اليمن : الأزمة وآفاق الحلول
السفير/د. علي عبد القوي الغفاري
السفير/د. علي عبد القوي الغفاري

د . علي عبد القوي الغفاري

يتابع المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية الوضع الراهن المقلق والخطير الذي تعيشه الجمهورية اليمنية هذه الأيام ، ولأنه مقلق وخطير فإن المركز يدرك أن إستمرار الوضع كما هو قد يؤدي بالجميع في نهاية المطاف إلى مواجهات عسكرية وحرب أهلية لا ينجو أحد منها ، لا في القرية ولا في المدينة (ومن طاقة إلى طاقة ) كما ذكر الرئيس علي عبد الله صالح قبل عامين ( ومن زنقة إلى زنقة ) كما ذكر العقيد القذافي إبان ثورة 17 فبراير الليبية ، والمؤسف أن حرباً أهلية على أشدها تدور رحاها الأن في ليبيا الشقيقة بين الثوار الأحرار وكتائب العقيد القذافي وهو درس علينا في اليمن إستيعابه .

ونعترف إن حدث في اليمن ما حدث في ليبيا – لا سمح الله – فإن ذلك قد يؤدي إلى تمزيق البلاد إلى أقاليم وشظايا من الصعب لملمتها ، ويصبح اليمن الموحد كما هو حال الصومال اليوم .

ونعترف أيضاًَ أن المشاكل والصعوبات التي تعاني منها بلادنا كثيرة وكان على قادة البلاد ومفكريها وعقلائها معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها ، إلا أن ذلك لم يحدث .

ولأن الوضع الحالي الذي تعيشه بلادنا على إمتداد الأشهر الثلاثة الماضية شبيه بالإستعدادات والتمترسات التي أدت إلى حرب 1994 م مع الفارق أن ثورة التغيير سلمية وشبابية وشعبية ، وبرغم سقوط عدد من الشهداء والجرحى في ميادين وساحات التغيير ، إلا أن الوضع الراهن من يوم إلى أخر يزداد تعقيداً وأكثر خطورة من أي وقت مضى ، كما أن الحلول المرجوة والمطلوب تحقيقها من السلطة والمعارضة قد أصبحت في غاية الصعوبة ، والخوف كل الخوف إن فشلت جهود الأشقاء في الخليج ومجلس الأمن ووساطات الدول الصديقة ، فليس من السهل إن فلتت الأمور من أيدي من بيدهم أمور البلاد من الحكماء أن تعود الأوضاع كما هي عليه الأن ، وبالتالي فإن على الدول الشقيقة والصديقة أن تحرص وتسارع في القيام بواجبها قبل وقوع الكارثة التي لا مفر منها إن ظلت الأحوال والأوضاع كما هي عليه الأن ، ومن المخجل جداً أن اليمن الذي توحد عام 1990 م يجزأ ويقسم من جديد بسبب المصالح الفردية والأنانية الضيقة من أجل السلطة والثروة ، ولا نعتقد أن ثورات التغيير القادمة رياحها من تونس ومصر هي الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه ، فالأسباب الرئيسية هي الأوضاع المزرية التي وصلت إليها بلادنا أكثر من غيرها ، لا سيما المستوى المعيشي والفاقة ، والفساد الذي ترعرع دون رادع وإنتشار البطالة في أوساط الشباب الذي طال غالبية أبناء الشعب ، وكان على الحكومات المتعاقبة معالجة هذه القضايا من خلال القوانين التي شرعت ، وعلى كل حال فإذا كانت ثورات التغيير في تونس ومصر قد حققت الغايات من قيامها فالفرق شاسع بين اليمن والبلدين الشقيقين ،... نعم لقد تم تحقيق الأهداف المرجوة في مصر وتونس وتم معالجة الكثير من مخلفات بن علي ومبارك ، فقد غادر بن علي دون رجعة ودون خسائر ، وها هو مبارك الذي أصر على البقاء في الحكم يقبع تحت الحراسة المشددة وقد بدأ التحقيق معه وأنجاله وكبار المسؤولين وسيقدم قريباً إلى المحاكمة إن ثبت ضلوعه في ما نسب إليه ، إلا أن ظروف اليمن يعرفها القاصي والداني تختلف عن مصر وتونس ، فمصر لا ينقصها الكفاءات في مختلف المجالات ومؤسسات الدولة قائمة والجميع يحترم النظام والقانون ولمصر مكانتها الدولية والحال كذلك بالنسبة لتونس حيث الإقتصاد القوي والكوادر المتعلمة وقدرة أبنائها على رأب الصدع ورص الصفوف وهو ما حدث. وإن تمادينا في عدم إيجاد الحلول المناسبة لأوضاعنا بصورة سريعة لا تأجيل فيها ولا تأخير ، فقد نذهب جميعأً إلى المجهول ، غير أن شواهد الماضي تدل على حكمة اليمنيين ساعة الصعوبات والأزمات كما يقول عنا أخواننا في مجلس التعاون الخليجي وفي الوطن العربي الكبير ، فهلا عملنا بما هو معروف عنا ؟

وها هو اليمن اليوم يمر في هذه المرحلة الخطيرة فالسؤال هو أين الحكماء وأين المشائخ وأين العلماء وأين أولي الأمر من الأزمة الكائنة ؟ وما لم نحكم أنفسنا وتعلو مصلحة العباد والبلاد فوق كل المصالح والإعتبارات فمن الصعب بعد ترميم وحدة البلاد التي تعتبر أكبر منجز وأكبر مكسب حققته اليمن منذ عام

1839 م - أن تتوحد اليمن مرة أخرى ولو حتى بعد مائة عام أو يزيد ، وبالتالي لا بد من المحافظة على ما تم بناؤه وتشييده خلال الـ 47 عاماً الماضية .

ونعتقد أن المطالب التي تقدم بها شباب الثورة والقوى الوطنية المختلفة مشروعة لأجل تصحيح المسار ليمن جديد – يمن الحرية والثورة والديمقراطية والعدالة والمساوة والمواطنة المتساوية وصولاً إلى إدخال الإصلاحات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتنموية وقيام دولة مدنية ديمقراطية قولاً ُ وممارسة ، وتسخير المال العام للتنمية البلاد في مشاريع مختلفة ، ونعترف أن التحديات كثيرة ونجد صعوبة في حلها في وقت واحد ، غير أنه من الراجح جداً الإجماع الوطني والشروع لوضع برنامج يعالج كافة القضايا التي تتطلب حلولاً سريعة من خلال حكومة وطنية تعمل على تنفيذ المطالب المشروعة دون المساس بالثوابت الوطنية في مقدمتها الوحدة اليمنية المباركة التي هي صمام أمان حاضر ومستقبل اليمن ، بإعتبار الوحدة هي القاسم المشترك لأبناء الوطن الذي نفاخر به ، ولا بد من التضحية بالغالي والنفيس حفاظاً على هذا المنجز العظيم الذي تحقق يوم 22 مايو 1990م .

من هذا المنطلق ولهذه الإعتبارات فإن المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية يرى أهمية تغليب مصلحة السواد الأعظم لهذا الشعب وصولاً إلى تحقيق أهداف ثورة التغيير السلمية التي أصبحت أمل هذا الشعب لتحقيق وإنجاز الآمال العظيمة التي إنتظرها شعبنا طويلاً والمضي بها إلى حياة حرة كريمة أساسها العدالة والمساواة وتخصيص ثروة الشعب وما يمتلكه في بطون وقيعان أرضه وجباله لصالح أبنائه للبناء والإعمار والأمن والسلام ولن يتأتى ذلك إلا بقيام دولة مدنية ديمقراطية تسمح بالتداول السلمي للسلطة بشكل ديمقراطي وتحديد الفترة الرئاسية بأربع سنوات ويمكن لفترتين في ظل حكومة وحدة وطنية ونظام برلماني تكون الإنتخابات الحرة والنزيهة على أولويات الإصلاحات المنشودة ، وهكذا يكون قطار الثورة السلمي قد أنجز وحقق الحلم الكبير الذي عبرت عنه أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م .

والله من وراء القصد .

president@yemencdsir.org


في السبت 23 إبريل-نيسان 2011 04:18:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://m1.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://m1.marebpress.com/articles.php?id=9986