مائة يوم.. ثورات في مضمون ثورة
بقلم/ محمد احمد العقاب
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يومين
الخميس 19 مايو 2011 10:13 م

طال الانتظار وطالت حالة الترقب والصمت في مسار الثورة الشعبية والشبابية اليمنية (ثورة التغيير )...تجاوزت المائة يوم ..وهي كل يوم تلد من جديد بفضاء واسع ومدنية تتجلى بين صفحاتها اليومية الخالدة ذاكرة اليمن الحديث .مائة يوم .... تبدو كرقم بسيط في كراسة معلم الرياضيات من حيث العدد ، وتبدو أيام بسيطة لموظف في نظام صالح لم يتمكن من خلالها بناء فيلة ضخمة وفتح رصيد في بنك أجنبي ..لكنها تبدو في نظر شعب يعيش حالة ثورية كل يوم يمر عليه كليلة القدر بمعجزاتها وأحداثها .مائة يوم ... تبدو كعلامة عشرية أمام ثلاثة عقود ونيف من أيام نظام اللاشرعية من حيث العدد ، لكنها من حيث المضمون تشكل تاريخ بحد ذاته ، تاريخ صيغت أحداثة ومجرياته بعلامة زمنية فارقة في ذاكرة الأيام .

مائة يوم ... غيرت فيها الثورة تلك النظرة القاصرة السوداء والمشئومة التي رسمها نظام العقود البغيضة وشوه من خلالها اليمن و الإنسان بكافة جوانب الحياة .

مائة يوم ... لم يصنع الشعب فيها ثورة فحسب بل ثورات متعددة لو لم تكن ...لكنا بحاجة إلى عقود لكي نعالجها ..فما أجمل السنين عندما تختصر بذاكرة الأيام .

وقبل أن نطرق هذه الثورات لابد أن نذكر ونتذكر أننا كنا قبل مائة يوم في نظر العالم المحيط بنا (بدو غلب علينا الشقاء والجهل ، قات وسلاح وقبائل تتناحر فيما بينها ، مصنع للقاعدة وهوليوود للمسرحيات والأفلام الهزلية المبلورة تحت غطاء الإرهاب ، نعيش على بركة السماء ودعوة خير الأنبياء ، لا نعرف القانون ولا نحلم بالمؤسسات ، نسائنا لا يعرفن إلا المطابخ لطهي الطعام ولا يدركن معاني الحروف بحبر الأقلام ) هكذا رسم نظام صالح طيلة ثلاثة عقود النظرة لدى الغرب عن شعب خلقة الله واستعظمه فقال ( ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) وقال في كتابه متسائلا عن قريش (أهم خير أم قوم تبع ) .. صدق الله العظيم .

ومازال البعض من دول العالم في طريقها الى تصحيح النظرة عندما صدعت ثورة التغيير بثورات متعددة في مضمون ثورة .

تجلت هذه الثورة بخطوطها العريضة كثورة لتغيير النظام وهي الغاية المنشودة والنتيجة الحتمية لنظام تقمص الجمهورية بقياس ملكي واتخذ مفردات براقة لمغالطة أبنائه ، واصطنع من الأزمات وسيلة ساعدته على البقاء ، ولكننا غفلنا أو غفل البعض منا عن قراءة مضامين الثورات اليومية التي تفرزها الثورة كنتاجا زمنيا و مراحلا في طريق النضوج .

فكانت أن ولدت ثورة الوعي الاجتماعي كثورة تزداد نضوجا كل يوم ..فساحات التغيير أعادت لنا بناء ما انهار من المنظومة الاجتماعية وصاغ من عاداتها فكر متقدم يتناسب مع الألفية الثالثة ،فالكثير من العادات القبلية تركها أبناء اليمن خلف ظهورهم ليستقبلوا عهدا مشرقا ،لا تمثل فيه القبيلة وعاداتها سوى موروث شعبي وفلكلوري يمكن تجاوزه أمام القانون والمدنية الحديثة ، وهذا ما احدث إحباط لدى نظام صالح الذي راهن على حرب أهلية وقبلية في الساحات لشعب يملك أكثر من خمسين مليون قطعة سلاح ويمثل السلاح روتينا مألوف في حياته اليومية ،وسقط رهانه أمام الوعي الاجتماعي الذي رسمه أبناء اليمن بصورة أذهل العالم بثورته السلمية ، ليتمخض عنها ثورة في الوعي العلمي والثقافي ولعل ما لفت انتباهي في هذا الجانب لافته لأحد المتظاهرين كتب عليها (أريد أن أكون عالم وليس عامل ).. ومع تقديرنا لدور العمال في بناء المجتمعات إلا أن وقفة واجبة منا أن نتأملها أمام هذا الحلم المشروع ببناء وطن يرفع قواعده العلماء مما يوحي أن هناك بعدا علميا وثقافيا أفرزته الثورة في هذا الجانب .

لتتجلى ثورة في الوعي السياسي أفرزت قيادات شابه تستطيع قراءة الواقع السياسي بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية فضلا عن الاصطفاف السياسي الموحد من كافة الأطياف السياسية في الساحات ؛ لتجتمع كلها تحت راية وطن واحد مليء بجروحه وآهاته ومشاكله لتعمل هذه الساحات على صقل وتطهير وفرز المكونات السياسية بنفسها ، فالكثير من علامات الاستفهام التي كنا نتساءل عنها ربما أدركنا لها الجواب ، هذا الاصطفاف رافقه تلاحم شعبي تحت مظلة الوحدة الوطنية جعلت من النظام في حالة تخبط أمام سيناريوهات كانت مرسومة تتساقط في كل يوم أمام عظمة ووعي هذا الشعب الثائر ، ورافق هذا الوعي السياسي وعيا سياسيا أخر اخذ بعد قوميا تجلى بأنصع صوره في الذكرى الــ63 ليوم النكبة ، فالشعارات الموحدة في أنحاء الوطن العربي المطالبة بالعودة أعادت لنا الأمل بالوعي القومي والروح العربية وأهمية الشعور بالانتماء العربي وإدراكنا لقضيتنا المركزية فلسطين وهو ما يعد مؤشرا هام في مسار التضامن العربي خلال الفترة القادمة، هذا يعزز مفهوم الحالة الثورية في عمقها العربي ومضمونها الواسع .

وتأتي ثورة الذات أو الضمير كحصيلة أو نتاج أولي لمحصول الثورة ... فالعديد ممن خلعوا براثن النظام الحاكم بغض النظر عن مأربهم واللغط السياسي حولهم إلا أنهم قاموا بثورة الذات فصحت ضمائرهم والتي نأمل جميعا أن يكملوا مراحلها بخطوات ملموسة يطهروا منها أنفسهم من مظالم اقترفوها لن تمحيها ذاكرة الثورة ولن يسقطها الشعب بالتقادم ، وحتى لا يتحول مضمون هذه الثورة من ثورة الذات إلى ثورة من اجل الذات .

من هنا تتجلى أهمية الزمن في معظم الثورات من خلال القضاء على بعض السلبيات التي خلفها النظام الحاكم في حياتنا اليومية ، وما نأمله جميعا هو القضاء على ما تبقى من سلبيات كي تلد الثورة ببراءتها الطاهرة دون الحاجة إلى سياسة الإقصاء والعزل التي ينتهجها بعض الأيدلوجيين المتشددين دينيا ، فالمرونة في الأفكار التي لا تتنافي مع التعاليم السمجاء حكمة لا تزال غائبة ومفقودة ، لنصحو في يوم قريب نردد أبيات شعرية للشاعر عبد الله البر دوني رحمه الله ..

أفقنا على فجر يوم صبي

فيا صحوات المنى اطربي

أتدرين يا شمس ماذا جرى

سلبنا الدجى فجرنا المختبي

أتدرين أن سبقنا الربيع

نبشر بالموسم الطيب

فولى زمان كعرض البغي

وأشرق عهدا كقلب النبي ....