترف هنا أن الشباب القائمون على هذه الثورة الطاهرة هم مستقلون لا يجمع بينهم إلا الوعي العالي وحب هذا الوطن والرغبة الصادقة في تغير الأوضاع، إلا أن هذه العوامل ورغم نزاهتها وروعتها تظل عوامل لا تقوى على الحضور الفعال في خضم هذا البحر السياسي الهائج على المسرح اليمني،وخاصة أن التعويل على الأحزاب اليسارية في اليمن هو أمر لم يعد مطروح، بعد أن تنازلت هي نفسها عن كل قيمها لصالح الطرف الديني الذي لديه مواقفه الرافضة تجاه الدولة المدنية ،والأوضاع وأن استمرت أكثر وتصاعدت دون أن يبادر الشباب بتنظيم أنفسهم تحت مظلة مشتركة كحزب سياسي يفرض وجوده كرؤية تحريرية حقيقية لها مكانها الأكثر تأثيرا على الساحة والدليل هو مقدرتها على تحريك الشارع بشكل فعال ومؤثر، فربما تئول الأمور إلى أماكن أخرى أكثر ظلاما.

الدولة المدنية هي شرط أساسي ومهم لليمن الجديد، فأن لم ننجح في ذلك، فهذا يعني أننا لم نثور ولم نقدم شهداء، فلا تنازل عن هذا الشرط مهما استدعت الأمور، فهذه دولتنا وهذا شباننا وهم من قرر وهم من قام بالثورة وهم من قدم دمائه، فلا تسمحوا أبدا لأي منهم أن يتجراء على سرقة ثورتكم وسرقة يمننا الوليد الذي اطل برأسه كضوء الشمس المديد.


في الأربعاء 23 مارس - آذار 2011 03:01:06 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=9588