حصاد الهوى المتبع
بقلم/ الشيخ / مهيوب سعيد مدهش
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 16 يوماً
الأحد 03 فبراير-شباط 2013 09:26 م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد:

فإن الهوى في الباطل مضادٌ للحق والعقل فهما لا يجتمعان أبداً فإما أن تكون صاحب حق أو هوى وإما أن تكون صاحب عقل أو هوى فالهوى كما قيل هوان دنيا وأخرى ، قال تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاويين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتذكرون ) وقال تعالى : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواه وتمنى على الله الأماني ) .

وقال الشاعر :

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى  إلى بعض ما فيه عليك مقال

إذا الـمـرء لـم يـغـلـب هـواه أقـامـه             بـمـنـزلـةٍ فـيـهـا العزيز ذليل

وقال :

يا نفس توبي فـإن الـوقت قـد حـانـا  وأعصِ الهوى فالهوى ما زال فتانا

وقال

فأردته ورغب النفس يردي              ويـبـدي للفـتـى الحـيـن الـمـبـيـنـا

وفي الأثر : إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى فما تحت أديم السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع .

فإذا لم تقد الهوى قادك إلى الهاوية فهو أحق بالجهاد من الأعداء ..ولذلك قيل : آفة الرأي الهوى، سئل حكيم أي الأصحاب أبر ؟ فقال : العمل الصالح ، وسئل أي الأصحاب أضر ؟ فقال : النفس والهوى ، فمن ركب الهوى هوى به، فيا من بهوة الهوى قد هوى فمن اتبع هواه هلك ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهواته على دينه ، أرباب الهوى أطفال وان شابوا وأفضل الأعمال خلاف هوى النفس وما ذاق طعم الإيمان من رأى لنفسه قيمة فأخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك وأقرب الطرق إلى الله مخالفة النفس والمثل يقول : أحبس هواك عن الفواحش وأطلقه في المكارم تشيد به شرفك وتبر به سلفك ، وقد ذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية السابقة بلعام ابن باعوراء ، وسواءً أكان بلعماً من بني إسرائيل أو من أهل اليمن أو من مدينة الجبارين فالعبرة كما قيل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فقد أتاه الله آياته وأياً كانت هذه الآيات سواءً أكانت من كتب الله المنزلة أو هي أسم الله الأعظم أو حجج التوحيد ، لكنه ركن إلى الدنيا وانسلخ من العز الذي آتاه الله واتبع هواه فشبهه بالكلب اللاهث لأنه أخس الأمثال على أخس الحالات وأبشعها إذ كل لاهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حالة راحته وحال كلالة ، فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته فقال : إن وعظته فهو ضال وإن لم تعضه فهو ضال .

وهذه الآية من أشد الآيات على أهل العلم والقضاة وهم قدوة المجتمع فيا ضيعة العمر إذا مالوا عما يأمرهم به علمهم ويل لهم ثم ويل لهم دنيا وأخرى قال تعالى : ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ، قال تعالى : (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) وفي الآية الثانية : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ) فإن المراد بها : إما قيام العبد بين يدي الله يوم القيامة للحساب أو قيام الله على إحصاء ذنوب عبده ليجازيه عليها إذا لم يكن العبد في دار الدنيا قد نبذ هوى نفسه واتقى الله فيها ، وأكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور كما هو منطوق الحديث.

إن المستقرئ لأتباع الهوى يجده وراء تكذيب الأمم لرسلهم قال تعالى : ( وكذبوا واتبعوا أهوائهم ) كما نجده وراء النفاق والرياء وارتكاب معصية القتل بغير حق والاستئثار بالأموال والسرقة والربا وتعاطي المخدرات واستباحة الفواحش والجرائم المختلفة وجشع الكثيرين من التجار ورجال الأعمال وأصحاب المناصب العالية واستيلائهم على العقارات والأراضي الإستراتيجية ذات المواقع المربحة فأصبحت الهوة كبيرة بين طبقات الأغنياء والفقراء ومن هذا الجشع حرص الموظف الجشع على الحصول على وظيفة ذات شأن ليحصل على ثروة كبيرة وسهلة وفي وقت قصير يصبح ذا نفوذ وسلطان يملك الفلل والأرصدة لهذا نرى هذا الصنف لا يقتنع إلا بوظيفة ذات مغنم إما في منفذ جمركي ممتاز أو موقع ضرائبي مدرار أو مركز وظائفي عسكري أو مدني أو مؤسسي اقتصادي أو سفير أو ملحق سفارة أو ... أو ... أو .

ومن هذا القبيل جاء حرص أصحاب النفوذ على كراسيهم والبقاء فيها لفترة أطول ولو أدى ذلك إلى إهلاك الحرث والنسل وإفقار الآخرين وإذلالهم بل تعداه كما رأيناه في فعل الحكام قديماً في روما فقال نيرون : لتحرق روما وليسلم نيرون، وقال حكام بعض العرب : لتهلك الشعوب وليبق الحكام ، وما فعله حكام ليبيا ومصر وتونس واليمن وسوريا عنا ببعيد .

كل هذا بسبب إتباع الهوى ثم بعد ذلك لا يخجل من هذا شانه أن يشهد صلاة الجمعة أو العيد ويلوح بالسبحة أمام من يعرفه أو يتمسح بالصالحين وربما أسهم في تأسيس جمعية خيرية أو تبرع لها ليحصل على مدح ممن لم يعرف حقيقته وربما خطب وشهد على أعدائه في زعمه أنهم من أهل النار ، نسأل الله السلامة والعافية . والله المستعان ،،،